خطبة عن (مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن (نعم الله لا تُعد ولا تُحصى)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (نداء: يَا ابْنَ آدَمَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»
إخوة الإسلام
في الكثير من الآيات القرآنية ينادي الله تعالى على عباده بقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ)، وفي كثير من الأحاديث القدسية يناديهم (يَا ابْنَ آدَمَ)، وقد شرف الله بني آدم بهذا النداء: (يَا بَنِي آدَمَ)، فنسبهم إلى أبيهم الأول المكرم، الذي خلق الله بيده، وشرفه فأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وكرمه على العالمين، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الاسراء: 70]، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ . فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ »
والمتأمِّل في الأحاديث القدسيَّة، من حيث صياغتها وصنعتها اللغويَّة، يجد فيها من النفحات الربَّانية، ومن الفيض الإلهي الذي يقرِّب ويختصر المسافات بين الله- عز وجل- وعباده كثيرًا؛ وذلك من خلال هذه النداءات والخطابات الرائعة، مما لا يجده في غيرها من الأحاديث التي تتعلَّق بالأحْكام أو بالترغيب والترهيب، فلا يملك الإنسان إلاَّ أنْ يتأمَّلَ في تفاصيلها الرصينة، وفي كلماتها ذات الروحانية المُلفِتة، فتخشع نفسُه، وتذل كبرياءُ رُوحه، وتخضع رقبتُه لله الجليل الكريم، الكبير المتعال.
فصيغة النداء: (يَا ابْنَ آدَمَ)، فهذا النداء، يحيي في قلوب المؤمنين طاعة الله ورسوله ، وتوقظ في قلوب الغافلين والمارقين الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وترسم للمؤمنين طريق النجاة من النار، والفوز بالجنة، وذلك من خلال الاعمال الصالحة التي تقربهم من ربهم، وتفتح لهم باب الأمل في التوبة والرجوع إلى الله، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». وروى مسلم (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ». وفي سنن أبي داود (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ لاَ تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ نَهَارِكَ أَكْفِكَ آخِرَهُ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»، وفي مسند أحمد: (هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلْ كَأَنَّكَ تُرَى وَعُدَّ نَفْسَكَ مَعَ الْمَوْتَى وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ». وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ)، وفيه: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ قُمْ إِلَىَّ أَمْشِ إِلَيْكَ وَامْشِ إِلَىَّ أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ». وروى البزار: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لابْنِ آدَمَ: يَا ابْنَ آدَمَ ثَلاثٌ: وَاحِدَةٌ لِي، وَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَمَّا الَّتِي لِي، فَتَعْبُدُنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، وَأَمَّا الَّتِي لَكَ، فَمَا عَمِلْتَ مِنْ عَمَلٍ جَزَيْتُكَ بِهِ، فَإِنْ أَغْفِرْ فَأَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَالْمَسْأَلَةُ وَعَلَيَّ الاسْتِجَابَةُ وَالْعَطَاءُ). وفي المستدرك: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ربكم تبارك وتعالى يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا)
أيها المسلمون
ونداء الله تعالى لعباده بقوله: (يَا ابْنَ آدَمَ) يطمئن لها القلب، ففي سنن الترمذي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»، فهذا الحديث يُلخِّص الله- عز وجل- فيه العلاقة بينه- وهو المولَى العظيم- وبين ابن آدمَ ذلك العبد الضعيف العاصي المذنب، فأيُّ عظمة هذه التي تجعل ربَّنا- تبارك وتعالى- يقابل كلَّ تلك المعاصي والآثام التي نقترفُها ليلًا ونهارًا بمغفرة تجبُّ كلَّ الذنوب، وتغسلُ كل الأدناس والأدران؛ تلك المعاصي بكل أشكالها وأنواعها؛ كبيرها وصغيرها، جُلّها ودِقها، عظيمها وحقيرها، سرّها وعلانيتها، قديمها وحديثها، إلا ما كان شِرْكًا.
بل وانظر وتأمَّل معي في العلاقة التي يصورها الله- عز وجل- بينه وبين عبده في هذا الحديث القدسي العظيم؛ ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». إنها علاقة كَرَمٍ لا حدَّ يحدُّها ولا عدَّ يعدُّها. وفي البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وروى مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». فهذه الأحاديث القدسية الجليلة وغيرها الكثير والكثير تجعلُنا نقفُ وقفات ووقفات مع أنفسنا المقصِّرة؛ نعاتبها، نلومها، نؤنِّبها على ما كان منها، إنَّ هذا الكرم الإلهي يبعثُ فينا رُوح الأمل، ويبثُّ فينا العزمَ على التعجيل بالتوبة، والإسراع بالإقلاع عن المعاصي، والعزْم على عدم العودة إلى مستنقعها الرديء،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نداء: يَا ابْنَ آدَمَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ونداء الله تعالى لعباده بقوله: (يَا ابْنَ آدَمَ): فهذا الفيض الربَّاني ينادي بصوت مسموع لا لَبس فيه ولا اشتباه: أين العُصاة المذنبون؟ أين المسيئون المقصِّرون؟ ها هو مَيدان الخير يرتقبُ، وها هو جَواد التوبة ينتظر مَن سيمتطيه؛ لينال السبقَ العظيم، والفوز الكبير بجنَّة عَرْضُها السماوات والأرض، أين المشمِّرون؟ أين الباذلون؟ أين المُضحُّون؟ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]. ومثل هذه الأحاديث – وغيرها الكثير- تنتزعُ وتقتلعُ وتجتثُّ من عقول بعض أبناء المسلمين الكثيرَ من الأفكار السلبيَّة والناشئة عن عدم المعرفة التامَّة بالله- عز وجل- ومن أبرزها الانتحار؛ فلماذا تنتحرُ، أليس لك ربٌّ رحيمٌ كريمٌ، قريب مجيب، تدعوه فيجيبك، وتتوب إليه فيتوب عليك، وتناديه فيسمعك، وتستغفره فيغفر لك؟، قال تعالى :(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة، إنها تعرِّفنا بمدى كَرَمِ الله، وجلال الله، وجُود الله، ورحمة الله، فتجعلنا نقتربُ أكثر وأكثر من الله، وتجعلنا ندركُ تمامَ الإدراك أن طريقة معاملة الله لنا طريقة كلُّها كرم ورحمة، فالعفو أحبُّ إليه من العقوبة، والرحمة أحبُّ إليه من الغضب؛ قال تعالى: {فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} [الأنعام: 147]، وفي صحيح البخاري: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي. فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ»
الدعاء