خطبة عن صلاح البال والحال ( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)
يناير 14, 2023خطبة عن (احذر اللهو الباطل )
يناير 15, 2023الخطبة الأولى ( من معجزات الرسول: امرأة رأت عجبا وكانت سببا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ – يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِىَ عَوْفٌ – ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِى مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِى أَصَابَهُمْ قَالَ «لاَ ضَيْرَ – أَوْ لاَ يَضِيرُ – ارْتَحِلُوا ». فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِىَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّىَ مَعَ الْقَوْمِ ». قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ. قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا – كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ – وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ» . فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ – أَوْ سَطِيحَتَيْنِ – مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا ،فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا .قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا. قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -. قَالَتِ الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِى تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ – أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ – وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِىَ، وَنُودِىَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِى أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ». وَهْىَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «اجْمَعُوا لَهَا». فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا ، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَسْقَانَا». فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ. وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ – تَعْنِى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ – أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِى هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ)
إخوة الإسلام
المعجزة هي: أمرٌ خارق للعادة، يُجْرِيه الله تعالى على أيدي الأنبياء والمرسَلين؛ تأييدًا لهم، وتحديًا لأقوامهم؛ وقد أيد الله جميع الأنبياء بمعجزات منها ما ذكر في القرآن أو في السنة، ومنها ما لم يذكر قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) {الحديد:25} ،وفي الصحيحين: (عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاه اللَّهُ إِلَيّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). والحكمة من هذا التأييد: أن تكون المعجزة دليلاً وبرهاناً على صدق الأنبياء، وأنّهم مرسلون من الله -تعالى-،وأن تكون المعجزة دافعًا لمن يشهد هذه المعجزات ليؤمن بالله -تعالى- ، وبما جاء به الأنبياء من شريعة و الأحكام، وأن تكون المعجزة تأكيداً على أنّ الذي جاء بها وجرت على يده نبيٌّ؛ لأنّ المعجزات لا تجري على يد بشرٍ إلّا الأنبياء، وكان في التاريخ من الناس مَن كَذَبَ وادّعى النّبوة كمسيلمة الكذاب، وثبت كذبه بعدم تمكّنه من الإتيان بمعجزةٍ، فمع تفاوت استجابات الناس ، وتقبّلهم للدعوة؛ كان من الضروريّ تأييد الله -تعالى- لأنبيائه بالمجزات؛ فالناس متفاوتون في عقولهم، ونقاء فطرتهم وقلوبهم، فمنهم من يؤمن ويستجيب دون الحاجة إلى آيةٍ وبرهان، ومنهم من يحتاج إلى البرهان حتى يوقن ويؤمن،
هذا وقد أيد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالكثير من المعجزات الدالة على صدق رسالته، ومن أهمها: القرآن الكريم: فالقرآن هو كلامُ الله حقيقةً، المنزَّل على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، يقظةً لا منامًا، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المعجِز بلفظه، والمتحدى بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: رحلة الإسراء والمعراج: قال الله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]. وقال سبحانه: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 1 – 18]. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاق القمر: قال الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 1 – 5]. وروى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: (أن أهلَ مكةَ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آيةً، فأراهم القمرَ شِقَّتينِ، حتى رأوا حراءً (اسم جبل) بينهما)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: نبع الماء من بين أصابع نبينا صلى الله عليه وسلم: فقد روى البخاريُّ عن سالمٍ عن جابرٍ رضي الله عنه، قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة (إناء صغير من الجلد)، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لكم؟) قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضَّأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: (فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون)،قال: فشربنا وتوضَّأنا، فقلت لجابرٍ: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مائة ألفٍ لكفانا، كنا خمس عشرة مائةً)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: تكثير الطعام والشراب بين يدي نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم عن أنس بن مالكٍ قال: قال أبو طلحة لأم سليمٍ: قد سمعتُ صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيءٍ؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصًا من شعيرٍ، ثم أخذت خمارًا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي، وردَّتني ببعضه (جعلت بعضه رداءً على رأسي)، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسلك أبو طلحة)، قال: فقلت: نعم، فقال: (ألِطَعَامٍ؟)، فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (قوموا)، قال: فانطلَق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة، فأخبرتُه، فقال أبو طلحة: يا أم سليمٍ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نُطعُمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلُمِّي ما عندك يا أم سليمٍ؟) فأتَتْ بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففُتَّ، وعصَرَتْ عليه أمُّ سُليمٍ عُكَّةً (وعاء صغير من جلد للسمن خاصة) لها، فأَدَمَتْهُ (جعلت فيه إدامًا)، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: (ائذن لعشرةٍ)، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: (ائذن لعشرةٍ)، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: (ائذن لعشرةٍ)، حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلًا أو ثمانون) ، ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لأصحابه من وراء ظهره: فقد روى البخاري عن أنس بن مالكٍ، قال: أقيمت الصلاة، فأقبَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: (أقيموا صفوفكم، وتراصُّوا؛ فإني أراكم مِن وراء ظهري)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: سجود البعير وشكواه لنبينا صلى الله عليه وسلم: فقد روى أحمدُ عن أنس بن مالكٍ قال: كان أهل بيتٍ من الأنصار لهم جمل يَسْنُونَ عليه، وإن الجمل استَصْعَب عليهم، فمنَعهم ظهرَه، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نَسْنِي (نُحضر الماء) عليه، وإنه استَصعَب علينا، ومنَعَنا ظهرَه، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا) فقاموا، فدخل الحائطَ والجملُ في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، إنه قد صار مثل الكَلْبِ الكَلِبِ، وإنا نخاف عليك صولتَه، فقال: ليس عليَّ منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل نحوه، حتى خرَّ ساجدًا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلَّ ما كانت قط، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا نبي الله، هذه بهيمةٌ لا تعقِلُ تسجد لك، ونحن نعقِلُ، فنحن أحقُّ أن نسجد لك! فقال: (لا يصلُحُ لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ، ولو صلَح لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها؛ من عِظَمِ حقه عليها)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: حنين الجذع شوقًا لنبينا صلى الله عليه وسلم: فقد روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرةٍ أو نخلةٍ، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: (إن شئتم)، فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة، دُفِعَ إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه إليه، تئنُّ أنينَ الصبي الذي يُسَكَّنُ، قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمَعُ مِن الذِّكرِ عندها)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: انقياد الشجر لنبينا صلى الله عليه وسلم: فقد روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سِرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيَحَ (واسعًا)، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعتُه بإداوةٍ (إناء) من ماءٍ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرَ شيئًا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (جانبه)، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغُصنٍ من أغصانها، فقال: (انقادِي عليَّ بإذن الله)، فانقادت معه كالبعير المَخْشُوشِ (عود يجعل في أنف البعير ويشد فيه حبل ليذلَّ وينقاد)، الذي يُصانِعُ قائدَه، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصنٍ من أغصانها، فقال: (انقادي عليَّ بإذن الله)، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمَنْصَفِ (عند نصف المسافة) مما بينهما، لَأَمَ بينهما – يعني جمعهما – فقال: (التَئِمَا عليَّ بإذن الله) فالتأمتَا، قال جابر: فخرجتُ أُحضِرُ (أعدو وأسعى سعيًا شديدًا)؛ مخافةَ أن يُحِسَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقُرْبي فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة (النظرة إلى جنب)، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلًا، وإذا الشجرتانِ قد افترقتا، فقامت كل واحدةٍ منهما على ساقٍ)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: تسليم الحجَر على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: فقد روى مسلم عن جابر بن سمرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجَرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ علَيَّ قبل أن أُبعَثَ، إني لأعرفه الآن)؛ ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: ريق نبينا صلى الله عليه وسلم: فقد روى الشيخانِ عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأعطين الرايةَ غدًا رجلًا يفتح الله على يديه)، قال: فبات الناس يدُوكون (يتحدثون) ليلتهم أيُّهم يعطاها، فلما أصبح الناس، غدَوْا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالبٍ؟)،فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: (فأرسلوا إليه، فأتوني به)،فلما جاء بصق في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: (انفُذْ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه؛ فوالله لأَنْ يهديَ الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مِن أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ)؛ وغيرها وغيرها الكثير من المعجزات التي يضيق الوقت عن ذكرها .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من معجزات الرسول: امرأة رأت عجبا وكانت سببا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الحَديثِ النبوي الذي بين أيدينا اليوم يَرْوي عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَسيرٍ، قيلَ: كانوا راجِعينَ مِن خَيْبرَ، أو في الحُدَيْبيَةِ، «فأدْلَجوا لَيلتَهم» أي: ساروا أوَّلَها حتَّى إذا كان وَجهُ الصُّبحِ قَريبًا مِن وَقتِ الفَجرِ، «عرَّسوا» ،أي: نَزَلوا آخِرَ اللَّيلِ للاسْتِراحةِ، فغَلبَتْهم أعْينُهم، فناموا حتَّى ارتفعَتِ الشَّمسُ، وهو كِنايةٌ عن خُروجِ وَقتِ صَلاةِ الصُّبحِ، ولم يُدْرِكوا بذلك صَلاةَ الفَريضةِ، فكان أوَّلَ مَنِ استيقَظَ مِن مَنامِه أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه، وكان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم لا يُوقِظونَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مَنامِه حتَّى يَستَيقِظَ مِن تِلْقاءِ نفْسِه؛ وذلك خَشْيةَ أنْ يكونَ قد يُوحَى إليه في مَنامِه، ثمَّ استَيقَظَ عُمَرُ بعْدَ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فقَعَد أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه عندَ رأسِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعَلَ يُكبِّرُ، ويَرفَعُ صَوتَه بالتَّكبيرِ حتَّى استَيقَظَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووقَعَ في رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ أنَّ عُمَرَ كان رَجلًا جَليدًا، فكبَّرَ، ورفَعَ صَوتَه بالتَّكبيرِ، حتَّى استَيقَظَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا مُنافاةَ؛ إذ لا مَنْعَ للجَمعِ بيْنَهما؛ لاحتِمالِ أنَّ كُلًّا منهما فَعَل ذلك. وفي رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ: «فلمَّا استَيقَظَ شكَوْا إليه الَّذي أصابَهم، فقال: لا ضَيرَ -أو لا يَضيرُ- ارتَحِلوا، فارْتَحَلوا، فسار غيرَ بَعيدٍ، ثمَّ نزَلَ»، وصلَّى بهمُ الصُّبحَ، فاعتزَلَ رَجلٌ مِنَ القَومِ لم يُصلِّ معَ الجَماعةِ، فلمَّا انصرَفَ صلى الله عليه وسلم مِن الصَّلاةِ، قال: يا فُلانُ، – للَّذي لم يُصَلِّ- ما يَمنَعُكَ أنْ تُصلِّيَ معَنا؟ قال: يا رسولَ اللهِ، أصابَتْني جَنابةٌ، وفي رِوايةٍ أُخْرى للبُخاريِّ: «ولا ماءَ»، فلم يكُنْ يُوجَدُ معَهم ماءٌ للغُسلِ، وتُطلَقُ الجَنابةُ على كُلِّ مَن أنزَلَ المَنيَّ أو جامَعَ، وسُمِّيَ بذلك لاجْتِنابِه الصَّلاةَ والعِباداتِ حتَّى يَطَّهَّرَ منها، فأمَرَ صلى الله عليه وسلم الرَّجلَ أنْ يَتيمَّمَ بالصَّعيدِ، وهو التُّرابُ الطَّاهرُ؛ وذلك بأنْ يَضرِبَ يَدَيْه بالتُّرابِ، ثمَّ يَنفُضَهما، ويَمسَحَ وَجْهَه وكفَّيْه مرَّةً واحدةً، ففعَل الرَّجلُ وتَيمَّمَ، ثمَّ صلَّى. ثمَّ أخبَرَ عِمْرانُ بنُ الحُصَينِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جعَلَه في رَكوبٍ بيْنَ يدَيْه، أي: جعَلَه أمامَه، والرَّكوبُ: ما يُركَبُ مِن الدَّوابِّ، وقد عَطِشُوا عَطَشًا شَديدًا، فبيْنَما همْ يَسيرونَ يَطلُبونَ الماءَ ويَبحَثونَ عنه، إذا بامْرأةٍ سادِلةٍ -أي: مُرسِلةٍ رِجلَيْها- بيْنَ مَزادَتَينِ، أي: قِربَتَينِ، فقُلْنا لها: أين الماءُ؟ فقالت: إنَّه لا ماءَ هنا قَريبٌ، فسَأَلوها: كم بيْنَ أهلِكِ وبيْن الماءِ؟ قالت: مَسيرةُ يومٍ ولَيلةٍ، فقالوا لها: انطَلِقي معَنا، واذْهَبي إلى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت -مُتعجِّبةً أو مُنكِرةً-: وما رَسولُ اللهِ؟! قال عِمْرانُ: فلمْ نُملِّكْها مِن أمْرِها شَيئًا، أي: أخَذْناها قَهرًا؛ لأنَّها كانت حَرْبيَّةً، أو للضَّرورةِ، ولم نَلتَفِتْ إلى كَلامِها، حتَّى جِئنا بها إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فحدَّثَتْه المَرأةُ بمِثلِ الَّذي حدَّثَتْنا به، غيرَ أنَّها حدَّثَتْه أنَّها مُؤْتِمةٌ، (أي: ذاتُ أيْتامٍ)، فأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَزادَتَيْها، فمسَحَ في العَزْلاوَينِ (تَثْنيةُ عَزْلاءَ)، وهي فمُ القِربةِ- فشَرِبْنا منها حالَ كَونِنا عِطاشًا أربعينَ رَجلًا، حتَّى ارْتَوَينا، فمَلأْنا كلَّ قِرْبةٍ معَنا وإداوةٍ، وهي إناءٌ صَغيرٌ مِن جِلدٍ يُتَّخذُ للماءِ، غيرَ أنَّهم لمْ يَسْقُوا بَعيرًا؛ لأنَّ الإبلَ تَصبِرُ على الماءِ، وتَرَكوا للمَرأةِ المَزادةَ وهي تَكادُ تَنِضُّ، أي: تَنشَقُّ مِن المِلْءِ؛ لثِقَلِها. ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم لأصْحابِه الَّذين معَه: «هاتوا ما عندَكم»؛ تَطْييبًا لخاطِرِها في مُقابَلةِ حَبسِها في ذلك الوَقتِ عنِ المَسيرِ إلى قَومِها، لا أنَّه عِوضٌ عنِ الماءِ، فجمَعَ لها مِن الكِسَرِ والتَّمرِ، وجُعِلَ في ثَوبٍ، ووُضِعَ بيْن يدَيْها، وسارَت حتَّى أتَتْ أهلَها، فقالت لهم: لَقيتُ أسحَرَ النَّاسِ، أو هو نَبيٌّ كما زَعَموا، فهَدى اللهُ ذاك الصِّرْمَ -أي: النَّفرَ يَنزِلونَ بأهْليهم على الماءِ- بتلك المَرأةِ، فأسلَمَتْ وأسْلَموا.
الدعاء