خطبة عن أخلاق الأنبياء ،وقوله تعالى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )
نوفمبر 4, 2023خطبة عن (الحياة السعيدة)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (الْبُخْل)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) محمد (38)، وفي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَدْعُو «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ)، وفي سنن الترمذي 🙁قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ»
إخوة الإسلام
يقول ابن القيم رحمه الله: (الْبَخِيل هُوَ مَانع مَا وَجب عَلَيْهِ، فَمن أدّى الْوَاجِب عَلَيْهِ كُله لم يسم بَخِيلًا، وَإِنَّمَا الْبَخِيل مَانع مَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وبذله)، وقال الغزالي رحمه الله: “الْبَخِيلُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ، إِمَّا بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَإِمَّا بِحُكْمِ المروءة، وذلك لا يمكن التنصيص على مقداره “، لذا، كان البخل خصلة ذميمة، وصفة مكروهة، ورزيلة عواقبها وخيمة، وآثارها سيئة على الإنسان، في حياته وبعد مماته، فالبخل يمنع الفرد من البذل والعطاء، فهو من أسوإ الصفات التي يكرهها الناس، ويبغضها الله تعالى، والبخل دليل على قلة العقل، وسوء التدبير، وهو أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة، ولا يجتمع البخل مع الإيمان، بل من شأنه أن يهلك الإنسان، ويدمر الأخلاق، كما أنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل، فهو يُؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين، وقد بينت آيات القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ما ينتظر البخيل من عنت في الدنيا، وعذاب مهين في الأخرة، فالبخيل محروم في الدنيا، مؤاخذ في الآخرة،
وقد أورد القرآن الكريم في ذم البخل آيات متعددة، ومنها: قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]. وقال تعالى: {الذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 37]. وفي معرض ذم المنافقين قال سبحانه: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (75): (77) التوبة، وبيّن الله تعالى أن عائد البخل إنما هو على النفس، فقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. كما جاء ذم البخل في السنة النبوية المطهرة: ففي صحيح البخاري: (أن أَنَسًا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ».
أيها المسلمون
وللبخل صور وأشكال متعددة، وأنواع كثيرة، ومنها: البُخلُ بالمال: فيبخلُ الإنسان بماله على نفسه وأولاده، ويبخلُ بمال على غيره من الفقراء والمحتاجين، ومن أنواع البخل: البُخلُ بالنفس: فيبخل الإنسان بنفسه فلا يُقدِّمُها في سبيل الله؛ بسبب تعلُّقِه بالدُّنيا، وحِرْصِه عليها، ومنها: البُخل بالجاه: وهو أن يبخل صاحب الجاه أو المَنصِب العالي بقدرته على نفع المُحتاجِين، فلا يُصلحُ بين الناس، ولا يسعى من أجل سدِّ حاجة المسكينٍ، أو الضعيفٍ. ومنها: البُخل بالعِلْم: وهو من أسوإ وأقبح أنواع البُخل، حيث يقوم صاحب العِلْم بكَتْمِه عمن يحتاجُه، فهو لا يَنصحُ ولا يُعلِّم الآخرين، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) النساء (37). ومن أنواع البخل: أن يبخل المسلمُ بتحيَّة السَّلام على من يلقاه ابتداء أو ردًّا، ففي صحيح الأدب للبخاري: (عن أبي هريرة قال: ” أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس من عجز بالدعاء”. ومنها: أن يبخل المسلم بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ففي مسند أحمد وغيره: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصِلِّ عَلَىَّ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ « فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ » صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيراً). ومنها: البُخل بالتصدُّق: وهو أن لا يتصدَّقَ الإنسان من المال الذي أكرمَه اللهُ به إلّا إن كان قد نَذرَ، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» ، ومن أنواع البخل: أولئك الذين يبخلون بحسن أخلاقهم مع الناس، فهم بخلاء الأخلاق؛ بخلاء الابتسامة والبشاشة، فلا تراه إلا عابساً متجهماً بوجهه مع الجميع؛ وهناك البخيل في مشاعره وحبه لمن هم حوله، فالجميع ينفر منه ومن معاملته الغليظة، وهناك البخيل بالكلمة الطيبة والقول الحسن، فهو بخيل حتى مع أهله زوجته وأولاده، بل مع والديه، فلا تجد لهم احتراماً ولا تقديراً ولا حسناً من كلام ومعاملة. ومن أسوأ أنواع البخلاء: أولئك الذين لا يقفُ بخلُهم عندَ أنفسهم، بل يَتَعَدّون ذلك، ليصبحوا دُعاةً للبخل، فيأمرون النَّاس به، فهُم كمن أبغض الجود حتى لا يحبون أن يُجَاد، ولا يكتفون بذلك بل يتظاهرون بالحاجة والفقر والمسكنة مع الغنى واليسار، ويُخْفُون نِعَمَ الله التي أنعَمَ بها عليهم، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: ٣٧]
أيها المسلمون
والسؤال: ما هي أسباب البُخل؟، والجواب: تَختلفُ أسباب البُخل من شخصٍ إلى آخر، فمن أسباب البخل: حُبُّ الإنسان للمال وحِرْصُه عليه: فالإنسانَ مَجبولٌ على مَحبَّة المال؛ ممّا يدفعُه إلى التمنُّع عن دَفْعِه؛ ظنّاً منه أنَّ الخير يَكمُنُ في إمساك المالِ، وعدمِ إنفاقِه، إلّا أنَّ النفعَ الحقيقيَّ للإنسان يكون بإنفاقه للمال، ففي صحيح مسلم: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ». ومن أسباب البخل: ضَعْفُ اليقين بالله -عزَّ وجلَّ-: حيث وعد الله -عزَّ وجلَّ- عِبادَه بالإخلاف على كل المُنفِقين، إلّا أنَّ الشخصَ البخيلَ يقينُه بالله ضعيفٌ، فيدفعه ذلك إلى الشح والبخل والامساك، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، ومنها: البُخل بسبب الخوف على الأبناء: فمن المُمكِن أن يبخلَ الأبوان بمالهما، ويمنعا إنفاقه في الأعمال الصالحة؛ من أجل نَفْعِ أبنائهما. وفي مسند أحمد وغيره: (جَاءَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَسْتَبِقَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ « إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ)، ومن أسباب البخل: البُخل بسبب الخوف من الفَقر والأمَلِ بالغِنى: وهو مذموم في الإسلام، فالمؤمن يؤمن بأن الله هو الرزاق الكريم، فكما عليه أن يصرف دون تبذير، عليه أن ينفق دون بخل خوفاً من الفقر في المستقبل. وفي الصحيحين: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ شَيْئًا إِلاَّ مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ يُنْفِقُ إِلاَّ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ». وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ)، فالكريم إذا هَمَّ بالصَّدقة انشرح صدرُه فتوسَّع في الإنفاق، وأمَّا البخيل فإذا حدَّث نفسَه بالصَّدقة شحَّت وضاق صدره وغلت يداه، فلا يُخرج الصَّدقة، فهو مُضَيِّق على نفسه، وكذلك ماله لا يتَّسع؛ لأنَّه كلَّما أراد متاجرةَ الله بالصَّدقة لم تسمحْ نفسُه، فيفوته الربح الكثير
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْبُخْل)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن المعلوم أنه تترتب على البخل عواقب وخيمة، وآثار سيئة، ومن هذه العواقب: أن الله تعالى وعد البخيل بالعسرى، فقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) الليل: (8): (11)، أي يعسر الله عليه أسباب الخير والصلاح ولا ينفعه ماله إذا هلك وهو في نار جهنم. ومن عواقب البخل: نفاق القلوب :فقد أخبر الله تعالى عن ثلة من المنافقين ممَّن عاهد الله تعالى إن أعطاه من فضله، ورزقه، ووسع عليه، ليتصدَّقَنَّ وليعمَلَنَّ بعمل أهل الصَّلاح بأموالهم، فلمَّا ابتلاهم الله بالرزق، وآتاهم من فضله، بخلُوا بذلك، فأَخْلَفهم اللهُ نفاقاً في قلوبهم، وحَرَمَهم منَ التوبة إليه إلى يوم القيامة، وذلك عقوبة لهم على بخلهم وسوء اعتقادهم بالله، قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: ٧٥ – ٧٧]. ومن عواقب البخل: حِرمان النَّفس من الخير وتسلُّط الأعداء : فقد أخبر الله تعالى أنَّ عاقبة البخل إنَّما ترجع على البخيل أولاً، إذ يحرم نفسَه من الأجر والمثوبة، وإذا ما كان امتناعه عن الإنفاق في سبيل الله لجهاد العدو ودفعه فإنَّه ببخله يتسبَّبُ بتسلُّط عدوه عليه وعلى من يحيط به، قال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾ [محمد: ٣٨]. ومن عواقب البخل: منعُ فضل الله تعالى عن البخيل: ففي سنن أبي داود وغيره: (قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ بَيْتَهُ أَفَأُعْطِي مِنْهُ قَالَ « أَعْطِي وَلاَ تُوكِي فَيُوكِيَ عَلَيْكِ ».أي: لا تدَّخِري وتمنعي فضلَ الزاد عمَّن افتقر إليه، فيمنعُ اللهُ عنكِ فضله، ويسدُّ عليك بابَ المزيد، ومن عواقب البخل: التَّعذيب بالمال المكنوز يوم القيامة: فاللهُ تعالى يعاقب البخلاء يوم القيامة بأموالهم التي امتنعوا عن إنفاقها في سبيل الله، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: ١٨٠]، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ – يَعْنِي شِدْقَيْهِ – ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلاَ (لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الآيَةَ، ومن عواقب البخل: حُرْمَان البخيل من جوار الله يومَ القيامة في الجنَّة: ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ»، وفي المعجم الوسط للطبراني: (عن بن عباس يرفعه قال: (خلق الله جنة عدن بيده وخلق فيها ثمارها وشق فيها انهارها ثم نظر اليها فقال تكلمي فقالت (قد افلح المؤمنون) فقال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل)
الدعاء