خطبة عن (كثرة الكلام)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن (مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكْن لِيُخْطِئَكَ)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (لماذا لا يهلك الله الكافرين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (13) إبراهيم، وقال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (67) هود، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (15): (17) الطارق .
إخوة الإسلام
إن لله تعالى سننا في الكافرين والظالمين والمنافقين، وهي لا تتغير ولا تتبدل، ويخضع لها الجميع، قال تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران: 12). وقال تعالى: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (إبراهيم: 13)، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام: 11)، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (الروم: 42). فما من ظالم ولا طاغية ولا كافر إلا كانت نهايتهم واحدة، قال تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 45)، فسنن الله فيهم ثابتة ومصيرهم الخزي والعذاب. وهي سنة لا تتخلف في الأفراد كما في المجتمعات.
والسؤال الذي قد يخطر ببال المسلم، وهو يرى في هذا الزمان، وفي تلك الأيام، صولة الكافرين، وظلم المفسدين، ووجاهة المنافقين، واعتداءات الظالمين، فيقول: لماذا لا يهلكهم الله وهو القادر عليهم؟، والجواب: لقد ذكر الله تعالى في كتابه حِكَماً كثيرة لذلك، ومنها: أنه سبحانه وتعالى (غفور رحيم)، وإنما يؤخر إهلاكهم لأجل أن يتوبوا ويُسلموا، قال الله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) الكهف/58. والله تعالى من صفاته (الحلم)، ومن أسمائه الحسنى (الحليم)، فهو لا يعجل بالعقوبة، بل يمهل لخلقه من غير إهمال، ولن تفوته عقوبتهم لو أراد، كما هو الحال في البشر. يقول الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – في قوله تعالى: (لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب): بيَّن سبحانه في هذه الآية الكريمة: أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب، كالكفر والمعاصي، لعجَّل لهم العذاب، لشناعة ما يرتكبونه، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة، فهو يمهل ولا يهمل” . أضواء البيان وقال: (لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده) ومن حكمة الله تعالى في تأخير إهلاك الكافرين: أن إهلاكهم له وقت محدد، وأجل مسمى، فلم يحن وقته الذي قدَّره الله تعالى عليهم، قال الله تعالى: ( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) هود/110. وقال تعالى: (لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (58)، (59) الكهف، وقال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ) إبراهيم/42. وقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران/178.وقال تعالى: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) مريم/85. فيا له من وعيد وتخويف، ويا له من بأس وانتقام ،حين يعد الجبار الجليل، للمجرم الآبق ما يستحقه على جرمه، حين لا مفر له ولا مهرب .وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
أيها المسلمون
ومن حكمة الله تعالى في تأخير إهلاك الكافرين والظالمين: أنه سبحانه يعجل عقاب بعضهم , ويؤخر البعض ليوم القيامة, فلو عجل عقاب الجميع لهلك الناس, قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (53): (55) العنكبوت، ومن سنن الله تعالى في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، فلا يؤاخذ الله الظالم من أول ظلمه، بل يمهله ويمهله حتى لا يكون له عذر، ويعطيه الله فرصة للتوبة، ولو آخذ الله كل ظالم من أول ظلمه، ما ترك على ظهر الأرض من دابة، قال الله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل (61) ،
ومن حكمة الله تعالى في تأخير إهلاك الكافرين والظالمين: أن من صفات الله تعالى: (الصبور) فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) رواه البخاري ومسلم، قال الخطابي رحمه الله: (الصَّبُوْرُ: هُوَ الذِي لَا يُعَاجِلُ العُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، بَلْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى، وَيُمْهِلُهُم لِوَقْتٍ مَعْلُوْم).
ومن حكمة الله تعالى في تأخير إهلاك الكافرين والظالمين: أن الدنيا هي دار عمل، وليست دار جزاء، وأن الآخرة هي دار جزاء، وليست دار عمل، والله تعالى يمهل الظالم ليترقى في الظلم، ويرتفع فيه حتى يبلغ السماء، فيراه ويسمع به كل من على الأرض شرقاً وغرباً، حينها يأمر الله به أن يُوضع، ويهوي في أسفل سافلين، فكلما ارتفع الظالم وعلا، كان أبين لسقوطه والاعتبار به، ولهذا قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود (102)، فالألم والشدة مجتمعة لا تكون إلا بعد ارتفاع وعلو في الظلم، وهكذا ذكر الله لأخذ الظالمين في القرآن كله موصوف بنوع بطش وقسوة، وهذا لا يتناسب مع مظلمة الدينار والدرهم، ومظلمة اللحظة والساعة ،لأن الله تعالى عادل، ولا يُعاقب بعقوبة عظيمة على مظالم يسيرة. وهذا ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، فالإملاء إشارة إلى تتابع الظلم، والترك الإلهي له ليرتفع الظالم فيسمع به البعيد والقريب، ويلوح للرائي من بعيد، فترى عقوبته وتسمع من مكان رؤية الظالم والسماع به، وهنا لا يشفق عليه أحد، ولا يترحم عليه مترحم.
والله تعالى من صفاته أنه (عليم، وحكيم)، فهو سبحانه يقدر بعلم وحكمه، ولا يتعجل الأمور بعجلتنا، ولكن كل شيء عنده بمقدار وميقات محدد، ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة من قريش، والله يعلم أن منهم من سيدخل في الاسلام، بل وسيكون جنديا من جنود الله، ويقهر الله به الكافرين، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (128)، (129) آل عمران، وفي صحيح البخاري: (حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا». بَعْدَ مَا يَقُولُ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) إِلَى قَوْلِهِ (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (128) آل عمران ،
ومن سنن الله تعالى أن يبتلي الله الناس بعضهم ببعض، ليعلم الصادق في إيمانه، والصابر على قضائه، من الكاذب في إيمانه، والساخط على قضائه، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) الفرقان (20)، ففي الوقت الذي يمهل الله فيه الظالم ليزداد ظلما وفسادا، فتشتد عليه العقوبة في نار الجحيم، يبتلي الله المؤمنين به، لترتفع درجاتهم في جنات النعيم، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) محمد: 4، وقال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (2) :(4) العنكبوت، وقال الله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179) آل عمران، ففترة الإمهال الطويلة ينزل الله ظلم الظالم على الناس بحكمة، إما عقوبة لأفراد فيظلمهم الظالم بالزيادة على ما يستحقون، وإما ابتلاءً وتمحيصاً ورفعة وتكفيراً لآخرين، وقد تجتمع هذه كلها. ولو عاقب الله الأفراد بمظالمهم التي يقعون بها لأول مرة، لتنافى هذا مع الرحمة والعفو والصفح الإلهي،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لماذا لا يهلك الله الكافرين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
سنن الله الكونية في عباده لا تتبدل ولا تتغير، فلا يردها قوي مهما بلغت قوته، ولا تتعجل لمستعجل حتى تبلغ أجلها الذي ضربه الله تعالى لها، قال الله تعالى: {سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62]. ومن سنن الله تعالى في عباده سوق الظالمين إلى مهالكهم بما كسبت أيديهم. وهي سنة في الظالمين ثابتة لا تتغير ولا تتخلف، سواء كان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، لأن تحريم الظلم مطلق محكم لا يجري عليه أي استثناء، فلا يباح الظلم أبدًا، فلا مصلحة تبيحه، ولا ضرورة؛ وذلك ليُقطع الطريق على الظلمة، فلا يسوغون ظلمهم، ولا يعتذرون باضطرارهم إليه، أو تحقيق المصالح به. وإذا كان تحريم الظلم محكمًا مطلقًا مغلظًا، فإن الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بظلم اقترفه؛ ولذا قال سبحانه {هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:47].
وعقوبة الظالم لا تتخلف أبدًا؛ فهي عقوبة تصيبه في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا، وكل الأمم التي عذبت وأهلكت علق هلاكها بظلمها، وهي أمم كثيرة كما دل على ذلك القرآن {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ. فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:4-5]، فسنة الله تعالى ماضية في عذاب الظالمين وإهلاكهم. وفي تعبير قرآني آخر: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا} [الحج:48]، فهذا يدل على أن هذه السنة الربانية في الظالمين مضطردة لا تتخلف، فيستبشر المظلومون بها، ويوقنون بأن الله تعالى منتقم من الظالمين لا محالة، وأن ظلمهم للضعفاء لا بد أن يعود ضرره عليهم؛ فللكون رب يدبره، وله سبحانه حُكم يفرضه، وله تعالى قدر يُنْفِذُه، وله عز وجل سنن يمضيها، فلا ييأس مؤمن يعلم ذلك ويوقن به، وقد يستبطئ المظلوم هلاك الظالم؛ لشدة ما يعاني من الظلم، وما يجد من القهر، وما يحس به من الغبن، ولا سيما إذا كان الظلم ظلمًا في الدين، وأذى في ذات الله تعالى، واستباحة للدماء، وانتهاكًا للأعراض، وتهجيرًا من الديار، ولكن ما يريح المظلوم المقهور لو قرأه فتدبره قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]
الدعاء