خطبة عن (النجاة في الكتاب والسنة )
ديسمبر 27, 2022خطبة عن حديث ( آنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحينَ )
ديسمبر 27, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح الأدب المفرد للبخاري: (عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق “. وفي رواية في مسند الإمام أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ »
إخوة الإسلام
للتخلق بالأخلاق الحسنة أهمية كبرى، فقد تضافرت النصوص من كتاب الله عز وجل على الأمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونصت على الكثير منها، فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: 90] ،وقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]، وأيضًا فإن الالتزام بالأخلاق الحسنة هو امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو الذي يأمر بها، ويحض عليها، ففي سنن الترمذي بسند صححه: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، وهناك ارتباط وثيق بين الأخلاق والعقيدة، لذلك فكثيرًا ما يربط الله عز وجل بين الإيمان والعمل الصالح، الذي تعدُّ الأخلاق الحسنة أحد أركانه، فالعقيدة دون خُلُق، هي شجرة لا ظل لها ولا ثمرة، أما عن ارتباط الأخلاق بالشريعة، فإن الشريعة منها عبادات، ومنها معاملات، والعبادات تثمر الأخلاق الحسنة إذا ما أقامها المسلم على الوجه الأكمل، لذا قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45]، وأما صلة الأخلاق بالمعاملات، فإنَّ المعاملات كلَّها قائمة على الأخلاق الحسنة في أقوال المسلم وأفعاله، أما أثر الأخلاق في سلوك الفرد: فللأخلاق أثرها في سلوك الفرد، لما تزرعه في نفسه من الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع.. وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح والنجاح، يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9-10]، والأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنًا في ضعف إمكاناتها المادية، أو منجزاتها العلميَّة، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها، ومكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية، لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فقدت الأخلاق تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار، ثم إلى الدمار.
أيها المسلمون
وقد جاء الإسلام لنشر معالي الأخلاق ومحاسنها بين الناس، والنهي عن كل رذيلة، واجتناب مساوئ الأخلاق، فرغب في التحلي بالخلق الحسن، بل وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مثالًا حيًّا للأخلاق العالية الرفيعة، كما ربى صلى الله عليه وسلم جيلا من أصحابه يتميزون حتى يومنا هذا بالجيل الأفضل أخلاقًا في تاريخ الإسلام. فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم دعوة للفضيلة، والحث على الأخلاق الحسنة، ومعالي الأمور، فلم يترك فضيلة إلا ورغب فيها، ودعا إليها، مبينا ثواب من التزم بها، وعمل بمقتضاها، وحثَّ على الأخلاق الحسنة فيما بين العبد وربه، بعبادته وحده لا شريك له، وامتثال أمره واجتناب نهيه، والاستعانة به، والرضا بما قضى وحكم، والتوكل عليه، وغيرها من أنواع العبادات. كما حث على الأخلاق الحسنة فيما بينه وبين العباد، وأجلها الانقياد لأوامر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والابتعاد عما نهى عنه وزجر، ومحبته، وما بينه وبين الوالدين ببرهما وطاعتهم في غير معصية الله، وحسن الجوار، وإحسان الصحبة، وحسن المعشر. وبالجملة كانت رسالته صلى الله عليه وسلم دعوة لكل خلق حسن، واستكمالا لكل فضيلة في نفوس أمته والبشرية جمعاء، ودعوة لبناء مجتمع إيماني، قوامه الأخلاق العالية الرفيعة، فقد كان العرب قديما يشتهرون بالأخلاق الكريمة والمناقب العالية، فجاءت بعثته صلى الله عليه وسلم تتميما لهذه الأخلاق، فكما أنه اللبنة الأخيرة في بناء الأنبياء، فهو أيضا اللبنة التي أتمت مكارم الأخلاق والفضائل الحسنة.
أيها المسلمون
وقد لخّصَ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم رسالتَه وغايةَ بعثته بكلمة موجزة، وكيف لا وهو الذي أُوتيَ جوامعَ الكَلِم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ) وفي لفظ آخر (مكارم الأخلاق). فصالح الأخلاق ومكارمها غايةٌ عظيمةٌ، ومقصدٌ شريفٌ من غايات ومقاصد هذا الدّين، وهذا النبيّ الكريم بعث ليُعلّم العالم والبشرية كيف تكون الأخلاق، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم والعربَ على أخلاقٍ؛ ولكنَّها تحتاجُ لتهذيبٍ وتصحيحٍ وتسديدٍ، ويدل عليه لفظة (لأُتمّم). فالعربُ كانتِ تَتخلَّقُ ببعضٍ مِن محاسنِ الأخلاقِ، بما بقِيَ عندهم مِن شريعةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، ولكنْ كانوا قد ضلُّوا بالكُفرِ عن كثيرٍ منها؛ فبُعِثَ صلى الله عليه وسلم لِيُتمِّمَ محاسنَ الأخلاقِ، فقوله: “إنَّما بُعِثْتُ”، أي: أُرْسِلْتُ للخلْقِ، “لأُتَمِّمَ”، أي: أُكمِّلَ ما انتقَصَ، “مكارمَ الأخلاقِ”، أي: الأخلاقَ الحَسنةَ والأفعالَ المُستحسَنةَ الَّتي جبَلَ اللهُ عليها عِبادَه، فيَجعَلُ حَسَنَها أحسَنَ، ويُضيِّقُ على سيِّئِها ويَمنَعُه. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأكثرهم حياء، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة .. وبالجملة: فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله – صلى الله عليه وسلم – منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق، فهو بحق الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، ففي مسلم : (عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ». وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ – قَالَ – فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ فَما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أصبح حسن الخلق مطلبا ملحا للأمة في هذا الزمان، لتبرز به الوجه الحضاري للإسلام، وتسترجع به سالف عزها، وسابق مجدها، فقد كان الناس في الماضي يدخلون في دين الله أفواجا، لِمَا يرون من حسن معاملة المسلمين، وجميل أخلاقهم ،وأسوتهم وقدوتهم في ذلك هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، الذي كان خلقه القرآن، وأهتم بالأخلاق غاية الاهتمام ، ورفع من شأنها. وعن أم الدرداء قالت: (قام أبو الدرداء ليلة يصلي ، فجعل يبكي ويقول : اللهم أحسنت خلقي فحسن خلقي، حتى أصبح، قلت: يا أبا الدرداء، ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق ؟ فقال: يا أم الدرداء، إن العبد المسلم يحسن خلقه، حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه ،حتى يدخله سوء خلقه النار، والعبد المسلم يغفر له وهو نائم، قلت: يا أبا الدرداء، كيف يغفر له وهو نائم؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيجتهد فيدعو الله عز وجل فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجيب له فيه)، وَفي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِي الدرداء – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ». وسئل بعض العلماء عن علامات حسن الخلق فقال: (هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً صبوراً شكوراً، رضياً حكيماً رفيقاً، عفيفاً شفيقاً، لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً ،ولا بخيلاً ولا حسوداً، بشاشاً هشاشاً ،يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق).
الدعاء