خطبة حول قصة حديث: (يَا أَعْرَابِيُّ: هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟، قُلْتُ: نَعَمْ )
نوفمبر 6, 2021خطبة عن (أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ) مختصرة
نوفمبر 6, 2021الخطبة الأولى (إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا الإِيمَانُ قَالَ «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الإِثْمُ قَالَ « إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ ».
إخوة الإسلام
الإيمانُ باللهِ تعالى من أَعْظَمِ القَضَايا والاهتمامات التي اهتمَّ بمعرفَتِها أصْحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا يَسْأَلونه عن الإيمان وعَلَاماتِه، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن من علامات الايمان أن يسعدك فعل الحسنات ،ويحزنك الوقوع في السيئات ،وَفي صحيح البخاري : (قَالَ ابنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» .فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ) .
فشُعُورَ المُؤمِنِ بِعَظَمِ الذَّنبِ وَإِن كَانَ صَغِيرًا، دَلِيلٌ عَلَى سَلامَةِ قَلبِهِ وَزِيَادَةِ مُستَوَى الإِيمَانِ فِيهِ، فَإِذَا عَمِلَ المَرءُ سَيِّئَةً وَوَقَعَ في قَلبِهِ مِنهَا حُزنٌ وَاستِيَاءٌ وَوَجَلٌ؛ حِيَاءً مِنَ اللهِ ،وَخَوفًا مِنَ العُقُوبَةِ، فَهُوَ مُؤمِنٌ، وَإِذَا فَعَلَ حَسَنَةً وَحَصَلَ لَهُ بها فَرَحٌ وَسُرُورٌ دُونَ عُجبٍ أوَ غُرُورٍ، فَهُوَ مُؤمِنٌ؛ وذّلِكُم لأَنَّ المُؤمِنَ الحَيَّ القَلبِ يُمَيِّزُ بَينَ الطَّاعَةِ وَالمَعصِيَةِ، فَيَفرَحُ بِالأُولى وَيُحِبُّهَا ،وَيَتَّسِعُ صَدرُهُ كُلَّمَا ازدَادَ مِنهَا، وَيَحزَنُ لِلأُخرَى وَيَكرَهُهَا ،وَيَشعُرُ بِالضِّيقِ وَالحَرَجِ كُلَّمَا قَارَفَهَا، بِخِلافِ الفَاسِقِ أَوِ المُنَافِقِ؛ فَإِنَّهُمَا لا يُفَرِّقَانِ بَينَ الطَاعَة وَالمَعصِيَة، بَل وَلا يُبَالِيَانِ بِفِعلِ المَعَاصِي وَاقتِرَافِهَا، وَقَد يُجَاهِرَانِ بها وَيَتَبَجَّحَانِ بِفِعلِهَا، وَقَد تَنحَطُّ حَالُهُمَا وَتَعظُمُ مُصِيبَتُهُمَا، فَيَرَيَانِ الحَسَنَةَ سَيِّئَةً وَالسَّيِّئَةَ حَسَنَةً، وَهَذَا مِنَ البِلاءِ وَالعُقُوبَةِ المُعَجَّلَةِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : ” كُلُّ أُمَّتي مُعَافى إِلاَّ المُجَاهِرُونَ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: 8]، والسرور بالحسنة ،والحزن عقب الوقوع في السيئة لَيسَ غَايَةَ الكَمَالِ، مَا لم يُتبعْ المؤمن ذلك بِالازدِيَادِ مِنَ الحَسَنَاتِ ـ وَمُضَاعَفَةِ الصَّالِحَاتِ ،وَالثَّبَاتِ في الطَّاعَاتِ، وَالإِقلاعِ عَنِ السَّيِّئَاتِ المُوبِقَاتِ ،وَالتَّقلِيلِ مِنَ الخَطَايَا وَالمُخَالَفَاتِ، فالحُزنَ الحَقِيقِيَّ ، وَالاستِيَاءَ الصَّادِقَ مِنَ السَّيِّئَةِ هُوَ أَن يَكرَهَهَا صَاحِبُهَا مَهمَا صَغُرَت، ثمَ يُبَادِرَ بِالإِقلاعِ عَنهَا وَالتَّوبَةِ مِنهَا، عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ إِلَيهَا، خَائِفًا أَن تُورِدَهُ المَهَالِكَ ،وَتُوقِعَهُ في عِقَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الاستِيَاءِ بِاللِّسَانِ لَحظَةً يَسِيرَةً عَابِرَةً، مَعَ استِمرَارِ العَبدِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ ،دُونَ تَرَاجُعٍ، فَهَذَا هُوَ الإِصرَارُ المَذمُومُ، وَالَّذِي لا يَتَّصِفُ بِهِ المُتَّقُونَ ،
أيها المسلمون
ومن الواضح أن هناك فرقا بين الفرح بالحسنة والسرور بالطاعة ،وبين العجب : فالأول مأمور به المسلم في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] ،فحقيقة فرح المؤمن هو امتنان ناجم عن اعترافه بالمنة والفضل ،وإحساسه بالكرم والمودة ،وشكره على توفيق الله له بالطاعة. بينما يغلب على -العجب- النظر للنفس ،والعلو بها ،والتيه بفضلها ، والاغترار بما تمكنت من الصبر على الطاعة ،واستطاعت أن تحصله من أسباب القربات ،وخاشع الدمعات. فالفارق بين نظر الإنسان لنفسه ،وبين معرفته بصاحب الفضل وهو الله ذو الجلال والإكرام. قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:21]. فالإحساس بالفرح بما أنعم الله به على العبد من الطاعات لا حرج فيه, ولا يؤثر على العمل ما دام قد وقع بإخلاص لله تعالى؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ, قَالَ: “تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ”, فالعجب المذموم – كما قال العلماء – هو: استعظام العمل أو النعمة والركون إليها, مع نسيان إضافة ذلك إلى المنعم سبحانه وتعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
« إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ». فللإيمان مؤشرات، وعلامات ينبغي للمسلم الأخذ بها؛ لكي يتدارك إيمانه قبل أن يتدنى، فالإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص بالعصيان، والسؤال الذي يجب على الانسان أن يسأل به نفسه : هل تسوؤك سيئتك ،وتسرك حسنتك؟ ابحث ذلك في حياتك اليومية، في علاقاتك مع ربك، ومع والديك، مع أسرتك، مع رفاقك، ومع كافة المجتمع، اسأل نفسك؟، هل يسُرك أن تسهر كلَّ يوم حتى وقت متأخر من الليل، مهملا أولادك ومضيعًا لصلاة الفجر في جماعة ؟ ، وليسأل الموظف المتسيب عن عمله: هل يسرك تسيبك هذا أم يسوؤك؟، وليسأل الطالب الذي يغش في الامتحان: هل يسرك عملك أم يسوؤك؟، وليسأل الزوج نفسه: هل يسرك تبرج امرأتك وبناتك ؟ ولتسأل الفتاةُ نفسها بصدق: هل يسركِ إصراركِ على لبس العباءة الضيقة والملابس الخليعة؟، وليسأل رب الأسرة نفسه: هل يسُرك أن تترك أولادك وبناتك يتابعن المواقع الإباحية ؟، وهل يسُرك أن تترك أولادك يحفظون الأغاني ولا يحفظون شيئا من كتاب الله؟، وليسأل المدخن نفسه: هل يسُرك تدخينك أم يسوؤك؟ ، وليسأل البخيل نفسه: هل يسُرك امتناعك عن أداء الزكاة ومصير مالك أن يتمتع به ورثتك من بعد موتك؟، وليسأل المرء الذي يأخذ كمبيالات وتسهيلات بنكية ربوية: هل يسُرك قرضك هذا أم يسوؤك؟ ،وليسأل التاجر نفسه: هل يسُرك غشك للناس وعدم نصحك لهم؟، وليسأل نفسه كل واحد يضع في جواله النغمات الموسيقية أو المقاطع الغنائية فيدعها ترن وتعزف في بيت الله وأثناء وقوفه أمام الله قائما أو ساجدا، فهل يسرك عملك هذا أم يسوؤك؟، واسأل نفسك :هل يسرك دخولك كل جمعة بعد دخول الإمام وليسأل الشاب نفسه الذي يتأخر دائما عن صلاة الجماعة؟، وهل يسركم ما يُفعل بالمسلمين المستضعفين ؟، إنها أسئلةٌ تحتاج إلى صدق مع النفس، ومراجعة للأخطاء .
الدعاء