خطبة عن ( أصناف الناس في حساب القيامة)
فبراير 28, 2023خطبة عن ( الركون للظالمين)
فبراير 28, 2023الخطبة الأولى (الأمن والعافية والقوت) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في صحيح الأدب للبخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»
إخوة الإسلام
نِعَمُ اللهِ سبحانه وتعالى على عِبادِه كثيرةٌ، فهي لا تعد ولا تُحصَى، قال الله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) إبراهيم (34)، ونعم الله ورِّزقُه لعباده مُتعدِّدة ومتنوِّعة؛ فليس الرِّزقُ مَحصورًا في المالِ فقط، وإنما الأمن والأمان رزق، والصحة والعافية رزق ، والأولاد والزوجة رزق، والعلم والفقه في الدين رزق، والبيت والأسرة رزق، والعمل رزق، والعقل والفكر رزق، وكل ما ينتفع به الانسان فهو رزق، وهذا الحديث النبوي الذي بين أيدينا اليوم يشير إلى معنًى مهم؛ ألا وهو ضرورة حاجة الإنسان إلى نعمة الأمن والأمان والعافية والقوت، وأن الواجب على العبد أن يشكر الله تعالى ويحمده إن حصَّل هذه النعم العظيمة الجليلة، والتي لا يعي قيمتها ،ولا يقدر قدرها إلا من حُرمها، أو حُرم شيئًا منها، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ): أي: أصبح في ذلك اليوم، وفي ذلك إشارة إلى أن المؤمن عليه ألا يحمل هم المستقبل، فإن أمره كله بيد الله تعالى، فهو الذي يدبر الأمور، وهو الذي يقدر الأقدار، وعلى العبد أن يحسن الظن بربه، وأن يتفاءل بالخير،
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (آمِنًا فِي سِرْبِهِ): أي: آمنا في أهله وعياله، آمنا في بيته ومسكنه ووطنه، فهو آمن أن يقتله أحد، أو يسرق بيته أحد، أو ينتهك عرضه أحد، فالأمن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، ولا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها، فنعمة الأمن ضرورة من ضروريات الحياة، ولا تستقيم الحياة بدونها، ولهذا لما دعا الخليل إبراهيمُ عليه السلام لأهل مكة قال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: 126] ، فَبَدَأَ بِالأَمْنِ قَبْـلَ الرِّزْقِ؛ لأَنَّ وُجُودَ الأَمْنِ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ، وَلأَنَّهُ لا يَطِيبُ رِزْقٌ إِلاَّ فِي ظِلالِ الأَمْنِ الوَارِفةِ.
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (مُعَافًى فِي جَسَدِهِ): أي: أصبح جسده صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه صباحًا ومساءً هذه العافية في دينه ودنياه ونفسه وأهله وماله، وأمر أصحابه بذلك، وفي سنن أبي داود وغيره قوله: (اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ) وفي سنن الترمذي: (قَالَ « سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ »، وفي سنن أبي داود : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ ». وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكثير من الناس مغبون في هذه النعمة، فقد روى البخاري في صحيحه: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ »،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الأمن والعافية والقوت )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ): أي: قدر ما يغديه ويعشيه، فالطعام من نعم الله العظيمة، قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]. وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من الجوع، فروى أبو داود في سننه: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ». وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الكفاف، أي مقدار ما يكفيه من القوت ،لا هو بالقليل ولا بالكثير، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-«اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) فالمعنى: أن من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث في يومه: (آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ)، فكأنما ملك الدنيا كلها، لأنه اجتمعت له أهم النعم ومتطلبات الحياة، وتمكن من الانتفاع بها بالعافية، قال المناوي رحمه الله: (من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره). وهذه النعم كلها والحمد لله الآن متوفرة لنا: (آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) ، فعلينا أن نشكر اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بأن نستعمل هذه النعم في طاعة الله، ولا نستعمل هذه النعم في معصية الله، وقد اجتمع لكثير من الناس أضعاف أضعاف ما ذُكر في هذا الحديث، ومع ذلك فهم منكرون لها، محتقرون لما هم فيه، ودواء هذا الداء أن ينظر المرء إلى من حرم هذه النعم، أو بعضها، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ».. وإليك هذا الحديث الذي يبين لنا أن كثيرًا من الناس يعيشون عيشة الملوك وهم لا يشعرون ولا يحمدون الله تعالى، ففي صحيح مسلم: (أن أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ: لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، قَالَ فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ).
الدعاء