خطبة عن (قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن (لماذا لا يهلك الله الكافرين؟)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (كثرة الكلام)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(عنْ أَبي هُريرَة قَالَ: قال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ وَقَاهُ اللَّه شَرَّ مَا بيْنَ لَحْييْهِ، وشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجنَّةَ) رَوَاه التِّرمِذي وحسنه، وَعَنْ عُقْبةَ بنِ عامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسول اللَّهِ مَا النَّجاةُ؟ قَال: أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بيْتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) رواه الترمذي وحسنه، (وعَن ابنِ عُمَر رضي اللَّه عنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: لا تُكْثِرُوا الكَلامَ بغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإنَّ كَثْرَة الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّه تَعالَى قَسْوةٌ لِلْقَلْبِ، وإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلبُ القَاسي). رواه الترمذي.
إخوة الإسلام
الثرثار وكثير الكلام من أبغض الناس لقلب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبعد الناس عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد رُوي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَىَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ”. قَالُوا يَارَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ: “الْمُتَكَبِّرُونَ”، وقد حذر الاسلام من كثرة الكلام وورطات اللسان وشره من الغيبة والنميمة والكذب والسباب وغير هذا من آفات اللسان، فالواجب حفظ اللسان مما حرم الله وإشغاله بما شرع الله، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنَ الإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: (وَالْعِيُّ قِلَّةُ الْكَلاَمِ وَالْبَذَاءُ هُوَ الْفُحْشُ فِي الْكَلاَمِ وَالْبَيَانُ هُوَ كَثْرَةُ الْكَلاَمِ مِثْلُ هَؤُلاَءِ الْخُطَبَاءِ الَّذِينَ يَخْطُبُونَ فَيُوَسِّعُونَ فِي الْكَلاَمِ وَيَتَفَصَّحُونَ فِيهِ مِنْ مَدْحِ النَّاسِ فِيمَا لاَ يُرْضِى اللَّهَ). وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري: (عن ابن عمر قال: قدم رجلان من المشرق خطيبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاما فتكلما ثم قعدا. وقام ثابت بن قيس؛ خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم، فعجب الناس من كلامهما. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: ” يا أيها الناس! قولوا قولكم، فإنما تشقيق الكلام (أي: المبالغة فيه وتزيينه) من الشيطان”، وفي صحيح ابن حبان: (عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول البيان من الله والعي من الشيطان وليس البيان كثرة الكلام ولكن البيان الفصل في الحق وليس العي قلة الكلام ولكن من سفه الحق ذكر الإباحة للمرء التمثيل للأشياء بالأشياء في كلامه)،
أيها المسلمون
وكثرة الكلام في غير فائدة، واستثقاله فيما فيه فائدة أمارة على مرض القلب؛ إذ الألسن مغارف القلوب، وما أقبح حال المرء وهو يثرثر بما لا خير فيه، وفي الحديث الذي رواه الترمذي: (وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ). أي: الذين يكثرون الكلام تكلفًا وتشدقًا، والثرثرة كثرة الكلام وترديده، قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في رياض الصالحين: اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ. وفي الصحيحين: (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ”
ولما أدرك سلفنا الصالح خطورة اللسان، وما يصدر عنه من كلام احترزوا منه أشد الاحتراز، حتى كان الواحد منهم يحاسب نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد ـ ولقد رُؤيَ بعض الأكابر من أهل العلم في النوم، فسئل عن حاله، فقال: أنا موقوف على كلمةٍ قلتها، قلت: ما أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: وما يدريك! أأنت أعلم بحاجة عبادي مني؟. وروى الحاكم في المستدرك أن شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ قال مرة لأصحابه: هاتوا السفرة نعبث بها، ثم قال: أستغفر الله، ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة، خرجت مني بغير خطام ولا زمام.. وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ آخذ بلسانه، وهو يقول: ويحك قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم، فقيل له: يا ابن عباس، لِمَ تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان أراه قال: ليس على شيءٍ من جسده أشد حنقاً وغيظاً يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال خيرًا أو أملى به خيرًا. وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحداً لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله, وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.. وعن عمر -رضي الله عنه- قال: من كثر كلامه كثر سقطه. وعن ابن مسعود قال: أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته. وعن علي -رضي الله عنه- قال: اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح, وإذا اضطرب اللسان لم تقم له جارحة، وقال محمد ابن واسع -رحمه الله-: حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.
فجاهد نفسك على كف لسانك إلا في الخير، واستحضر دائمًا أن في الصمت السلامة، كما في الحديث: (مَنْ صَمَتَ نَجَا). رواه أحمد، والترمذي. وفي المثل: (إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب ـ وهذا حق)
أيها المسلمون
فالعاقل يعلم أنه محاسب عن كل كلمة، لذا فهو يتفكَّر في كلامه أولا، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره حبسه، وسكت عن الكثير من الكلام، فمَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ، وفي الحديث: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ). وعن الحسن البصري قال :” كانوا يقولون إن لسان المؤمن وراء قلبه ، فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه ” .
وليست كثرة كلام المرء من العقل في شيء ، لذا كان من أحكم ما قيل: إذا تمَّ العقل نقص الكلام، وقد قال المهلب بن أبي صفرة الأزدي : ” يعجبني أن أرى عقل الرجل الكريم زائدا على لسانه ” ،
وهل هناك من هو أوفر عقلا ، وأكثر نبوغا، من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ، لذا فقد كان من صفات كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحدِّث حديثا لو عده العاد لأحصاه، وهذه إشارة إلى قلة كلامه، وقد جعل أبو الدرداء رضي الله عنه قلة الكلام من علامات الفقه؛ فقال رحمه الله: “من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه “
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كثرة الكلام )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وهناك العديد من الطُرق والوسائل والأساليب التي تساعد الفرد على التخلص من عادةِ الثرثرة وكثرة الكلام، ومنها: التدرّب على مهارات الإنصات والاستماع: هي محاولة الفرد أن يتدرب ذاتياً على الاستماع والإنصات للأشخاص الآخرين أكثر من التحدث معهم،
ومن وسائل التخلص من كثرة الكلام: التخلص من التفرد في سلطة الكلام: وذلك عن طريق الابتعاد عن إدارة الحديث والتخلي عن امتلاك الكلام، وفتح المجال أمام الآخرين للمشاركة في التفكير والنّقاش وتبادل الأفكار والخبرات،
ومن وسائل التخلص من كثرة الكلام: تذكير النَّفس بأن الإنسان محاسب على كلامه: فحرص الفرد على تذكّر أن جميع الكلام الذي يتفوه به لسانه من ضمن عمله الذي سيحاسب ويُسأل عليه، فكلامه المفيد والجيّد سوف يؤجر عليه، وكلامه السيئ سيُؤثم عليه،
ومن وسائل التخلص من كثرة الكلام: الإحساس بإيجابيّة ضبط اللسان: وذلك بأن يعطي الفرد الفرصة لنفسه للشعور بالعائدات الإيجابية، والناتجة عن ضبطه للسانه، واستمراره في حصر حديثه، والتحكّم بالرغبة المشجعة على الكلام المستمر، ويجب أن يعلّمَ الفرد نفسه عادة استخدام الصّمت، حتّى يتخلص من عادة الثرثرة،
الدعاء