خطبة عن فضل القرآن وحديث (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا)
أغسطس 19, 2023خطبة عن (إحْيَاءُ النُّفُوسِ)
أغسطس 21, 2023الخطبة الأولى (لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (24)، (25) النجم
إخوة الإسلام
ينكِرُ الله تعالى في هذه الآيات على مَن زعَم أنَّه يحصُلُ له ما تمنَّى، ويُبيِّنُ سبحانه أنَّه ليس للإنسانِ ما يَتمنَّاه ويَشتهيه؛ فالأمرُ كلُّه لله، فيقولُ تعالى: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (24)، (25) النجم. فليس كل من تمنى الخير حصل له، فالأمر كله لله، يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، وليس بالضرورة أن تتحقق لك كل أمنية، فقد يحجب الله عنك ما يضرك، وقد يُوهب لك ما لم تطلبه، لأن فيه نفعك، ففوّض أمرك للعليم الخبير، وثق به، قال الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) [النساء:123]، وليس كل من زعم أنه مهتدٍ يكون كما قال، ولا كل من ود وأراد شيئاً يحصل له. وقد روى الإمام أحمد وفي إسناده ضعف: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا تَمَنِّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَا يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ »
فالأمر كله لله تعالى، هو سبحانه مالك الدنيا والآخرة، والمتصرف فيهما، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. قال الله تعالى: (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) [ النمل:91]، فالدنيا والآخرة كلها لله -تبارك وتعالى، وهو مالك يوم الدين، وما دونه من باب أولى، قال تعالى: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى) [ الليل:13]. فلا يَجْعَل الانسان ما يَتَمَنّاهُ باعِثًا عَنْ أعْمالِهِ ومُعْتَقَداتِهِ، بَلْ عَلَيْهِ أنْ يَتَطَلَّبَ الحَقَّ مِن دَلائِلِهِ وعَلاماتِهِ، وإنْ خالَفَ ما يَتَمَنّاهُ. وقد جاء في الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ».
فالمؤمِنُ يُسَلِّمُ أمْرَه لقضاءِ اللهِ ويرضى به، فإذا رَضِيَ تمامَ الرِّضا فله الأجرُ والثَّوابُ، أمَّا الغافِلُ الذي يَسخَطُ على القضاءِ، فلا قُوَّةَ له تمنعُ قَضاءَ اللهِ وقَدَرَه، ومع ذلك فإنَّه يعاقَبُ على سَخَطِه هذا؛ ولذلك نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ عن أنْ يَتمنَّى أحدٌ الموتَ نَتيجةَ إصابتِه بضَررٍ دُنيويٍّ؛ فإنْ كان لا بُدَّ فاعلًا، أي: فإنْ ضاقتْ به الأحوالُ واشتدَّتِ النَّوائبُ حتَّى اضطرَّتْه أنْ يَتمنَّى شَيئًا تَنفيسًا عن نفْسِه وابتغاءً لفَرَجِ الله، «فلْيَقُلِ: اللَّهمَّ أَحْيِني ما كانتِ الحياةُ خَيرًا لي»، أي: ارزُقني الحياةَ إذا كان في سابقِ عِلمِك أنَّ الحياةَ تكونُ زِيادةً لي في الخيرِ؛ مِن التَّزوُّدِ مِن الأعمالِ الصَّالحةِ، والبرِّ، ونحوِ ذلك، «وتَوَفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي»، أي: أمِتْني إذا كُنتَ تَعلَمُ أنَّ الوفاةَ فيها خَيرٌ لي، وهذا نوعُ تفويضٍ وتسليمٍ للقضاءِ، فيَترُكُ الاختيارَ للهِ سُبحانه وتعالَى، وفي بعضِ الرِّواياتِ عند مسلمٍ: «واجعَلِ الحياةَ زيادةً لي في كُلِّ خيرٍ، واجعَلِ الموتَ راحةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ»؛ وذلك لأنَّه إذا مات الإنسانُ انقطع أَمَلُه وعَمَلُه، وزيادةُ العُمُرِ لا تزيدُ المؤمِنَ إلا خيرًا، فنهى عن تمنِّي الموتِ؛ لأنَّه في معنى التبَرُّمِ عن قضاءِ اللهِ في أمرٍ مَنفَعتُه عائدةٌ على العبدِ في آخِرتِه.
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (24)، (25) النجم، ففي هَذا تَأْدِيبٌ وتَرْوِيضٌ لِلنِّفُوسِ عَلى تَحَمُّلِ ما يُخالِفُ أهْواءَها، إذا كانَ الحَقُّ مُخالِفًا لِلْهَوى، ولْيَحْمِلْ نَفْسَهُ عَلَيْهِ حَتّى تَتَخَلَّقَ بِهِ. فرَغْبَة الإنْسانِ في أنْ يَكُونَ ما يَتَمَنّاهُ حاصِلًا رَغْبَةٌ لَوْ تَبَصَّرَ فِيها صاحِبُها لَوَجَدَ تَحْقِيقَها مُتَعَذِّرًا؛ لِأنَّ ما يَتَمَنّاهُ أحَدٌ يَتَمَنّاهُ غَيْرُهُ فَتَتَعارَضُ الأمانِيُّ فَإذا أُعْطِيَ لِأحَدٍ ما يَتَمَنّاهُ حُرِمَ مَن يَتَمَنّى ذَلِكَ مَعَهُ فَيُفْضِي ذَلِكَ إلى تَعْطِيلِ الأُمْنِيَّتَيْنِ بِالأخارَةِ، والقانُونُ الَّذِي أقامَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِظامَ هَذا الكَوْنِ أنَّ الحُظُوظَ مُقَسَّمَةٌ، ولِكُلِّ أحَدٍ نَصِيبٌ، ومِن حَقِّ العاقِلِ أنْ يَتَخَلَّقَ عَلى الرِّضا بِذَلِكَ وإلّا كانَ النّاسُ في عِيشَةٍ مَرِيرَةٍ. وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، وَلْتَنْكِحْ ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا »
أخي المسلم
تأمل وتدبر معي قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (78: البقرة)، فمن أهلِ الكتاب، من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كانوا أميين، أي عَرباً، لا يعلمون ما “يقولون” إذ يقرأون التوراةَ والإنجيل، وذلك لأن لسانَهم كان أمياً (أي عربياً) وليس أعجمياً كلسانِ أهلِ الكتاب. قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين) (111: البقرة). فمن أهلِ الكتاب من معاصري رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مَن كان “يقول” بأن الجنةَ لن يدخلها إلا من كان هوداً أو نصارى. فجاء الجواب من الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (123- 124 النساء).
إذاً : فأمرُ دخول النار أو الجنة هو ليس رهناً بما “نقول” به نحن، أو “يقول” به الآخرون، ولكنه منوطٌ بما يقضي به اللهُ تعالى. ولذا جاء قوله تعالى: (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ) (14: الحديد).
أيها المسلمون
والتمني في حد ذاته ليس عيبًا، ولكن الوقوف على حافته، وانتظار أن تحدث المعجزة، ليس مضمونًا، لذا وجب علينا أن نتجاوز فكرة الأمنية، وندخل في إطار “السعي”. وليس المقصود من قوله تعالى: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى) النجم (24)، ألا يسعى الانسان في تحقيق آماله وأمنياته المشروعة ،ولكن عليه أن يعمل بالأسباب ويرضى بالنتائج، عليه أن يتوكل على الله بقلبه، ويسعى ويعمل بجوارحه، ويحمد الله على كل حال، وفي حالة عدم تحقق أحد الأهداف، ألا نعجز ونتوقف، وأن لا نقف عند هدف واحد فشلنا في تحقيقه، وكأن الزمن توقف عنده، بل علينا أن نضع هدفاً كبيراً، ونقسمه إلى أهداف صغيرة، ونسعى لتحقيقها، فإن لم يتحقق أحدها ،سعينا لتحقيق الآخر. فالحياة كفاح مستمر، كما يجب أن لا تكون نظرتنا ضيقة، ونتقوقع على أنفسنا إذا فشلنا في تحقيق هدف ما، فالفشل كما قيل هو بداية النجاح،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والكثير منَّا يريد للحياة أن تسير حسب رغبته وإرادته، حسب حاجته الشخصية، فيتمنى أن يحدث كذا وكذا، وألا يتعرض لكذا وكذا، وقد يحدث له ما تمناه، ولكن في أحيان كثيرة لا يحدث، فالإنسان يتشهى أشياء كثيرة من مال وبنين ومكانة، ولكن الحياة لا تسير بالأمنيات. وليس معنى ذلك أن نتوقف عن التمني، أبدًا، ولكن معناها ألا نعتمد عليها في حياتنا، فالأمنيات هي أمور نفسية، لا علاقة لها بعمل ولا جد ولا اجتهاد، هي رغبة في داخلنا، ويمكن القول هي الهدف الذى نريده، فإن توقف الأمر عند الأمنية والرغبة، فعلينا الانتظار ومواصلة التمني، أما إن حولنا هذه الأمنيات إلى فعل، وجعلنا منها هدفا، فإننا بذلك ندخل في مستوى آخر من انتظار التوفيق الإلهي. وحقا ما قال ربنا: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (24)، (25) النجم، وفي الصحيحين: (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ قِيلَ فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ « كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ». وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ) سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَعَلَى مَا نَعْمَلُ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ قَالَ « بَلْ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَجَرَتْ بِهِ الأَقْلاَمُ يَا عُمَرُ وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ».
الدعاء