خطبة عن القرآن (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
فبراير 21, 2023خطبة حول حديث (سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ)
فبراير 22, 2023الخطبة الأولى ( الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (269) البقرة
إخوة الإسلام
تُعرف الحكمة بأنها: وضع الشيء في موضعه، والاصابة في القول والعمل، والعلم بحقائق الأشياء، قال الله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لقمان (12)، والله تعالى هو الحكيم، وهو سبحانه وتعالى مصدر الحكمة كلها: تعليما وتنزيلا، ووحيا، وإيتاءً. وكتابه الحكيم: (القرآن الكريم)، المنزل على رسوله الأمين، هو مصدر أصيل للحكمة: تلاوة، وتدبرا، وتفكرا، واستقاءً. ورسل الله تعالى وأنبياؤه (عليهم السلام) هم الذين تعلموا الحكمة، وأوتوا الحكمة، ونزلت عليهم الحكمة، قال الله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (151) البقرة، وقال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (164) آل عمران، وقال تعالى 🙁وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (63) (64) الزخرف، فقد عُرِف الأنبياء جميعًا (عليهم السلام) بحكمتِهم، وسداد قولهم ورأيهم، كما وهب الله تعالى عبده لقمانَ الحكمةَ، فوعظ بها ابنَه، وعظ بها الناسَ جميعًا. قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : (يَا بُنَيَّ إذَا امْتَلَأَتْ الْمِعْدَةُ نَامَتْ الْفِكْرَةُ وَخَرِسَتْ الْحِكْمَةُ وَقَعَدَتْ الْأَعْضَاءُ عَنْ الْعِبَادَةِ ، وَفِي الْخُلُوِّ عَنْ الطَّعَامِ فَوَائِدُ وَفِي الِامْتِلَاءِ مَفَاسِدُ فَفِي الْجُوعِ صَفَاءُ الْقَلْبِ وَإِيقَادُ الْقَرِيحَةِ وَنَفَاذُ الْبَصِيرَةِ ، فَإِنَّ الشِّبَعَ يُورِثُ الْبَلَادَةِ وَيُعْمِي الْقَلْبَ وَيُكْثِرُ الْبُخَارَ فِي الْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ كَشَبَهِ السُّكْرِ حَتَّى يَحْتَوِيَ عَلَى مَعَادِنِ الْفِكْرِ فَيَثْقُلُ الْقَلْبُ بِسَبَبِهِ عَنْ الْجَرَيَانِ فِي الْأَفْكَارِ). وقد دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لابن عباس بالحكمة ،ففي صحيح ابن حبان: (عن بن عباس قال ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال اللهم علمه الحكمة)
لذلك كان من الواجب علينا أن نلتمس الحكمة ممن آتاهم الله الحكمة، سواء في أقوالهم، أو أفعالهم، أو سيرتهم. وهذا لا يمنع أن نستقي الحكمة ممن آتاهم الله الحكمة من عباده الحكماء، .. والحكمة هي سبيلنا للدعوة إلى الله، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل (125) ، ولا بد لمن أراد الحكمة أن يصبر عليها، ولا يمل ولا يكل من تزكية نفسه، ومن التزود بالعلم، والتواضع، .. وللحكمة علامات، ومنها: (توحيد الله وعدم الشرك به، وشكر الله وحمده، وشكر الناس، وفعل الخيرات، وترك المنكرات). وللحكمة متطلبات وقواعد، ومنها: (الإخلاص لله، والتروي وعدم الاستعجال، والاستفادة من التجارب السابقة، والأحداث الصائبة)، ويتميّز الرّجل الحكيم بصفاتٍ تؤهله لذلك: فالحكيم هو الرّجل العاقل، ثاقب البصيرة، والذي ينظر إلى الحوادث والأمور بعين الخبرة والعلم الواسع، قلّما يخطئ حدسه، ويسدّد بحكمة رأيه، فلا يخطأ رميه، بعيداً عن الهوى والعاطفة، متأنياً غير متسرعٍ في أحكامه ، يعطي الناس زبدة الكلام وخلاصته بحنكةٍ وبصيرةٍ.
أيها المسلمون
والحكمة ضالة المؤمن، فأنى وجدها فهو أحق بها، فللوصول إلى الحق، ومكارم الاخلاق، فلا يأنف المسلم أن يأخذ الفائدة من أي أحد، ما دام لا ينجم عن ذلك ضرر في عقيدته، ولهذا شرع الله لنا أن نقرأ وننظر في أخبار الغابرين، وأن نستقي كل خبر طيب، قال الله جل وعلا على لسان بلقيس: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل:٣٤] فصدقها الله بقوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:٣٤]،
فالعاقل لا يجعل بينه وبين الحكمة والمعرفة حجاباً، ويبحث عنها أينما وجدها، فهو أحق بها؛ لأن ذلك أقرب من الدنو إلى الكمال. والمؤمن لا يزال طالبا للحق حريصا عليه، ولا يمنعه من الأخذ به حيث لاح وجهه، فكل من قال بالصواب، أو تكلم بالحق، قبل قوله، وإن كان بعيدا بغيضا، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (8) المائدة
فليس بغض المؤمن شخصا ما بحامله على رد ما جاء به من الحكمة والخير، بل هو يأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت، وعلى أي لسان ظهرت، ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: “خذوا الحكمة ممّن سمعتموها، فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير رامٍ”. وجاء عن عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: “كان يُقال العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبها، فإن أصاب منها شيئًا حواه، حتى يضم إليه غيره”، ويؤيد هذا القول ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا قوله: “خذ الحكمة ولا يضرّك من أي وعاء خَرَجَتْ”، فهي قاعدة في حياة المؤمن يجب عليه اتباعها، فالمؤمن هو الأحق بالرأي الصائب حيث وُجد.
أيها المسلمون
والمؤمن الحق لا بد أن يبحث عن الحكمة؛ ليتعلمها ويُعلِّمها في كل مجالات حياته، وفي كل موقف يتعرض له، ولا مانع أن يكتسب الإنسان سدادَ الرأي، وحسن التصرف مِن موقف تعرَّض له غيرُه، أو من نصحٍ أسداه إليه غيره، فالإسلام يعلم المسلمين أن يأخذوا الحق من أي وعاء خرج، ويقبلوا الصواب أيا كان قائله، فالمسلم طالب هدى، باحث عن الصواب، رجاع إلى الحق، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم: قبول النصح ممن هو دونك، فكم قبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورة أصحابه،
فالحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق، وقد يتلقف المؤمن الحكمة من عد كافر ، وأكبر دليل وشاهد على ذلك نصيحة الشيطان لأبي هريرة رضي الله عنه، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (فَقَصَّ الْحَدِيثَ) فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . وَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ»، فقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم القول بأن آية الكرسي يحفظ الله من قرأها ولا يقربه شيطان حتى يصبح، وذلك لأن هذه هي الحقيقة، بغض النظر عن قائلها، والحقيقة إن كذبها من شاء تكذيبها فإن تكذيبه لها لا يبطلها لأنه لا يصح غير الصحيح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الحكمة ضالة المؤمن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والعجب كل العجب: أن يعلق بعض الناس قبولهم الحق على قول ذي جاه، أو ذي نسب، أو ذي مكانة في المجتمع، وهذا ما حال بين الأمم السابقة وبين الحق، فعلى سبيل المثال قوم نوح (عليه السلام) ما كان صارفهم عن الحق إلا أن أتباع نوح عليه السلام ليسوا من ذوي المكانة والمنزلة، قال الله تعالى مخبرا عنهم: (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) [هود: 27]. فانصرفوا عن الحق لأنه لم يأت من عظمائهم وكبرائهم، وهذا فساد ذوق، وقلة إدراك، فالعاقل يقبل الحق ولو لم يعرف قائله، فقط يكفي الحق أنه الحق.
أيها المسلمون
فمن لم يؤت الحكمة فهو ناقص العقل، تراه متخبطا في قراراته، تقوده اجتهاداته وآراء الآخرين مهما كانت، وليس له حظ في الإصابة والوصول إلى الحقيقة. لذلك فإننا إذا أنبتنا بذور الحكمة، وتعاملنا بها في بيوتنا وأعمالنا وعَلاقاتنا بالناس، فإن الصواب – لا شك – سيكون ملازمًا لنا، وحسنُ التصرف يكون قريننا. فالمسلم لا بد أن يُفكِّر في قوله قبل النطق به، ويَزِن أفعاله قبل الإتيان بها، ويُعطِي كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا يُعمِل السَّوط إن أغنى الكلام، ولا يُعمِل السيف إن أغنى السوط، وذاك من تصرُّف أولي الألباب الحكماء العقلاء. لذلك فإننا نريد أن نُعلِي قيمةَ الحكمة في بيوتنا ومجتمعاتنا؛ إذ ليس من المعقول أن يكون لدينا المنهج الإلهيُّ والميراث النبوي، ثم بعد ذلك نكون أبعدَ الناس عن الحكمة قولًا وفعلًا.
الدعاء