خطبة عن (واقع الأمة الإسلامية ومن أين نبدأ ؟)
مايو 5, 2017خطبة عن كيف يكون الفرار إلى الله؟ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)
مايو 6, 2017الخطبة الأولى ( من أين نبدأ ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد والبزار (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ». ثُمَّ سَكَتَ )
إخوة الإسلام
هل عودة المجد للأمة في هذا الزمان وهم أم حقيقة؟ وهل المبشرات بانتصار الإسلام تحتاج إلى قرون لتتحقق أم أن هناك أمل في تحققها خلال سنوات؟! وكيف يتحقق والأمة متفرقة أشتاتًا وشيعا، والأمراض الاجتماعية تكاد تفتك بأبنائها, والعصبيات والنعرات القومية تتحكم في دولها, والأعداء قد أحكموا قبضتهم على مقدراتها، والمشروع ( الصهيو أمريكي ) يمضي في طريقه قدُما؟! فأقول مستعينا بالله : نعم، إن الوضع القائم بالغ السوء، ولكن مع قسوته وظلمته فإن الثابت الصحيح أن الفجر سينبلج، وهلال المجد سيظهر في سماء الدنيا، وشمس الإسلام ستشرق من جديد، وليس ذلك فحسب بل بإمكاننا نحن- أبناء هذا الجيل- أن نكون ممن يرى تباشير هذا كله، ونشارك في صناعة هذا المجد. فلو استطعنا أن نتعرف على سبب الحال المزرية التي وصلنا إليها، وأن نتوصل إلى المخرج الآمن، والدواء الناجح الذي يخلصنا مما نحن فيه، فسيتغير الوضع سريعًا، وسينطلق المارد من محبسه، وتتحقق البشارات قال تعالى : {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 4 – 6].
أيها المسلمون
لا بديل من أن نبدأ بالإسلام الشامل فنقيمه في أنفسنا، ثم في أرضنا، ثم ننتقل به إلى العالم أجمع. أو بعبارة أخرى: لن يتم حل المشكلة التي نعاني منها، والخروج من النفق المظلم الذي نسير فيه ،إلا إذا استبدلنا غضب الله برضاه ، حتى يوقف سبحانه عقوبته عنا ، قال تعالى : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40].والسؤال : فكيف لنا أن نفعل ذلك؟! ما الذي يريده الله منا كي يرضى عنا وينصرنا؟ فأقول : إن الأمر واضح تمام الوضوح, فالله عز وجل يريد منا عدم الشرك به, يريد أن نخلص أعمالنا كلها له، فلا نتعلق بغيره، ولا نعتقد أن هناك من يملك نفعنا أو ضرنا سواه. يريد منا أن نقيم شرعه ونرفع رايته. يريد منا أن نطيعه ولا نعصيه, أن نصلي الصلاة على وقتها, أن ترتدي نساؤنا الزي السابغ الساتر الذي لا يصف ولا يشف. يريد منا أن نغض أبصارنا عما لا يحل لنا, يريد منا أن نكف عن سماع الأغاني الخليعة والموسيقى الماجنة, يريد منا إلا يخلو الرجال بالنساء. يريد منا أن تكون عزتنا به وحده, لا بمناصبنا أو نسبنا أو أموالنا، أو … إلخ. ويريد منا أن نحبه ونحب رسوله أكثر مما نحب أهلنا وأبناءنا وأموالنا وعقاراتنا. يريد منا أن نتحد ولا نتفرق، وأن نتآخى فيه, وأن نتعامل بالإحسان فيما بيننا. يريد منا أن ننطلق بالدعوة إليه في كل مكان، فنرد التائهين، ونرشد الحائرين، ولا يهدأ لنا بال حتى يكون الدين كله لله. فإن لم نفعل ذلك ، وظل الحال على ما هو عليه، فلا تسل عن أي تحسن للوضع القائم، وعن أي أمل في التغيير، بل عليك أن تنتظر الأسوأ والأسوأ. وكيف لا والله لا يخُلف وعده، ولقد وعدنا بعظيم المثوبة إن فعلنا ما يرضيه، ووعدنا كذلك بالعقوبة إن خنا أمانته، وابتعدنا عن طريقه، ولقد تحقق وعده سبحانه بالعقوبة، وإن لم نسارع ونبادر باسترضائه وحمل أمانته فستستمر العقوبة، وستتضاعف.
إخوة الإسلام
والسؤال : ما الذي يمنعنا عن فعل ما يرضي الله خاصة ، فإن الجميع يعلم بأنه مستهدف، وأن الحرب على الإسلام قد اشتعلت، والنار قد أمسكت بأطراف ثيابنا، ومع ذلك فنحن نتصرف وكأن شيئًا لم يكن.متى ننتبه؟ ومتى نستيقظ؟ ومتى نفيق ؟ ألا توجد وسيلة ننتبه من خلالها ونعود إلى الله ونفعل ما يرضيه قبل وقوع الكوارث القادمة ودخولنا في دائرة الطوفان والذل والعذاب المهين؟ والإجابة نجدها في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38، 39]. فالآيات تُشخص سبب عدم فعل الناس ما يرضي الله ألا وهو : الرضا بالدنيا وحبها والتعلق بها، ومن لم يتخلص من ذلك فالعذاب ينتظره. وهذا هو الحادث معنا، وواقعنا خير شاهد على ذلك. وما يؤكد هذا التشخيص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود والبيهقي ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ » ، نعم لقد طبقنا كل ما في هذا الحديث: رضينا بالزرع ، وتاقت أنفسنا لتملك الأراضي ، والضياع والعقار، وتبايعنا بالدّين والسلف لشراء مستلزمات الحياة العصرية المرفهة, وحلم الثراء يسيطر علينا، ويقيدنا ببنود تحقيقه, وتركنا الجهاد والتضحية في سبيل الله .. فماذا كانت النتيجة؟ عاقبنا الله عز وجل كما يشير الحديث بالذل، وعلى يد من؟ على يد إخوان القردة والخنازير أجبن شعوب الأرض وأذلها عند الله. إذن فحب الدنيا والتعلق بها هو الذي يمنعنا من القيام بما يريده الله عز وجل. حب الدنيا وإيثار شهواتها هو الذي يجعلنا نسهر أمام التلفاز نشاهد الأفلام والمباريات ونترك صلاة الفجر. حب الدنيا وطلب المنزلة عند الناس هو الذي يجعل الفتاة تخرج بهذا الوضع السافر الذي نراه، وإن غطت شعرها بغطاء رقيق فإن باقي ملابسها تظل بعيدة عما يرضي الله عز وجل. حب الدنيا وطلب العلو فيها هو الذي يجعلنا نعتد برأينا، ونتناحر فيما بيننا ونختلف ونتباغض ونتحاسد ونتدابر. حب الدنيا هو القيد الذي يقيد قلوبنا، ويجذبنا نحو الأرض، ويمنعنا من فعل ما يرضي الله كلما هممنا بذلك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أين نبدأ ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد أكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، ففي مسند الإمام أحمد وغيره : (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ « أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».
إخوة الإسلام
إن مشكلة أمتنا هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمانية، فكلما تمكن حب الدنيا من القلب نقص الإيمان, وكلما نقص الإيمان ازداد التثاقل في أداء التكاليف والواجبات، ومن ثمَّ ازداد التقصير في جنب الله، وازداد الانكفاء على الذات، والتعلق بالأرض والطين، وازداد تبعا لذلك غضب الله علينا.معنى ذلك ، إن نقطة البداية الصحيحة للخروج من المأزق الراهن، هي أن نبدأ بالإيمان فنقويه ، فتقل تبعًا لذلك مساحة حب الدنيا في القلب، وتنفك القيود والأثقال، فيسهل على المرء القيام بالواجبات المختلفة، ويكون دوما في حالة من الانتباه واليقظة. يبحث كل منا عن كل ما يرضي ربه ليفعله، وكل ما يغضبه فيجتنبه. ومع الأهمية القصوى للإيمان، وكونه يُشكِّل نقطة البداية الصحيحة لعودة المجد لأمتنا، إلا أنه لا يكفي وحده، بل لا بد أن يترجم هذا الإيمان إلى أعمال صالحة تبني ما تهدَّم، فالله عز وجل يريد منا قلبًا حيا مفعما بالإيمان، متعلقًا به، متوكلا عليه، ويريد منا كذلك بذل الوسع والطاقة في سبيل إقامة دينه, فإن رأى منا ذلك كانت معونته وولايته ونصرته في انتظارنا. فالولاية من الله عز وجل على قدر ذلك، واستمرارها باستمراره، وزيادتها ونقصانها مرتبطين بزيادة الإيمان ونقصانه ، قال تعالى :{وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
إخوتي في الله : بعد أن تأكدنا أن البداية الصحيحة لاستعادة مجد الإسلام من جديد، هي العمل على زيادة الإيمان ، والتمكين له في قلوبنا، يبقى السؤال: كيف لنا أن نفعل ذلك؟ وما هي الوسائل التي من شأنها أن تشفي قلوبنا، وترفع عنا أثقالنا، وتحرر قيودنا، وتدفعنا لأن نكون دوما في حالة من الانتباه ،واليقظة، وسرعة الإذعان ، والتلبية لله عز وجل؟! ذلك ما نجيب عليه في اللقاء القادم إن شاء الله
الدعاء