خطبة عن (أَبْشِرُوا بفتح قريب)
أكتوبر 7, 2023خطبة عن (افهم لعبة الدنيا)
أكتوبر 7, 2023الخطبة الأولى (إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفين)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ «يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالَ قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَالَ « يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ».
إخوة الإسلام
من أخلاق المسلم: (إِغَاثَةُ الْمَلْهُوف)، والمقصود بالملهوف: هو الشخص الذي ذهب ماله أو فجع في أهله. وهو أيضا الشخص المظلوم الذي يطلب المساعدة، ورفع الظلم عنه، وهو الجائع الذي لا يجد طعاما، والعريان الذي لا يجد كساء، والمريض الذي لا يجد دواء، وهو المظلوم الذي لا يجد ناصرا، والمتشرد الذي لا يجد بيتا يؤويه، وواجب المسلم تجاه الملهوف وذي الحاجة أن يقوم بفكّ كربته، ورفع مظلمته، ونجدته، وإغاثته؛ لأنّ ذلك يعتبر شكراً لله على نعمته، والإنسان بطبعه مجبول على تقديم العون، وبذل المعروف والإحسان للآخرين، وقد جاءت الشريعة الاسلامية لترسيخ هذه الخلق في النفوس، فتقديم العون للمحتاجين سلوك إسلامي أصيل، وخلق رفيع، وقد كانت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالا يُحتذى به في إغاثة الملهوفين، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، وقد عُرف صلى الله عليه وسلم بذلك قبل بعثته، فعندما نزول عليه الوحي لأول مرة، ورجع إلى خديجة فأخبرها الخبر: (َقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) متفق عليه،
وكان صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه أن إغاثة الملهوف من أكرم الأعمال، وأجلِّ القربات، وهي صدقة من الصدقات، ففي مسند أحمد: (قَالَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ قَالَ «لأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ وَتَهْدِي الأَعْمَى وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ)، وفي صحيح ابن حبان: (عن البراء قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على مجلس الأنصار فقال: إن أبيتم إلا أن تجلسوا فاهدوا السبيل وردوا السلام وأغيثوا الملهوف)، وفي سنن أبي داود: (عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ»
ومن مواقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إغاثة الملهوف ما رواه البخاري: (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ) ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفين)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن أصحاب النجدة والمروءة لا تسمح لهم نفوسهم بالتأخر أو التردد عند رؤية ذوي الحاجات؛ فيتطوعون بقضاء حوائجهم طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى. وانظر إلى الشهم الكريم نبي الله موسى عليه السلام، فحين فرَّ هاربًا من بطش فرعون، وورد ماء مدين، وجد الناس يسقون، وجد امرأتين قد تنحيتا جانبًا تنتظران أن يفرغ الرجال حتى تسقيا، فلما عرف حاجتهما لم ينتظر منهما طلبًا، بل تقدم بنفسه وسقى لهما، وفي الصحيحين: (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
أيها المسلمون
إن صور إغاثة المحتاج والملهوف في حياتنا لكثيرة ومتعددة: فالفقير من الناس يحتاج إلى من يُغيثُهُ بمطعمٍ، أو ملبسٍ، أو نفقةٍ، أو مال، وهناك أقوام طوق الدين رقابهم، فهم يحتاجون إلى من يسدد عنهم دينهم. ومن الناس من يحتاج إلى صاحب المنصب والجاه، ليقضي له حاجته، ففي صحيح البخاري: (عن أَبِى مُوسَى رضي الله عنه – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ»، ومن صور اغاثة الملهوف ذلك اليتيم الذي يحتاج إلى من يعوله، والمريض الذي يحتاج إلى من يساعده، والضال الذي يحتاج إلى من يهديه وينقذه، والجاهل الذي يحتاج إلى من يعلمه، فهذه كلها من صور اغاثة الملهوف، ألا فأغيثوا الملهوف تؤجروا وترزقوا.
الدعاء