خطبة عن الحق وكلمة الحق (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ)
مايو 28, 2022خطبة عن (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)
مايو 30, 2022الخطبة الأولى ( الْجَهْلُ والْجَاهِلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (63) الفرقان، وقال الله تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) (64) الزمر، وقال الله تعالى: (قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (138) الأعراف، وقال الله تعالى: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) (29) هود، وروى في الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ) ،وفي رواية : «أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ)، وفي رواية: (أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ)
إخوة الإسلام
لقد حثّ الله تعالى عباده على العلم ،وبين لهم منزلة العلم والعلماء ،والثواب العظيم عند الله، قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر (28) ،وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11]، وذم الله تعالى الجهل وحذر منه ،وبيّن أنه سبب إعراض المعرضين عن دعوة الأنبياء والمرسلين ،يقول الله تعالى مخبراً عن قول نوح لقومه: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [ هود: 29]، وذكر سبحانه أن الجهل هو الذي دفع قوم لوط لعمل جريمتهم البشعة من اللواط, قال تعالى: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [ النمل: 55] ،والجهل أيضا يدفع الناس للشرك بالله ،قال تعالى عن موسى عليه السلام وقومه: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [ الأعراف: 138] ،
والجهل: ضد العلم، والجاهل: هو الجاهل بربه ،الجاهل بدينه ،الجاهل برسوله، الجاهل بنفسه، وحكمة وجوده ومآله، فمن كان كذلك فهو جاهل ،وإن كان حاصلا على أعلى الدرجات العلمية، ومن أرقى الجامعات الدولية، فالعلم بالدين واجب، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، وأما علوم الدنيا من (طب وهندسة وغيرها) فهي فرض كفاية ،أذا قام بعض المسلمين سقط عن الآخرين ،وينقسم الجهل إلى: الجهل البسيط: وهو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالماً به. وأما الجهل المركب: فهو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع. كمن يعتقد أن الشمس تطلع صباحا من المغرب، وكما يحسب المشركون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس ذلك كذلك، فذلك بيد الله عز وجل، ولا يؤمن منهم إلا من هداه فوفقه، ولا يكفر إلا من خذله الله عن الرشد فأضله، ومن الجهل ما قتل: ففي مسند أحمد وغيره : (أن ابْنَ عَبَّاسٍ يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَصَابَهُ احْتِلاَمٌ فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَمَاتَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِىِّ السُّؤَالُ » ، وفي رواية في سنن أبي داود : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ ». أَوْ « يَعْصِبَ ». شَكَّ مُوسَى « عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ». والعي هو الجهل . وقال بعض السلف: ما عصي الله بذنب أقبح من الجهل. وقيل للإمام سهل: يا أبا محمد! أي شيء أقبح من الجهل؟ قال: الجهل بالجهل، قيل: صدقت؛ لأنه يسد باب العلم بالكلية. وقال بعض العلماء: الجهل على أربعة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم. والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. والثالث: فعل الشيء على خلاف ما حقه أن يفعل، سواء كان الاعتقاد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً. والرابع: قول خلاف الحق، ومن الملاحظ أن الموصوفين بالجهل في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من الناس كلهم مذمومون: إما كافر جاحد لرسالة نبيه، وإما مشرك أو منافق مضيع للأمانة الكبرى التي كلف بها الإنسان ، وإما مؤمن عاص استزله الشيطان، وغلبته شهوته فوقع في ما يجب الاستغفار منه، ويمكن القول إن الجهالة سبب كبير للمعاصي والذنوب، بل هي مصدرها ومنشؤها . قال أبو العالية: «سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن قوله: {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء:17] فقالوا لي: كل من عصى الله فهو جاهل»
أيها المسلمون
والجهل الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقع في الأمة ،وأنه سيكون من أسباب تفرقها ،هو جهل بأمرين أـ الجهل بعلوم الشريعة: فالجهل بها يوقع الانسان في المعاصي . ب ـ والجهل باللغة العربية: فبسببه لا يفهم القرآن ولا السنة ويؤولونها تأويلا خاطئا، وينحرفون عن الدين والصراط المستقيم ،ومن الجهل: عدم العمل بالعلم, ولقد ذم الله سبحانه علماء السوء الذين يقولون ما لا يعملون فقال سبحانه وتعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [ البقرة: 44] ،لذلك كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على العمل بالعلم الذي تعلموه ،يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: وقد علمت فماذا عملت فيما علمت، ويوصينا رضي الله عنه فيقول: لا تكون تقيا حتى تكون عالما ،ولا تكون بالعلم جميلا حتى تكون به عاملا ،ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ( تعلموا، تعلموا، فإذا علمتم فاعملوا)، ومن الجهل: عدم فهم الدليل ووضعه في غير موضعه ،وهذا نتيجة قصور العلم لذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج بأنهم : (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ – أَوْ حَنَاجِرَهُمْ) متفق عليه، ومن الجهل: المنازعة في المسألة قبل استكمال العلم وإحكامه ،وجمع حواشيه وأطرافه، فيظن المسلم أنه بقراءته للقرآن قد استكمل العلم ،فيذهب للمنازعة وإنكار ما يجهله ،فلقد أنكرت أم يعقوب على عبدالله بن مسعود لعنه للواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ بَلَغَنِى عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ وَمَالِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ إِنِّي لأَقْرَأُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْهِ فَمَا وَجَدْتُهُ. قَالَ إِنْ كُنْتِ قَرَأْتِهِ فَقَدْ وَجَدْتِهِ أَمَا قَرَأْتِ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) قَالَتْ بَلَى. قَالَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ نَهَى عَنْهُ)، لذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يفعله المسلم عند الجهل ببعض العلم فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان : (ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) ،ومن الجهل: أن ينكر الإنسان ما يجهله وما غاب عن علمه ،ومن الجهل: الانشغال والاهتمام بالعلوم الدنيوية التي يتحصل المسلم بها على وظيفة ودخل ويكون انشغاله على حساب تعلمه أمور دينه الأساسية ، ومن الجهل: تجزئة الشريعة والأخذ ببعض النصوص بدون بعض أو الزعم بالاستغناء بالقرآن الكريم عن السنة النبوية.
أيها المسلمون
فما شقيت أمة بمثل شقائها بجهلها، فالجهل آفة تنخر في كل كيان الأمة، وهو رأس الآفات ومصدر البليات، وشرره وشره يطال الأمة في إيمانها وهويتها وإنتاجها، وضرره على العمل الصالح كبير وعظيم، فقد يأتي عليه بالبطلان والفساد، وقد يتسبب بنقصه وعدم إتمامه على الوجه المطلوب، وقد يتسبب بتركه بالكلية، وقد يجعل صاحبه يرتكب البدع والخرافات معتقداً أنها أعمال صالحات يتقرب بها إلى ربه جل وعلا. فلا أبشع من ظلمة الجهل، لأنها تستحيل صاحبها أعمى وإن كان مبصرا، ومتخبطا وإن كان رزينا، متهورا وإن كان عاقلا ،قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122] ،والجهل من أمارات خراب الدنيا وقيام الساعة ،ففي صحيح البخاري: (عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالاَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ »، فمعنى: (يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ ) يعني به الموانع المانعة عن الاشتغال بالعلم ،ومعنى: (وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ) أي بموت العلماء، فكلما مات عالم يرفع العلم بالنسبة إلى فقد حامله، وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْىُ الثَّوْبِ حَتَّى لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا ». فَقَالَ لَهُ صِلَةُ مَا تُغْنِى عَنْهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صَلاَةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاَثًا كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. ثَلاَثًا).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْجَهْلُ والْجَاهِلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مظاهر الجهل وصوره كما جاءت في القرآن الكريم: الهزء في موضع الجد: ونلمس هذا في قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع قومه في قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]. ومن مظاهر الجهل: تغليب العاطفة على العقل: ونلمس هذا المسلك في قصة نوح صلى الله عليه وسلم مع ابنه، حيث طلب نوح عليه السلام من الله عز وجل الشفاعة في ابنه الذي كفر وكان من المغرقين، فقال سبحانه وتعالى في شأنه: { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (45) ،(46) هود. ومن مظاهر الجهل : تقويم الناس بالمال والجاه لا بالقيم والأخلاق: ونلمس هذا في قوم نوح الذين نظروا إلى من آمن منهم نظرة ازدراء واحتقار؛ لأنهم فقراء لا يملكون مالاً ولا جاهاً، وطلبوا من نوح أن يطردهم ويتخلى عنهم، قال تعالى: {فَقَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ 27 قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ 28 وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 27 – 29]، أي: لا تعلمون الميزان الذي يوزن به الناس وهو ميزان الله عز وجل الذي يقوّم الناس بإيمانهم وأعمالهم لا بمالهم وجاههم. ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». ومن مظاهر الجهل: الشذوذ عن الفطرة: ونلمس هذا في قصة لوط عليه السلام، فقد شذ قومه لجهلهم وسفههم وطيشهم عن الفطرة، وذلك بإتيانهم الذكران من العالمين وتركم لما خلق الله عز وجل لهم من أزواج: {وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ 54 أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 54، 55]. ومن مظاهر الجهل :استعجال عقاب الله تعالى: وهذا ما نلمسه في قصة هود عليه السلام مع قومه الكافرين المعرضين عن دعوته: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 22 قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 22، 23]. ومن مظاهر الجهل : طلب عبادة الأوثان: وهذا ما نلمسه في قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع قومه الذين طلبوا منه أن يجعل لهم صنماً يعبدونه ويعكفون عليه شبيهاً بآلهة الكنعانيين التي مروا عليها وهم في طريقهم إلى بلاد الشام: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]. ومن مظاهر الجهل: المطالبة بإنزال الخوارق والمعجزات بعد بيان الحق ووضوحه: ونلمس هذا في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار من قومه الذين طالبوه بالمعجزات المادية مع أنه أتاهم بأعظم معجزة وهي القرآن العظيم الذي تحدي بيانه وفصاحته وبلاغته الإنس والجن. فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إلَيْهِمُ الْـمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْـمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١].
الدعاء