خطبة عن (حرمة التسول وسؤال الناس أموالهم)
نوفمبر 4, 2023خطبة عن (دعاؤك مستجاب)
نوفمبر 4, 2023الخطبة الأولى (حياتك من صنع أفكارك)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (200): (202) البقرة
إخوة الإسلام
من الملاحظ أن حياة الإنسان هي من صنع أفكاره، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ – يَعُودُهُ – قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ « لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ قُلْتَ طَهُورٌ كَلاَّ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ – أَوْ تَثُورُ – عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «فَنَعَمْ إِذًا»، فهذا الأعرابي لو أنه رأى أن ما أصابه من الحمى إنما هو مطهر لذنوبه، ومكفر لسيئاته، لصبر واحتسب عند الله مرضه، ولكنه رأى خلاف ذلك، رآها (حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ)، فقال صلى الله عليه وسلم: «فنَعمْ إذَنْ»، وهذا تَقْريرٌ مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِما قاله الأعْرابيُّ، والمَعنى: أرشَدتُكَ إلى أنَّ الحُمَّى تُطهِّرُكَ وتُنقِّي ذُنوبَكَ، فاصبِرْ عليها، فأبَيْتَ إلَّا اليأْسَ والكُفْرانَ، فكان لك كما زعَمْتَ، والأمرُ كما تقولُ، وقَضاءُ اللهِ كائنٌ لا مَحالةَ،
فهذا الرجل لم يَسلُكْ طَريقةَ الأدَبِ، ولمْ يَثبُتْ مِن شِدَّةِ الوجَعِ، فلم يحسن الظن بالله تعالى، ولم يرض بما قسم الله له، فكان له ما أراد، فكان حاله وحياته من صنع أفكاره، لذا كانت سعادة المؤمن ناتجة عن رضاه بما قسم الله له، وإيمانه بأن ما يصيبه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما أصابه كله له خير، ففي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ »، وفي الصحيحين: (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»
ولهذا فإننا نجد المنافق ينفق ماله وهو غير راض، فيكون عليه حسرة في الدنيا والآخرة ، بينما المؤمن ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله تعالى، فيسعد في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (98)، (99) التوبة، فهؤلاء وأولئك يدفعون المال، ولكن هؤلاء يتخذونه غرامة مؤذية مكروهة, ويتمنون الموت لقابضيه، وأولئك يتخذونه زكاة محبوبة، تطيب النفس بأدائها, وتطلب الدعاء الصالح بعد إيتائها.
فلأفكار التي تراودنا هي التي تصنعنا, فإن خامرتنا أفكار مزعجة، تحولنا خائفين جبناء ,وإن تغلبت علينا هواجس المرض، فسنكون كذلك، وإن كان الإيمان والرضا يملأ قلوبنا، صرنا راضين مطمئنين، سعداء شاكرين.
أيها المسلمون
فسعادة الإنسان أو شقاؤه، وقلقه أو سكينته، تنبع من نفسه، فالإنسان هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج ،أو شكلها القبيح، كما يتلون السائل بلون الإناء الذي يحتويه، وفي سنن الترمذي يقول صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)، فمِن حِكمةِ اللهِ تعالى أنَّه يَبتلِي عِبادَه ويختبرُهم؛ ليَعلمَ المؤمِنَ المطيع الراضي، من العاصي الساخط، فمَن رَضِي فله الرِّضا، أي: مَن قابَل هذه البلايا بالرِّضا، فسيَرْضى اللهُ سبحانه وتعالى عنه، ويَجْزيه الخيرَ والأجْرَ في الآخِرَةِ، وقد يُفهَمُ منه أنَّ رِضا اللهِ تعالى مَسبوقٌ برِضا العبدِ، ومُحالٌ أن يَرضى العبدُ عن اللهِ إلَّا بعد رِضا اللهِ عنه، كما قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]، ومحالٌ أن يَحصُلَ رِضا اللهِ ولا يَحصُلَ رِضا العبدِ في الآخِرةِ، كما قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28]؛ فعَن اللهِ الرِّضا أزَلًا وأبدًا، سابقًا ولاحقًا.
“ومَن سَخِط فله السُّخطُ”، أي: مَن قابَل هذه البلايا بعَدَمِ الرِّضا؛ مِن كُرهٍ لوُقوعِها وسَخَطٍ، فإنَّه يُقابَلُ بمِثلِ ذلك، وهو أن يَغضَبَ اللهُ عليه، فلا يَرضَى عنه، وله العِقابُ في الآخرةِ؛ وذلك أنَّ المصائِبَ والعِللَ والأمراضَ كفَّاراتٌ لأهلِ الإيمانِ، وعُقوباتٌ يُمحِّصُ اللهُ بها مَن شاء مِنهم في الدُّنيا؛ لِيَلقَوْه مُطهَّرين مِن دنَسِ الذُّنوبِ في الآخرةِ، وهي لأهلِ العِصْيانِ كُروبٌ وشَدائِدُ وعذابٌ في الدُّنيا، ومع عدَمِ رِضَاهُم وتَسليمِهم لقضاءِ اللهِ فلا يكونُ لهم أجرٌ في الآخرةِ.
ولأن حياة الإنسان من صنع أفكاره، فقد رغبنا الإسلام في التفاؤل، وحذرنا من التشاؤم، فالتفاؤل يصنع السعادة، ويقوي العزائم، وأما التشاؤم فيورث الشقاء، ويحبط الهمم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ ». فالشخص المتفائل عنده ثقه بقدرة الله، فهو يتوكل على الله للحصول على الرزق و راحة البال في الدنيا، أما المتشائم فهو شخص يتواكل ويعتمد على الأفكار الهادمة والتشاؤمية، ولا يرى أي شيء إيجابي في الحياة.
والشخص المتفائل يرى الدنيا بألوان جميلة مبدعة، وأما المتشائم فيرى الحياة باللون الأسود، والشخص المتفائل يحاول إسعاد نفسه بكل الوسائل المباحة، أما الشخص المتشائم فيذكر كل النقاط السلبية المحزنة.
فالتفاؤل يعطي الإنسان راحة البال، وهو يقوي الصلة بين العبد وربه، ويجعل قلبه ملئ بالسعادة والإيمان، لذا فإن الله عز وجل يدعو دائما للتفاؤل، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، ويحذر من القنوط واليأس والتشاؤم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حياتك من صنع أفكارك )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ولأن حياة الإنسان من صنع أفكاره، فأنت الآن في هذه الحياة الدنيا تصنع مصيرك بنفسك، وتحدد حياتك بيدك، فقف وانتبه، وفكر وتأمل، وتدبر وقرر، ماذا تريد أن تكون؟، وكيف تعيش حياتك في دار الخلود، دار القرار، دار الجزاء؟، فكن كيفما شئت، فأنت الآن تصنع حياتك بعملك ،وأنت الآن المسؤول عن كلّ ما يحدث، ويجب أن تفهم أنك لست الضحية، بل أنت المسؤول عن الحياة التي تعيشها اليوم وغدا، وأنك لست من المشاهدين، بل أنت بطل تلك القصة، فالدنيا التي نعيشها دار سفر لا دار إقامة، وهي منزل عبور لا موطن حبور، والليالي متجر الإنسان والأيام سوق، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾. الإسراء 19. ويقول سبحانه: ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾. الاسراء 20.
الدعاء