خطبة عن ( أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزلَةً )
نوفمبر 12, 2022خطبة عن (الاقراض لوجه الله تعالى )
نوفمبر 15, 2022الخطبة الأولى ( من آثار وثمرات الإيمان بالله تعالى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (9) التغابن، وقال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (11) التغابن
إخوة الإسلام
إن الإيمان بالله عز وجل ووجوده، أمر لا شك ولا جدال فيه عند أصحاب العقول السليمة والفِطَر السوية، قال ابن تيمية: ”إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة”. فكل مخلوق قد فُطِر على الإيمان بخالقه مِنْ غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا مَنْ طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِه، أَوْ يُنَصِّرَانِه، أَوْ يُمَجِّسَانِه) رواه البخاري .فإنكار وجود الله دعوى واهية لا دليل عليها، بل الفطرة السوية ومعها الأدلة العقلية تناقضها، وتقضي بوجود الخالق سبحانه وتعالى ووحدانيته. فوجود الله تعالى دل عليه العقل السليم، والفطرة السوية، فضلاً عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي تدل على وجوده سبحانه.
وللإيمان بالله تعالى آثار وثمرات متعددة، يقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } [إبراهيم:24 – 25]، ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: أن الإيمان الصادق يُضفي الطمأنينة والراحة النفسية والانشراح للصدر، وهذا مصداق قوله تعالى: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: تحصيل المعيَّة الخاصة من الله للمؤمنين ؛أي يخرجهم من ظلمات الكفر وتبعاته إلى نور الإيمان وثوابه، والفوز برضا الله وبالجنة التي أعدها لمن آمن وصدَّق به، قال الله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 72]، ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: دفاع الله عن أوليائه وحزبه وأحبابه المؤمنين، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا } [الحج: 38]، وكذلك الرفعة في الدين والإمامة فيه؛ قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24]، ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: محبة الله للمؤمنين، قال تعالى: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، وكذلك الحياة الطيبة في الدارين، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97]، وكذلك حصول البشارة لأهل الإيمان بكرامة الله لهم؛ يقول الله تعالى: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 112]، ولا أعظم من رحمة الله جل وعز ورضوانه وجنته، يقول تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [البقرة: 25]، ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: أن الإيمان سبب للثبات، يقول تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران: 173]، وكذا الانتفاع بالموعظة؛ يقول تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]، فلا ينتفع بالذكرى أو الموعظة إلا أهل الإيمان. وجعل الله تعالى الخير في كل حال للمؤمن؛ ففي حال السعة وفي حال الضيق يكون الخير حليفًا للمؤمن، ففي صحيح مسلم: (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» ، فالإيمان يحمل صاحبه على الصبر في الضرّاء، والشكر في السراء. ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: عصمة المؤمن من الوقوع في الكَبائِر؛ ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ »، ومن آثار الإيمان في حياة المؤمن: زيادة حرص المؤمن على الانقياد للشرع المطهر، يقول تعالى: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور: 51] ،فالإيمان يحمل صاحبه على المبادرة للامتثال والانقياد لأمر الله جل وعز. يقول تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65] ،بل ويحمل الإيمان صاحبه على التسليم والرضا بأمر الله جل وعز. ومن آثار الإيمان في حياة المؤمن: الحب في الله والبغض في الله، وذلك أوثق عُرى الإيمان؛ يقول الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، وفي الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »، ومن آثار الإيمان في حياة المؤمن: الصبر على الجهاد في سبيل الله وبذل الغالي والنفيس؛ ليرضى الله عز وجل، يقول تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15]، وكذا تعلُق القلب بالله ووعدِه وما عنده وسعادته بذلك؛ فجنة الدنيا بالنسبة له الإيمان وطاعة الرحمن، ويرجوا جنة الآخرة التي هي وعد الله له، بل ويرجوا الأجر من الله لكل ما يَلْقَاه من نَصَب وتعب وعَرق، وأن تكتب في صَحَائِف أعماله، يقول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:120- 121] ،فكل هذا لأهل الإيمان به والصدق في معاملته جل وعز. وكذلك الحصول على وِلاية الله ورسوله، يقول الله عز وجل: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} [المائدة: 55] وتولي الله أي: محبته سبحانه، ونصرة دينه، ومحبة أوليائه، والبراء ممن ضد ذلك؛ وهم أعداء الله، يقول جل وعز: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المجادلة: 22]، بل المؤمن يتولى الله ورسوله والمؤمنين ولا يتخذ الكافرين أولياء ألبتة، يقول جل وعز: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من آثار وثمرات الإيمان بالله تعالى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار الإيمان في حياة المؤمن: تحصيله الخُلُق الحَسَن، ففي صحيح الأدب المفرد للبخاري 🙁عن ابن عمر قال: ” إن الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”، فالمؤمن يحسن خلقه مع إخوانه ليعيش في نعيم دنيوي بلا شقاق ولا خصومات…كل هذا لأنه مؤمن، وليس ذلك إلا للمؤمن. والسعادة الحقيقية والراحة النفسية ملازمة للمؤمن؛ مما يجعله يشعر بأنه في جنة الدنيا من السعادة وراحة البال؛ لأن له رب واحد هو الله جل وعز، ونبي واحد هو محمد بن عبدالله ﷺ، ومنهج واحد هو اتباع رضوان الله، وهدف واحد هو جنة عرضها السماوات والأرض. فإشباع الجانب الروحي لن يحصل إلا بالإيمان؛ لأن الروح من عند الله، والجسد خلقه الله من تراب، فكلما أشبعت الجانب الروحي سمت نفسك وارتقت واطمأنت وارتفعت عن سَفَاسِف الأمور، وكلما أهملت هذا الجانب انحدرت نفسك إلى الطبيعة الحيوانية الشهوانية، وزاد ضِيقها وضَنَكها، وأظلمت الدنيا في عينيها.
الدعاء