خطبة عن (يَا عِبَادَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ اثْبُتُوا)

                       الخطبة الأولى (يَا عِبَادَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ اثْبُتُوا)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

قال تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) إبراهيم/27،   وروى مسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه: (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- … قَالَ «إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلاَّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ وَأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لاَ مَحَالَةَ وَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَأَنَا حَجِيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِى فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالاً. يَا عِبَادَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَاثْبُتُوا)

إخوة الإسلام

مما لا شك فيه أننا في زمن كثرت فيه الفتن، وكثير من الناس لا يثبت أمامها، فتزل قدمه بعد ثبوتها، ويرسب في الاختبار، فهي فتن عظيمة شديدة، ومِن شِدَّةِ تِلكَ الفتنِ، أنَّها تكونُ مُظلمةً كَقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ؛ لا يَكادُ يَرَى المرءُ فيها نُورَ الحقِّ، بل تَشتَبِهُ عليه الأمورُ؛ فيُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دينَهُ لِيَنَالَ عَرَضًا مِنَ الدُّنيا: (مالًا، أو جاهًا، أو رئاسةً أو غيرها)،

فإذا كانت الفتن بهذه الخطورة، كان من الواجب على كل المسلم أن يأخذ بأسباب الاستقامة، ووسائل الثبات في الفتن، ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: الاشتغال بكتاب الله تعالى تلاوة وحفظًا وتدبرًا، فالقرآن شفاء للقلوب من أمراضها، وتدبره بعد قراءة تفسيره يعين المؤمن على معرفة طرق مواجهة الفتن المتكاثرة، وقد ذكر الله تعالى أن القرآن من وسائل الثبات في الأمر، فقال سبحانه: (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) {الفرقان:32}،  

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: التمسك بالسنة، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود وصححه الألباني 

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: التقرب إلى الله تعالى بأنواع العبادات، فالمؤمن صاحب العبادة، المحافظ على الفرائض، المؤدي للنوافل، يثبته الله، ويؤيده بروح منه، ويمده بمدد من عنده، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) {النساء:66}. وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري.

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: الإكثار من الدعاء وسؤال الله تعالى، فقد لا يملك المؤمن من الأسباب في مواجهة الفتن أكثر من سلاح الدعاء، كقوله تعالى على لسان بعض أوليائه: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) {البقرة:250}، وقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) {آل عمران:8}. وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسٍ ـ رضي الله عنه ـ أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ). فينبغي أن تكون هذه الأدعية وأمثالها ديدنًا للمؤمن، وحصنًا حصينًا يأوي إليه من الفتن،

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: مطالعة قصص الأنبياء، فقراءة أخبارهم، ومعرفة مواقفهم، والوقوف على أحوالهم، وتأمل أقوالهم وقت الفتن التي تعرضوا لها، من أعظم الأسباب المعينة على مواجهة الفتن والثبات أمامها، قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) {هود:120}.

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: التوكل على الله تعالى، وتفويض الأمر إليه سبحانه، فالتوكل على الله من أعظم المنازل والمقامات عند الله تعالى، بل هو علامة الإيمان، قال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) {المائدة:23}، وقال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) {آل عمران:122}. وكذا تقوية الخوف من الله تعالى في القلب، ليكون أعظم من خوف الناس،

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: صحبة الصالحين، فمما يشد أزر المسلم في استقامته ويعينه على التمسك بدينه ـ خصوصًا وقت الفتن ـ صحبةُ الأخيار وطلاب العلم). فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». رواه أبو داود.

                              أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                             الخطبة الثانية (أَيُّهَا النَّاسُ فَاثْبُتُوا)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                     أما بعد  أيها المسلمون                                                        

ومن أسباب ووسائل الثبات في زمن الفتن: الفرارُ مِنَ الفِتن، وعدَمُ التَّعَرُّضِ لها، فقد جاء في قصةِ الرجلِ الذي قَتَلَ تِسعةً وتسعين إنسانًا: أنه سألَ عَن رَجُلٍ عَالِمٍ فقال العالِمُ: “ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ”. وجاء في حديث الدجال قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ) رواه أبو داود وصححه الألباني 

ومنها : الصبر على أمر الله ، فقد روى أبو دود وصححه الألباني: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ». وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ « أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ».

ومنها : الاستعاذة بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ففي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه كما عند مسلم: (أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)

هذا وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم المستقيمين على أمر الله تعالى في آخر الزمان بأن لهم أجرًا عظيمًا، ففي سنن أبي داود وصححه الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ». وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ».

                                             الدعاء