خطبة عن (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)
مايو 23, 2023خطبة عن الأخوة في الإسلام وقوله تعالى (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ)
مايو 27, 2023الخطبة الأولى (كن مفتاحا لكل خير)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجه في سننه بسند حسن: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
إخوة الإسلام
من الناس من يكون كالدواء؛ إن حضر أفاد، وإن تكلم نفع، وإن وَنصح أخلص، فهو سباق للعمل الذي يُرضي الله تعالى، وخصوصاً في زمن كثر فيه أهل الباطل، وتسلطوا على أهل الخير والفضيلة والصلاح، فهذا الصنف من الناس مفتاح لكل خير، ودليل لكل معروف، وهو سفير هداية، ورسول صلاح، تراه مغلاقا للشرِّ، مانعا للفتن،
ومن الناس من يكون كالداء، إن حضر كان بلاء وشقاء، وإذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرُّهم ولا ينفعهم، فهو يحرمهم الخير، ويشقيهم بالقول، وإن تعامل أساء، وإذا تولى أفسد ،قلبه مريض، وأفكاره مسمومة، فهو جندي من جنود الشيطان، جعل من نفسه مفتاحا للشر ،مغلاقا للخير، ففي صحيح مسلم: (قالَ صلى الله عليه وسلم: (يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، (وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ)،
أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ” قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ” [الإسراء: 84] . فكل إنسان يعمل على حسب جوهره، فإن كانت نفسه نفسا شريفة طاهرة، صدرت عنه أفعال طيبة، وأخلاق زكية، وإن كانت نفسه خبيثة، صدرت عنه أفعال خبيثة، وفي هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ». أي أن الله أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير: كالعلم، والإصلاح ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير، ووضعها في أيديهم، والمفاتيح في هذا الحديث جاءت مجموعة، وبصيغة الجمع، لبيان أنَّ مفاتيح الخير كثيرة، وكذا بالمقابل فإنَّ مفاتيحَ الشَّرِّ كثيرةٌ أيضا ومتنوِّعة. فكلُّ مطلوب للإنسان جعل الله له مفتاحًا يفتح به، لذا ينبغي للعبد أن يعرف ويتعلَّم مفاتيحَ الخير من
مفاتيح الشَّرِّ.
ومن أهمِّ مفاتيح الخير تعليم العلوم النَّافعة وبثُّها في النَّاس، وكذا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وسنُّ السُّنن وإحياؤها، وإنشاء مدارس قرآنية، وكذا السَّعي في طباعة الكتب النَّافعة وتوزيعها، وإصدار المجلاَّت المفيدة الَّتي تدعو إلى الإصلاح والتَّوحيد، للاستفادة منها والنَّهل من معينها. يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصِّلت:33]. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»، وروى أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لعليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: «فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»
فهنيئاً لمن عمل في فتح أبواب الخير، وإرشاد الناس إليها، وتشجيعهم وإعانتهم على ذلك، وويل لمن كان قدوة في الشر، يهيئ له، ويدل عليه، ويسهل طريقه. فكم من مشاريع كبرى نُفِّذت وانطلقت واستفاد منها العباد والبلاد، كانت بدايتها فكرة، حملها رجال على عواتقهم حتى أصبحت في واقعنا حقيقة، وهذا من توفيق الله تعالى لهم، فمن أعظم التوفيق بعد طاعة الله عز وجل، التوفيق لقضاء حوائج الناس، والسعي في مصالحهم، وبذل المعروف لهم من الكلمة الطيبة، والنصيحة، وخير الناس أنفعهم للناس، وقال تعالى: ” لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ” [النساء: 114] .
أيها المسلمون
ومن أهم مفاتيح الخير: كلمة التَّوحيد «لا إله إلاَّ الله»، وقد جاء في صحيح البخاري: (وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ)، فالجنَّة لا تفتح إلاَّ لمن حقَّق التَّوحيد الخالص، أمَّا من كفر بالله، وكذَّب رسله ولم يأت بكلمة التَّوحيد والإيمان، فلا تفتح لهم أبواب الجِنَان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40]، وفي صحيح مسلم: من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيبلغ -أَوْ قَالَ- يَسْبِغُ الوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». ورحم الله وهب بن منبِّه، فقد أرشد إلى أنَّه لا يكفي الإنسان أن يدَّعي أنَّه من أهل لا إله إلاَّ الله وهو مُنْغَمِسٌ في الرَّذائل، تارك للواجبات والفرائض، بل يجب عليه القيام بحقوق هذه الكلمة، والإتيان بواجباتها وشروطها حتَّى يكون محقِّقًا لمعناها ولا يكون مدَّعِيًا فقط، قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (28) ص، وفي سنن الترمذي: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلاَةُ وَمِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الْوُضُوءُ».
ويقول الإمام ابن القيِّم (رحمه الله): “وقد جعل الله سبحانه لكلِّ مطلوب مفتاحًا يفتح به؛ فجعل مفتاح الصَّلاة: الطُّهور، ومفتاح الحجِّ: الإحرام، ومفتاح البِّرِّ: الصِّدق، ومفتاح الجنَّة: التَّوحيد، ومفتاح العلم: حُسن السُّؤال وحُسن الإصغاء، ومفتاح النَّصر والظَّفَر: الصَّبر، ومفتاح المزيد: الشُّكر، ومفتاح الوَلاية والمحبَّة: الذِّكر، ومفتاح الفلاح: التَّقوى، ومفتاح التَّوفيق: الرَّغبة والرَّهبة، ومفتاح الإجابة: الدُّعاء، ومفتاح الرَّغبة في الآخرة: الزُّهد في الدُّنيا، ومفتاح الإيمان: التَّفكُّر فيما دعا الله عباده إلى التَّفكُّر فيه، ومفتاح الدُّخول على الله: إسلامُ القلب وسلامته له والإخلاص له في الحبِّ والبغض والفعل والتَّرك، ومفتاح حياة القلب: تدبُّر القرآن والتَّضرُّع بالأسحار وترك الذُّنوب، ومفتاح حصول الرَّحمة: الإحسان في عبادة الخالق والسَّعي في نفع عبيده، ومفتاح الرِّزق: السَّعي مع الاستغفار والتَّقوى، ومفتاح العزِّ: طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة: قِصر الأمل، ومفتاح كلِّ خير: الرَّغبة في الله والدَّار الآخرة..»، وقال أيضا: (كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، والخمر مفتاح كل إثم، والغناء مفتاح الزنا، وإطلاق النظرة في الصور مفتاح الطلب، والعشق والكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، والمعاصي مفتاح الكفر، والكذب مفتاح النفاق، والشح والحرص مفتاح البخل، وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله والإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كن مفتاحا لكل خير )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أراد لنفسه أن يكون من مفاتيح الخير مغاليق الشر، فعليه بالآتي: الإخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال، فإنه أساس كل خير وينبوع كل فضيلة. وعليه بالدعاء والإلحاح على الله تعالى بالتوفيق لذلك، فإن الدعاء مفتاح لكل خير، والله الكريم لا يرد عبدًا دعاه ولا يخيب مؤمنًا ناداه. وعليه بالحرص على طلب العلم وتحصيله، فإن العلم داع إلى الفضائل والمكارم، وحاجز عن الفحشاء والعظائم. وعليه بالإقبال على عبادة الله سبحانه، ولاسيما الفرائض، وبخاصة الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. وعليه بالتحلي بمكارم الأخلاق، والبعد عن سفاسف الأخلاق. وعليه بمرافقة الأخيار ومجالسة الصالحين، فإن مجالسهم تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، وعليه بالحذر من مجالس الأشرار والطالحين، فإنها متنزل الشياطين. وعليه بالنصح للعباد حال معاشرتهم ومخالطتهم، بشغلهم في الخير وصرفهم عن الشر. وعليه بتذكر المعاد، والوقوف بين يدي رب العالمين، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]. وعماد ذلك كله رغبة العبد في الخير، فمتى كانت الرغبة قائمة، والنية مصممة، والعزم أكيدًا، واستعان العبد بالله تعالى في ذلك، وأتى الأمور من أبوابها، كان بإذن الله-من مفاتيح الخير، مغاليق الشر.
الدعاء