خطبة حول حديث (ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ)
مايو 16, 2023خطبة عن (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)
مايو 16, 2023الخطبة الأولى (إيمان سحرة فرعون)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) (70): (76) طه،
وقال الله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (46): (51) الشعراء،
إخوة الإسلام
في التاريخ البشري أناس حُفظت أخبارهم في اتباع الحق، والثبات عليه، والصبر على الأذى فيه، حتى لقوا الله تعالى غير مغيرين ولا مبدلين، فلم يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا، بل اشتروا رضا الله تعالى، وآثروا الدار الآخرة على الدنيا، ولعظيم مكانتهم عند الله تعالى، وليقتدي بهم المؤمنون؛ خلّد الله تعالى ذكرهم، وذكر شيئا من ثباتهم، ومن أولئك المؤمنين الثابتين على الحق: (سحرة فرعون)، هؤلاء الذين جمعهم فرعون من شتى المدن والأقطار، لمبارزة نبي الله موسى (عليه السلام) وهزيمته، وكانوا في بادئ أمرهم فرحين باختيار فرعون لهم، مغتبطين بحاجته إليهم، يرجون مكافآته، والقرب منه، ولكنهم سرعان ما اتبعوا الحق لما تبين لهم، وآمنوا برب هارون وموسى، وخروا لله تعالى سجدا، فأُسقط في يد فرعون، ووعدهم بالقتل والصلب بعد التعذيب، فلم يردهم تهديده عن اتباع الحق، والثبات عليه حتى لقوا الله تعالى شهداء، ويا له من حظ عظيم، وفوز كبير أن يعذب العبد في ذات الله تعالى وهو ثابت على دينه، فذلك من أعلى منازل الشهادة في سبيل الله تعالى.
أيها المسلمون
من الملاحظ في هذه القصة الفريدة من نوعها: أن سحرة فرعون لما دعاهم فرعون، وأقبلوا عليه، كان أول قولهم: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:٤١]. فأول شيء سألوا عنه، وهم في ظلمات الكفر، مصلحتهم الذاتية، على حساب المصالح الأخرى، وأرادوا حظهم الدنيوي دون اعتبار لحظ الآخرة، وأجابهم فرعون بنفس المنطق المادي الدنيوي الذي ليس له من الإيمان حظ ولا نصيب: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:١١٤]
ومن الملاحظ أيضا: أن نبي الله موسى (عليه السلام) قد خاطب السحرة ووعظهم، ليبرئ ذمته أمام الله تعالى، ويبلغ دعوته، فقال للسحرة: (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) {طه:61}. فلما رأوا المعجزة، وعلموا صدق ما دعاهم إليه موسى عليه السلام، نطقوا بما كان يدعوهم إليه من الترغيب في الآخرة، وإيثار ما عند الله تعالى، وإنما آمنوا ليغفر الله لهم ذنوبهم السالفة، وهذا من توفيق الله لهم، واختصاصهم بفضله، فسبحان من قذف في قلوبهم هذا الإيمان، فكانوا أول النهار سحرة فجرة، وكانوا في آخره شهداء بررة، فحين آمن السحرة برب هارون وموسى. كم من الوقت استغرقه ذلك؟، إنه جزء يسير من الزمن، كانوا قبل لحظة رمي العصا كافرين، وبعدها أصبحوا مؤمنين،
وانظروا إلى هذا التغيير الذي وقع في كلامهم، فهؤلاء الذين كانوا ينتظرون من فرعون نظرة، وينتظرون منه عطاء، قالوا له بعدما تغيرت أفكارهم وآمالهم ومشاعرهم وطموحاتهم: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢]. فإن وراء الحرمان نعيماً، ولما جابههم وجادلهم قالوا له: {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٥١] ، ففي السابق كانوا يريدون الأموال والعطاء، والآن يريدون المغفرة والرضوان من الله سبحانه وتعالى، هكذا غيرهم الإيمان .
ومن الملاحظ أيضا: أنه رغم نجاح فرعون في ترويع الناس من موالاة السحرة، إلا أنه أخفق اخفاقا ذريعا في إرجاع السحرة عن إيمانهم. فلم يصدهم تهديده ووعيده عن طريق الهداية، ولم يزدهم إلا تمسكا بالإيمان، وثباتا على الحق، فالله الواحد القهار الذى أنابوا إليه، وتوجهوا إليه بقلوبهم: «قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ» الاعراف (125)، (126)، فاستجاب الله دعاءهم، فغدوا بنعمة منه وفضل، مؤمنين شهداء؛ وقد أورد بعض المفسرين: أن السحرة لما آمنوا بربهم، وخروا له ساجدين، وطلبوا منه الصفح عما فات، كشف لهم منازلهم في الجنة، فرأوها رأى العين، تتهيأ لهم وتتزخرف لقدومهم، ومن ثم، لم يلتفتوا إلى ما أمطرهم به فرعون من تهديد ووعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وإنما ازدادوا هدى ويقينا في مواجهة القمع الفرعوني. وفى هذا، يقول بن عباس رضى الله عنه: (كان سحرة فرعون أول نهار يوم الزينة مناوئين كفرة، ثم انقلبوا آخر ذلك النهار مسلمين شهداء بررة)،
أيها المسلمون
ومن الملاحظ أيضا: أن السحرة لم يجدوا لهم ملاذاً إلا الله تعالى، ولم يستعدوه على فرعون، فلم يطلبوا من الله تعالى أن يكف عنهم يد فرعون، وكأنهم قبلوا العذاب في سبيل اختيارهم للإيمان، وطلبوا من الله أن يفرغ عليهم صبراً، لأنهم يعلمون سوء إجرام فرعون وشراسته، وأنه لا يحمل بين جنبيه ذرة من الإيمان ، الشفقة الإنسانية، وأن الحل هو أن يفرغ ربهم عليهم صبراً، حتى يتحملوا عذاب هذا الآثم الباغي الطاغي، وأن يرزقهم الثبات في هذه المحنة ؛ حتى لا يتسرب إليهم الجزع، فأمنيتهم أن يتوفاهم الله مسلمين،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إيمان سحرة فرعون )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذه القصة العجيبة: نرى صولة الحق في الضمائر، ونور الحق في المشاعر، ولمسة الحق للقلوب المؤمنة، فالسحرة هم أعلم الناس بالسحر، وأعلم الناس بحقيقة ما جاء به نبي الله موسى، والعالم هو أكثر الناس استعداداً للتسليم بالحقيقة، حين تتكشف له؛ لأنه أقرب إدراكاً لهذه الحقيقة، ممن لا يعرفون إلا القشور، ومن هنا، تحول السحرة من التحدي السافر، إلى التسليم المطلق، الذي يجدون برهانه في أنفسهم عن يقين.
فسحرة فرعون لم يكن إيمانهم إيمانًا عاديًّا كباقي البشر، الذين هداهم الله بدعوة الأنبياء، ومهِّدوا لهم طريق القناعة إلى الإيمان، ثم يُظهِروا لهم المعجزاتِ فيؤمنوا. ولكنهم، لمَّا لاح لهم الحقُ وانجلى، تركوا ما ألْـفَوا عليه آباءَهم، وأصبحوا في حالةٍ إيمانية نادرة؛ وأضْحَوا في لحظاتٍ قليلةٍ في سِلك أوليائه، بعدما كانوا في خانة أعدائه، وأصبحوا أنيسَ الحق وتِرْبَه، بعد أن كانوا غريمه وخصمه، فتهديد فرعون لهم زادهم إصرارًا وتمسُّكًا بالحق، الذي دخل شَغاف قلوبِهم، ووجدوا حلاوته في صدورهم، وصعَقوا فرعون بقولهم له: ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 72، 73].
ألا ، فليكن لنا في قصتهم دروس وعبر، في: اتباع الحق، والثبات على المبدإ، واللجوء إلى الله تعالى، فهو المعين، وهو نعم المولى، ونعم الوكيل.
الدعاء