خطبة حول حديث (سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ)
فبراير 22, 2023خطبة حول حديث (اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ)
فبراير 25, 2023الخطبة الأولى (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن ابن ماجه والسلسلة الصحيحة للألباني: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ «نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخَبَثُ». وروى ابن حبان في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ».
إخوة الإسلام
إذا ظهَرَت في هذه الأُمَّةِ بعضُ المعاصي والآثامِ، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُعاقِبُها ببعضِ ما عاقبَ به الأُمَمَ الهالكةَ؛ زجْرًا لتلك الأُمَّةِ أنْ تأخُذَ طريقَ العِصيانِ. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه في آخر الزمان، تظهر في الأمة ثلاثة أمور: الأول: خسف في الأرض، والثاني: مسخٌ للناس، كما مُسخ بنو إسرائيل إلى قردة وخنازير، والثالث: قذف ورمي بالحجارة من السّماء، وأسباب ظهور هذه العقوبات: كثرة الذنوب والمعاصي، والمجاهرة بها، فقد جاء الوعيد للعصاة من أهل المعازف وشاربي الخمور بالخسف والمسخ والقذف في نصوص كثيرة، ففي سنن الترمذي وصححه الألباني : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « فِى هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قَالَ « إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ»، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح : (عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ».والمسخ يكون حقيقياً، ويكون معنوياً، فقد فسر ابن كثير (المسخ) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [البقرة: ٦٥]. بأنه مسخ حقيقي وليس مسخاً معنوياً فقط، وهو ما ذهب إليه ابن عباس وغيره من أئمة التفسير.
فالخسف، والمسخ، والقذف، واقعٌ في هذه الأمة لا محالة، وذلك عندما تنتشر المعاصي، ويجاهر الناس بها، وينغمسون في الشهوات والملذات، عندها يحلّ بهم ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم، فيخسف بالدار والدور، ويخسف بالقبيلة، ويمسي أناس على اللهو والمعازف، والغناء والفجور والخنا، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير، ولقد وقعت خسوفات في هذه الأمّة في الماضي ، وسيقع الآخر كما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم ، لا يتأخر منه شيء. وكل ذلك إشارة إلى قرب الساعة، ولعل الإنسان أن يعتبر، ويكف عن جرمه وذنبه وينزجر، ويتوب إلى ربه ويرجع. ومن المؤسف والمحزن أن هذه المعاصي نراها في هذا الزمان قد انتشرت في بلاد المسلمين: فشربت الخمور، وانتشرت المراقص والمغاني والقينات، وفاحشة الزنا واللواط، واختلط الرجال بالنساء، وجاهروا بمعصية الله على رؤوس الأشهاد، وهذا نذير شؤم، وعلامة على قرب وقوع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليعلم من كان حياً، أن لله أخذاتٍ، وأنه سبحانه يغار إذا انتهكت محارمه، وضيعت حدوده.
ومن أعظم الرزايا، وأشد البلايا، أن ترى في مجتمع المسلمين من يفعل هذه المعاصي والذنوب، أفلا يخشى من يفعل ذلك أن يخسف الله به، كما خسف بغيره؟ أفلا يعتبر بغيره، أم أنه يرغب أن يكون عبرة لغيره؟. يقول الله عز وجل: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (45): (47) النحل، فإذا كان الخسف، والمسخ، والقذف واقع لا ريب فيه، فلابدّ أن تعلم أيّها المسلم أن لكل شيء سبباً، وسبب هذه العقوبات المؤلمة هي الذنوب والمعاصي. ومنْ أعظمها: ظهور المعازف، وانتشار الزنا.
ولا شك أن الزنا جريمة، وعواقبه وخيمة على الفرد والمجتمع. وللأسف وجد من ينادي به في البلدان الإسلامية، وأعلن عنه في بعضها، أو يسمى بغير اسمه، ومثله تماماً اللواط، أو ما يسمونه اليوم (بالمثلية). فهاتان الفاحشتان ما ظهرت في أُمّة إلا حلّت بها العقوبة. ورأس البلاء، ومفتاح الفواحش والخنا هو النظر المحرّم، فيجر ذلك إلى الوقوع في الفاحشة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث المتقدمة وغيرها يحذر أمته من كثرة المعاصي والذنوب، ومن خطورة المجاهرة بتلك الذنوب، والتي تؤدي إلى تغيير نواميس الكون، فتحدث تلك المصائب، زجْرًا للناس عن طريقَ العِصيانِ، والخبَثِ والفُسوقُ والفُجورُ والمعاصي، والنبي ﷺ أخبرنا عن هذه الأمور: من الاضطراب والفوضى التي تصيب الناس من كثر الهرج والقتل، وكذلك ما يصيب العالم العلوي والسفلي، وما يصيب الأرض في جوها، وما يصيبها في قرارها، وما يصيبها في هوائها ومائها ومطرها وشمسها، كل ذلك سيحدث في آخر الزمان، من الأقدار العظيمة التي يجريها الله تعالى زلازل وهزات، فتن وحروب وقتل وموتان، فالله تعالى يوقظ بهذه الأحداث الغافلين، وينبّه العاصين، ونحن نرى في الأرض اليوم تغيرات، تارة بزلازل وبراكين ، وتغير في الطقس والمناخ ، وهذا يلمسه الكبير والصغير، وهذا التغير فهو نذير بقرب تغيرات أخرى أكبر وأشمل، وأعظم وقعاً وأخطر. فإذا كثرت المعاصي في الأرض، وعم الفساد، يبدأ الهلاك العام بالحصول، ويبدأ الموت الكبير بالوقوع، حتى ولو كان هنالك صالحون ،سيعمهم العذاب ويبعثون على نياتهم، قال الله تعالى: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا) (68) الاسراء .
أيها المسلمون
فمن الواجب على العباد عند حدوث الزلازل والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات وغيرها من الآيات العظام، المسارعة بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، والضراعة إليه، وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره ،واستغفاره، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف كما في سنن النسائي: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الصَّلاَةِ». وقال العلامة ابن القيم (رحمه الله): (وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم)، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم)، وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك: (أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله عز وجل في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم قال: يا أم المؤمنين، أعذابا لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلاً وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتِ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ»، وللأسف فمعظم -إن لم يكن كل- هذه الأمور والمخالفات والمعاصي قد وقعت، وأصبحت للأسف- أمرا مألوفا عند سكان أهل الأرض.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن المتأمل في مجريات حياتنا، وفي واقعنا ومعاشنا، فإنه سيصاب بالرعب الرهيب، والفزع الشديد، بسبب ما نراه من انتهاك حرمات الله وحدوده، وتضيع وتفريط في أوامر الله تعالى وواجباته، فانظروا إلى حال الناس مع أكل الربا، والمبادرة إليه، وحرصهم على المشاركة فيه، وانظروا إلى انتشار الرشوة بين الناس، والتي لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، وانظروا إلى حال النساء من التبرج والسفور، والاختلاط والفجور، وانظروا إلى هجر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم التواصي به، وانظروا إلى قطيعة الأرحام، فالفساد في كل النواحي والمجالات، والتي لا يمكن عدها وحصرها، ونخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا لمكر الله تعالى، قال الله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (النحل:46،45) .
ألا فاعتبروا، وتوبوا إلى ربكم، واشكروه على آلائه، وتذكروا قول الله تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (65) :(68) الأنعام
الدعاء