خطبة عن : استحالة أن يكون لله ولد : (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ )
أغسطس 1, 2023خطبة عن (أسباب مغفرة الذنوب)
أغسطس 2, 2023الخطبة الأولى (احذروا الكهان والعرافين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».
إخوة الإسلام
ففي هذا الحديث النبوي يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من اتيان الكهنة والعرافين ، لأن هذا يتعارض مع عقيدة المسلم ، يقول الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العزيز: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النَّمْلِ: 65]، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وكل مَنْ يدَّعِي شيئًا من علم الغيب؛ من الكُهَّان والمنجِّمينَ، وأصحاب الأبراج وقراءة الكفّ والطالع والفنجان… وغير ذلك من الظواهر التي يزعمون بها دجَلًا وكَذِبًا الإخبارَ بما يقع في المستقبل، أو بما هو غائبٌ عن علم البشر، فهذا لا حقيقةَ له في الواقع ولا برهان له في الشرع. وقد أجمَع علماءُ الشريعة على تحريمِ مثلِ ذلك، وتعاطِيه والسماعِ له، فضلًا عن تصديقِه والاعترافِ به، قال صلى الله عليه وسلم: “مَنِ اقتبَسَ شعبةً من النجوم” وفي رواية: “مَنِ اقتبَسَ علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبةً من السحر، زاد ما زاد” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وابن ماجه بإسناد صحيح)، وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه أنَّه قال: “من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي، مؤمنٌ بالكوكب”. ويلْتحقُ بالكهانةِ حُكْماً بعضُ الصورِ الأخرى، كالرمَّالِ، والضَّربِ بالحصى، وقراءةِ الكفِّ، والفنجانِ، وقراءةِ الأبراجِ، والخطوطِ ونحوِها، ومن ذلك أيضا بعضُ المسميَّاتِ الأخرى مثلُ البرمجةِ العصبيةِ، وتحليلِ الشخصيةِ بالتوقيعِ، والطَّاقةِ الكونيةِ، وغيرِ ذلك ممَّا انتشرَ في عصرِنا الحاضرِ.
وحقيقة بعض هؤلاء الكهان والعرافين إنهم يَأخُذُون بَعضَ الأخبَار مِن شَياطِينِ الجنّ الذينَ يَستَرِقُونَ السَّمْع، فيوهمون الناس بأنهم يعلمون الغيب، ويطلعون على ما خفي عن الناس، وهذا كذب وخداع، فقد رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ (لَيْسُوا بِشَىْءٍ) فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَنَا أَحْيَانًا بِشَىْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا) وفي لفظٍ فيَقذِفُ (ها فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) قَوْلُهُ فَيَقُرُّهَا أَيْ يُلْقِيهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ (وَهُوَ السَّحَابُ) فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْعَ فَيَسْمَعُهُ فَيُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَيْ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ يُوَافِقُ خَبَرُهُ الْوَاقِعَ وَقَدْ لا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا بِسُؤَالِهِ إِيَّاهُمْ، لذلك فاحذروا، فَلا تَلتَفِتُوا لأقوالِهم ولا تَنشَغِلُوا بهم بلْ حَذّرُوا النّاسَ مِنهُم ومِنَ الاستِمَاع إلَيهِم ولو صَادَف بَعضُ ما يَقُولونَ الواقِع، فاللهُ يَبتَلِي عِبادَه ويَختَبِرُهم بما شاءَ فالحَذَرَ الحَذَر.
ومن المعلوم أيضا أن ما يدفعهُ بعضُ النَّاسِ لهؤلاءِ الكُهَّانِ من مال فهو مالٌ حرامٌ، فعن أبي مسعودٍ عقبةَ بنِ عمرو قال:(نَهى رسولُ اللهِ ﷺ عن ثمنِ الكلْبِ وعن مَهْرِ البَغيِّ وعن حُلْوانِ الكاهِنِ) رواه البخاري (وحلوانُ الكاهنِ هي الأجرةُ التي تُدفعُ للكاهنِ لقاءَ قيامِه بالعملِ من كشْفِ الغيبِ، وإزالةِ الضَّررِ، ونحوهِ)
أيها المسلمون
والإسلام لا يمنع التداوي من الأمراض، فطَلَبَ التداوي والأخذَ بأسبابِ الشفاءِ لا يُنافي التَّوكلَ على اللهِ، واللهُ جلَّ وعلا ما أَنْزلَ داءً إلا أَنْزلَ لهُ دواءً، عَرَفَه مَنْ عَرَفَه وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه، ولم يَجْعلْ شفاءَ عبادِه فيما حرَّمه عليهم، وإنَّ أعظَمَ ما تُعالجُ به الأمراضُ الروحيةُ والسحرُ والحَسَدُ هوَ كتابُ اللهِ جلَّ وعلا، وما وَرَدَ في سنةِ نبيِّه ﷺ ، فإنَّ فيهمَا الخيرَ كلَّه، والشفاءُ كلَّه، فالجؤوا إلى اللهِ، وعظِّموهُ، وعَلَقوا قلوبَكم به، وتوكَّلوا عليهِ حقَّ التَّوكلِ، وأحسنوا الظَنَّ به، وفوِّضوا أمورَكم كلِّها له، فهو سبحانَه وحدَّه الذي يملكُ النَّفعَ والضرَّ، والشفاءَ والعافيةَ، وهو أرحمُ بكم من أنفسِكم ومن الناسِ أجمعينَ. فإذا قدر أن أحداً أصيب بالسحر أو بالعين أو بالحسد، فإنه يبحث عن العلاج الشرعي، فعلاج السحر نقضه: بأن يعثر عليه ثم يتلفه. وأفضل طرق علاج السحر أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه، بتوكله على الله وحسن الظن به، وصدق اللجوء إليه والاستعانة والثقة به سبحانه، وكثرة الصلاة والتلاوة والدعاء والذكر، واستعمال الرقية الشرعية،
وعلاج العين أن يطلب من العائن أن يغتسل، ويؤخذ الماء الذي يتناثر من غسله، ويعطى المريض شرباً ورشاً على بدنه، ففي موطإ الإمام مالك: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخْبَأَةٍ. فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. فَقَالَ « هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا » قَالُوا نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ. قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ « عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلاَّ بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ ». فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ).
ومن أنجع الوسائل للوقاية من الحسد: الالتزام بالطاعات والمواظبة على التعوذات، وسؤال الله العافية صباحا ومساء، ومن ذلك قراءة سورة قل هو الله أحد، والمعوذتين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات لم يضره شيء. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. رواه أبو داود. ويشرع للمصاب ان يستعمل الرقية الشرعية فيرقي أو يسترقي من جرب نفعه من الرقاة المتمسكين بالسنة.
وعلاج مس الجن قراءة الآيات التي يطرد بها الجن، مثل آية الكرسي، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ومثل بعض آيات سورة الجن، مع الاستعانة بالله عز وجل، والتوكل عليه، والاعتماد عليه، والاعتقاد أن كلامه جل وعلا شفاء لما في الصدور
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (احذروا الكهان والعرافين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً – أَوْ قَالَ : عُقِدَ عُقْدَةٌ لَهُ – وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَإِتْيَانُ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ مِمَّا يُنَافِي التَّقْوَى وَالْإِيمَانَ وَالدِّينَ، ولَهُ أَضْرَارٌ بَلِيغَةٌ وَنَتَائِجُ سَيِّئَةٌ، لَعَلَّ مِنْ أَخْطَرِهَا ضَرَرَهُمْ عَلَى الْعَقِيدَةِ وَالدِّينِ، وَكَمَا سَمِعْتُمْ فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)، (لَيْسَ مِنَّا)، (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، (لَيْسُوا بِشَيْءٍ)، فإِنْ كَانَ مَنْ يَأْتِي أَحَدًا مِنْهُمْ يَكْفُرُ، وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا يُصَلِّي وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ، فَكَيْفَ بِالْكَاهِنِ نَفْسِهِ؟، لذلك فاحْذَرُوا وَحَذِّرُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الأفاكين، وَخَاصَّةً النِّسَاءَ؛ فَسُوقُ بَعْضِهِنَّ رَائِجَةٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ؛ لِضَعْفِ إِيمَانِهِنَّ، وَقِلَّةِ تَوَكُّلِهِنَّ، وَضَعْفِ صَبْرِهِنَّ، فَمَا إِنْ تُصَابُ إِحْدَاهُنَّ بِمُصِيبَةٍ أَوْ تُبْتَلَى بِبَلِيَّةٍ، إِلَّا وَتَطْرُقُ أَبْوَابَ هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ، ومِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ التَّعَاوُنُ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُرَوِّجُ لِمُنْكَرِهِمْ، أَوْ يَرْضَى بِهِ،
الدعاء