خطبة عن ( هل لك خبيئة مع الله؟)
يناير 20, 2017خطبة عن ( قلوب تشتاق للجنة)
يناير 20, 2017الخطبة الأولى ( انْوِ الْخَيْرَ واحسد فاعله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِ – صلى الله عليه وسلم – فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ،قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً »
إخوة الإسلام
لقد لفت نظري بعض المتحدثين في إحدى الجلسات ، حيث قال أحدهم : ، ( لو أعطاني الله مالا كثيرا ، لتصدقت منه على الفقراء والمحتاجين ، و لساهمت في المؤسسات الخيرية ، وأقرضت المعسرين ، وفرجت عن المكروبين والمنكوبين) ، وبعد لحظات ، سمعت آخر يقول : ( لو قدر لي أن أكون حاكما ، لوجد الناس مني من الشدة والقسوة الكثير ، ولنهبت من الأموال القناطير ،و لشربت من المسكرات غير قليل) ،قلت في نفسي : سبحان الله ، خالق الخلق ، ومقدر المقادير ، فهذا المتحدث الأول: تمنى فعل الخيرات ، ولهذا ، كتب له أجر من تصدق بماله ، وهو لا يملك مالا ، وكتب له أجر من فرج عن المكروبين ، وهو لم يدفع لهم شيئا ، لقد فاز هذا الموفق بمجرد أن نوى فعل الخيرات صادقا ، وتحدث بها متمنيا ، وحزنت على المتحدث الثاني ، وأشفقت عليه ، لقد كتبت عليه الذنوب والعاصي ، وهو لم يفعل شيئا ، ولم يحقق طموحاته ، ولكنه نوى الشر ، وتحدث به ، فأصبح وكأنه قسى على الناس ، ونهب الأموال الحرام ، وشرب الخمر والمسكرات ، وحمل نفسه من الأوزار والخطايا ، وهو مازال في مجلسه ولم يفارقه بعد ،وهنا تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي ذكر لنا فيه أصنافا من الناس ، حاسبهم الله على أعمالهم وعلى نياتهم ، ففي سنن الترمذي بسند صحيح عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِىِّ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ الأَنْمَارِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فأحفظوه قَالَ « إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ».
أيها المؤمنون
« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري ومسلم ،فلينو كل منكم فعل الخيرات ، وإن لم يستطع فعلها ، فالنية الصادقة هي أساس العمل ، وهي التي تجعل العبد يثاب على عمله أو لا يثاب ، وهي ركن من أركان العبادات كلها ، والنية في العمل قد تجعل الحلال حراما ، وقد تجعل المباح محظورا ، فمثلا : الزواج عمل مشروع ، ويحث عليه الدين ، وأمرنا به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، والصداق أو المهر ركن من أركان النكاح ، ويجوز دفعه مقدما أو تأخيره ، ولكن ، إذا نوى الرجل أن لا يدفع الصداق المؤخر لمن أراد نكاحها، أصبح هذا الرجل زانيا بهذه المرأة ، وليس زوجا لها بالحلال ، لمجرد نيته الصادقة بعدم دفع الصداق لهذه المرأة ، بعد الدخول بها ، ومثال آخر ، فمعلوم لنا أن الدين مباح ، ولكن ، من استدان دينا ، وهو ينوي عدم السداد ، أصبح هذا الشخص سارقا لهذ المال ، والشاهد على المثالين السابقين ما رواه الإمام أحمد في مسنده ( أن صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ يُحَدِّثُ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّمَا رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقاً وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ زَانٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ ادَّانَ مِنْ رَجُلٍ دَيْناً وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ إِنَّهُ لاَ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهِ فَغَرَّهُ بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ سَارِقٌ »، وأيضال فإن المميز بين العادة والعبادة هو النية وإلى هذا المعنى أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – حين سُئل عن الرجل يقاتل رياءً ويقاتل حمية ويقاتل شجاعة أي ذلك في سبيل الله تعالى؛ ففي صحيح البخاري(عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ، فَأَىُّ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا ، فَهْوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »)
أيها المؤمنون
وفي قصة مهاجر أم قيس ، والذي هاجر في زمن رسول الله من مكة إلى المدينة ، بغية أن يتزوج من هذه المرأة التي يحبها ، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصته ونيته قال قولته المشهورة كما في صحيح البخاري : (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » )
إخوة الإيمان : والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وتكون النية قبل العمل ويجب فيها حضور القلب وصدق العزيمة والإخلاص لله تعالى لا خاطرا فقط ،فلو علم المسلم فضل النية وعظمتها لتأسف حسرة وندامة على ما فاته من عظيم الأجور.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (انْوِ الْخَيْرَ واحسد فاعله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا نظرنا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري :« إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ » . فإن نية المقتول الفاسدة ، وإرادته السيئة ، هي التي جعلته من أصحاب النار ، رغم أنه قتل ولم يقتل بسيفه ، ولو كانت نيته جهادا في سبيل الله ، أو دفاعا عن النفس أو المال أو العرض ، لكان من الشهداء في جنات النعيم ، وقد ينال المسلم أجر المجاهدين في سبيل الله ، بمجرد أنه ينوي الجهاد في سبيل الله ، وينال أجر الشهداء بمجرد أنه يتمنى الشهادة في سبيله ،والشاهد على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ » )
أيها الموحد
وإليك هذه الوصايا : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ يَوْمًا أَوْصِنِي يَا أَبَتِ ، فَقَالَ : ( يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا نَوَيْتَ الْخَيْرَ ) ،وعن سفيان الثوري قال :(ما عالجت شيئا أشد على من نيتي لأنها تنقلب علي) وعن ابن المبارك قال (رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية ) وقالوا : ( صلاح القلب بصلاح العمل وصلاح العمل بصلاح النية ) (اطلب النية للعمل قبل العمل ) (ما دمت تنوي الخير فأنت بخير )، لا ينفع قول إلا بعمل ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بما وافق السنة ،من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته فإن الله عز و جل يأجر العبد إذا حسن نيته حتى باللقمة إياك والنية السيئة ، فإنها علامة من علامات الشقاء ، وصفة من صفات التعساء ، الذين ملئت قلوبهم بالبغض والحقد والشر ، وإذا سمحت لهم الظروف ، أظهروا في الأرض الفساد ، وأغضبوا رب العباد: ( تمن الخير واحسد فاعله ، فمن أحب قوما حشر معهم )
الدعاء