خطبة عن أجر الآخرة وأجر الدنيا (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا)
أكتوبر 12, 2023خطبة عن (إِنَّ الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ)
أكتوبر 12, 2023الخطبة الأولى (عودة الإسلام والمسلمين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ». وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». وفي رواية له: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا».
إخوة الإسلام
في هذا الحَديثِ النبوي الكريم يقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنعتِ العراقُ»، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «يُوشِكُ أهلُ العراقِ ألَا يُجبَى إليهم قَفيزٌ ولا درهمٌ، قُلنا: مِن أيْن ذاكَ؟ قال: مِن قِبَلِ العجَمِ؛ يَمنَعون ذاكَ». أي: سيَمنَعُ أهلُ العراقِ، «دِرْهَمَها وَقفيزَها»، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «ومَنعتِ الشَّامُ مُدْيَها ودِينارَها»، وفي رواية لمسلم: «يُوشِكُ أهلُ الشَّامِ ألَّا يُجبَى إليهم دِينارٌ ولا مُديٌ، قُلنا: مِن أيْن ذاك؟ قال: مِن قِبَلِ الرُّومِ»، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «ومَنعتْ مِصرُ إِردِبَّها ودِينارَها»، والمرادُ بمَنعِ الدِّرهمِ والقَفيزِ وغيرِ ذلكَ مِن الموازيينِ والمكاييلِ هو منْعُ خَيراتِ هذه البلادِ مِن الزَّكاةِ والعُشرِ والجِزيةِ والخَراجِ، وهذا إخبارٌ عن أمرٍ سيَقَعُ؛ وهو أنَّ المسْلِمين سيَفتَحون تلكَ البلادَ، وأنَّها ستَكونُ في أيدِيهم، ثمَّ بعْدَ ذلكَ تَعودُ إلى الكفَّارِ، ويَمنَعون الأشياءَ الَّتي كانت تَأتي المسْلِمين منها كالجِزيةِ وخَراجِ أراضِيهم، وفي رِوايةٍ أخرَجَها البُخاريُّ عن أبي هُرَيرةَ مَرفوعًا: «قالوا: عَمَّ ذاكَ؟ قال: تُنتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسولِه صلى الله عليه وسلم، فيَشُدُّ اللهُ عزَّ وجلَّ قُلوبَ أهلِ الذِّمَّةِ، فيَمنَعون ما في أيدِيهم»، فيكونُ سَببُ وُقوعِ هذه الشَّدائدِ بالمسْلِمين انتهاكَ حُرمةِ اللهِ ورَسولهِ وانتهاكَ أوامرِ الشَّرعِ، وتَناوُلَها بما لا يَحِلُّ مِن الجَورِ والظُّلمِ، وأنَّ مُعظَمَ بُلدانِ المسْلِمينَ سيَعاوِدُ عليها الكفَّارُ، ويَمنَعون مِن وُصولِ حُقوقِ المسْلِمين إليهم في العِراقِ والشَّامِ وغيرِ ذلك، وروى البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ؟ فَقِيلَ لَهُ وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ. قَالُوا عَمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ )، وقولُه صلى الله عليه وسلم: «وَعُدْتم مِن حيثُ بَدأتُم» كرَّرَه ثلاثًا، وذلك للتَّأكيدِ والتَّنبيهِ والمَوعظةِ، والمعنى: أنَّكم تَبقَون عالةً على أنفُسِكم، لا يُرسَلُ لكم خَيراتُ تلكَ البلادِ، كما كُنتُم في بِدايةِ أمرِكم، وقيل: مَعناه أنَّ العَجمَ والرُّومَ ومَن يقومُ مَقامَهم في كلِّ زَمانٍ يَستولونَ على البلادِ في آخِرِ الزَّمانِ، فيَمنعونَ حُصولَ ذلكَ للمُسلمينَ، وقيل: هي بمعنى الحَديثِ الآخَرِ الَّذي أخرَجَه مُسلمٌ: «بَدأَ الإسلامُ غريبًا وسيَعودُ كَما بدأَ»، وهو أنَّ الإسلامَ كما بدَأَ غَريبًا، بقِلَّةِ أتباعِه ومُعاناتِهم وَسْطَ الجاهليةِ العَمْياءِ فاسْتَغرَبَه الناسُ، فإنَّه سيَعودُ كما بدَأَ غَريبًا؛ حيثُ انتِشارُ الجَهلِ، ورُجوعُ النَّاسِ إلى عاداتِ الجاهليَّةِ.
أيها المسلمون
هذه الأحاديث النبوية السابقة وغيرها تذكر لنا حقبة من الزمن سوف تمر بها الأمة الإسلامية، وقد ذكر الله عز وجل في كتابة العزيز إشارات ودلالات على أن الإسلام سيسود العالم من بعد ضعفه، وسيكون له الغلبة والنصرة والمنعة، بعد أن كان للأنظمة الأرضية والقهرية والاستبدادية والعلمانية والإباحية السيادة والطغيان في الأرض، والتي بسببها انتشر الظلم والجور والتعسف، وسادت الفوضى، وعمَّ التخبط، وأصبح للرذيلة مناهج وقوانين يحتذى بها، وتطبق على البشر كنظام حياة، تحت قوة السلاح والقهر والاستبداد. فقد أخبر الله عز وجل في أكثر من موضع من كتابه العزيز على ظهور الإسلام وعودته وسيادته، وأنه سيملئ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ ﴾ آل عمران (110)، هذه الآية تدل على عودة الإسلام وسيادته وظهوره من حيث أن خيريتها تفيد الاستمرار، ولا يعدمها الله سبحانه وتعالى هذه الخيرية، فهي أمة العطاء المستمر الذي لا ينضب ولا ينقطع، وفي المقابل نجد أن الأمم الأخرى يسودها الفساد والطغيان وتفشي الرذيلة، وحتى سلاحها الذي تنتجه ففيه البلاء الكبير على البشرية برمتها، رغم تقدمها في الصناعات وتطورها التكنولوجي إلاَّ أنها لا تعطي الغذاء الروحاني والفضيلة والأخلاق، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامِةِ يَكُونُ عَلَيهمْ شَهِيداً ﴾ النساء (159)، ففي هذه الآية دلالة على أن الإسلام سيحكم مجدداً ويعم الأرض جميعاً بخيره وبركته، فيهلك الطغاة وأصحاب المناهج الضالة المنحرفة، ويسود العدل والحق، ويكون قتل الدجال على أيدي تلك الثلة المباركة التي ستحكم بالإسلام، والتي ستقود الناس إلى جادة الصواب بعد انحراف وضلال. وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمً أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينَاً ﴾ [المائدة: 3 ]، فهذه الآية الكريمة تشير إلى ختم الله عز وجل الأديان بدين الإسلام، وهذا يعني أيضاً أن الله سيحفظ أمة الإسلام وسيبقيها ظاهرة على غيرها، لأنها هي الحاضنة والحاملة له مهما تعاقب الليل والنهار، ومهما كاد لها الأعداء، والتأريخ هو الشاهد على صدق ما نقول، فإن الله لا يخذل أتباعه، لهذا حار الأعداء وتحيروا، واخترعوا شتى الأساليب للقضاء عليه وعلى أهله، ولكن الله عز وجل يأبى إلاَّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيْهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُهُمْ وَيُحِبُونَهُ أَذِلَةً عَلَى الْمُؤمِنِينَ أَعِزَةٍ عَلَى الكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكّ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54 ]. قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة: إنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته بأن الله سيستبدل به من هو خير لها منه، وأشد منعة وأقوم سبيلاً) ، إذن فهو جهاد باق ومستمر إلى يوم المعاد، وجهاد من هذا النوع يحتاج إلى عصبة لا تخاف إلاَّ الله، ويجب أن تكون موجودة لا تنقطع، يصطفيها الله عز وجل بين الحين والآخر لحفظ دينه وبثه وإيصاله والدعوة إليه إلى كل من هب ودب من بني البشر.. وأهل الإيمان إذا تغيرت الأحوال، والتبست الأمور، وقل أهل الخير، ثبتوا على الحق، واستقاموا على دين الله، ووحدوا الله، وأخلصوا له العبادة، واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء، وهم الذين قال الله فيهم وفي أشباههم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت 32:30]. وإذا كان الواقع اليوم، يدل على غربة الإسلام في دياره ذاتها، وبين أهله أنفسهم. حتى إن من يدعو إلى الإسلام الحق يعاني الاضطهاد والتنكيل أو الشنق أو الاغتيال. ولكن هذه غربة مؤقته ، ستزول بموعود الله تعالى وبموعد رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذه “دورات” أو “موجات” تأتي وتذهب، والإسلام يعرض له ما يعرض لكل الدعوات والرسالات من القوة والضعف، والامتداد والانكماش، والازدهار والذبول، وفق سنن الله التي لا تتبدل. فهو كغيره خاضع لهذا السنن الإلهية، التي لا تعامل الناس بوجهين، ولا تكيل لهم بكيلين، فما يجري على الأديان والمذاهب يجري على الإسلام، وما جرى على سائر الأمم يجري على أمة الإسلام. فالرسول صلى الله عليه وسلم ينبئ عن ضعف الإسلام في فترة من الفترات، ودورة من الدورات، ولكنه سرعان ما ينهض من عثرته، ويقوم من كبوته، ويخرج من غربته، كما فعل حين بدأ. فقد بدأ غريبًا، ولكنه لم يستمر غريبًا، لقد كان ضعيفًا ثم قوي، مستخفيًا ثم ظهر، محدودًا ثم انتشر، مضطهدًا ثم انتصر، وسيعود غريبًا كما بدأ، ضعيفًا ليقوى ثم يقوى، مطاردًا ليظهر ثم يظهر على الدين كله، ملاحقًا مضطهدًا لينتشر وينتشر ثم ينتصر وينتصر.
أيها المسلمون
فإذا كانت الأمة قد نامت وطال نومها، ومرضت واشتد مرضها، فالأمة لم تمت، ولن تموت بموعود الصادق، الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فإن أبناء الطائفة المنصورة في هذه الأمة لا يخلو منهم زمان، ففي الصحيحين: (أن مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، وفيهما: (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، فالإسلام قادم قادم، فهذا وعد ربنا، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩]، وقال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 9]، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) [النور: 55]. وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عودة الإسلام والمسلمين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فالإسلام قادم رغم ما نحن فيه من ضعف ووهن وتمزق، فما من أزمة مرت بها الأمة الاسلامية، إلا وجعلها الله تبارك وتعالى سبباً لقوة الإسلام، وما من ابتلاء أصابها، إلا وجعله الله سبباً لتمحيص الصف، وتمييز الخبيث من الطيب، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ – ٣]. والله -عز وجل- قد أهلك القرون من قبلنا من الكفار، وسيهلك هؤلاء الكفرة المفسدين في الأرض، ومن عاونهم وظاهرهم، واتبع طريقهم، قال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق: 17]. وقال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]. فهؤلاء الكفرة ستبيد قراهم، وسيزول ملكهم؛ لأن الله تعالى يقول: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا) [الطلاق: 8-9]. والنبي ﷺ أخبرنا بالتمكين للإسلام، كما في مسند أحمد: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا)، وهذا هو الذي أخبرنا به ﷺ كما في مسند الإمام أحمد وصححه الألباني: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ».
أيها المسلمون
فالإسلام قادم لا شك في ذلك، والنصر والتأييد للمؤمنين، والخسران والبوار والهزيمة النكراء للكافرين والمنافقين، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَجْلَى أَقْنَى يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ قَبْلَهُ ظُلْماً يَكُونُ سَبْعَ سِنِينَ»، وفي سنن ابن ماجه ومسند أحمد: (عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ». وفي صحيح البخاري ومسلم: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ »، وفي صحيح مسلم: (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ – قَالَ – فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». وروى أحمد والترمذي وأبو داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي». وفي سنن أبي داود وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ». وفي مسند أحمد: (أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «يَكُونُ مِنْ أُمَّتِي الْمَهْدِىُّ فَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ عُمْرُهُ عَاشَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً وَتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا وَتُمْطِرُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا». (وقال صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أوثمانيا، -يعني حججاً) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وفي صحيح البخاري: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ»، وفي مسند أحمد: (وَقَالَ «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ وَالشَّجَرَةِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ يَا مُسْلِمٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ »
الدعاء