خطبة عن (النظرة المحرمة)
فبراير 11, 2024خطبة عن (الإسلام دين العلم، وخطورة التخلف العلمي)
فبراير 12, 2024الخطبة الأولى (صبراً أهل غزة فَإِنَّ مَوْعِدكُم الْجَنّةُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (55) النور.
إخوة الاسلام
في ظل هذه الأحداث المتتالية، والأوضاع الدامية، حيث يعتدى العدو الصهيوني الغاشم على أهلنا في غزة، مدعوما بأعداء الملة والدين، من الكافرين والمنافقين، فما تشهده غزة العزة والكرامة يفوق الوصف، مِن قتلٍ جنوني، وتدمير وحشي، لم يراعِ فيه الأعداء أدنى حقوق الانسان، ضاربين ببراءة الأطفال، وأمومة النساء، وضعف العجزة، وكبار السن، عرض الحائط، ولكن، برغم كل ما فعله الصهاينة في قطاع غزة، نجد أن صمود وثبات المقاومين، وكذا الرجال والنساء، ثباتا ليس له نظير ولا مثيل، ونذكر إخواننا في غزة بسيرة الأولين، فقد كان بنو مخزوم يعذبون عمار بن ياسر، وأبيه وأمه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ فإذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: (صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة)،
ونحن –المسلمين- اليوم، وقد صرنا مستضعفين في الأرض، نقول لأهل غزة ما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تقطعت الأسباب، وعجز عن نصرة المظلومين، ورآهم يعذَّبون، وهو لا يملك لهم شيئاً، إلا الدعاء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدُكُمْ الْجَنّةُ) رواه الحاكم، ونحن نقول: (صبرا أهل غزة، فإن موعدكم الجنة)، لقد تقطعت الأسباب عندنا ـ نحن عامة الشعوب ـ فصبرا فإن موعدكم إما النصر، أو جنة عرضها السماوات والأرض، أُعدَّت للمتقين، وأنتم منهم -إن شاء الله تعالى- ببركة صبركم وصمودكم. ولا يسعنا إلا أن نقول: اللهم ثبِّتهم، وأرسل إليهم المدد من السماء، يا من بيده ملكوت كل شيء.
أيها المسلمون
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم، كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها ،فقال قائل: من قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ، ولَيَنْزِعَنَّ الله مِنْ صدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ، قيل: وما الوْهنُ يا رسول الله؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيَةُ الموتِ ” [ رواه أبو داود]، فنحن -الشعوب الاسلامية المقهورة – نشعر بغصة في القلب، من شدة العجز عن مساعدة المسلمين في غزة، ولا نملك لهم إلا الدعاء، بدموع تنهمر، تناجي الله أن ينصرهم نصرًا كنصر يوم الأحزاب، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أسرع استدارة الزمان، فهذا هو ما عاناه الرسول ﷺ وأصحابه في غزوة الخندق، من مكائد اليهود، من حصار وجوع وحرب، فربط الرسول صلى الله عليه وسلم على بطنه الحجر من الجوع، فنفس الحصار، ونفس الهلاك، ونفس الأهوال، ومع ذلك فقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، (فاللهم نصرًا كنصر يوم الأحزاب، اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَاب، وَمُجْرِيَ السَّحَاب، وَهَازِمَ الأَحْزَاب، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم)،
وأكثر ما يؤلمنا نحن -الشعوب الاسلامية- هو هذا الصمت الرهيب ممن يستطيعون المساعدة من حكام المسلمين، ففي حصار شعب أبي طالب، ورغم الجاهلية قال زُهيرُ بنُ أبي أُمَيَّةَ: “يا أهلَ مكَّة، أنأكلُ الطَّعامَ, ونَلبَسُ الثِّيابَ, وبنو هاشمٍ هَلْكى، لا يُباع ولا يُبتاعُ منهم؟، والله لا أقعدُ حتَّى تُشَـقَّ هذه الصَّحيفةُ القاطعـةُ الظَّالـمةُ”، فيا أهل غزة تذكروا كم عانى الرسول ﷺ وأصحابه في مواجهة قريش، ونشر الإسلام في شتى بقاع الأرض، وتأملوا قول الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة:٢١٤]، فهذه الآية فيها تثبيت وتسلية ووعد، فالله عز وجل يخبرنا: أنه لابد أن يُمتحن عباده بالسراء والضراء، وكلما صابر وثابر المؤمن على محنته، انقلبت المحنة إلى منحة، والمشقة إلى راحة، فأعقب كل ذلك نصرًا على الأعداء، فصبرٌ جميل، ونصرٌ قريب، عاجلاً غير آجلاً.
أيها المسلمون
وصبر جميل أيها المدافعون عن غزة، فالنصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، وقال صلى الله عليه وسلم :«وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» رواه أحمد، فالنصر والغلبة يتعلق بما في (القلوب) من إيمان وصبر وتوكل على الله، وثقة بنصره للمؤمنين، وليس بموازين القوى المادية وحدها، قال تعالى: {وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ} [الأنفال:11]، وقال تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12]. فأول ركائز النصر هي في التعلق بالله، وترك التعلق بالمخلوقين، والمعركة عندما تَطول مع أهل الباطلِ، فإن الغَلَبة والنُّصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ، قال الله تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران:160]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران:126).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (صبراً أهل غزة فَإِنَّ مَوْعِدكُم الْجَنّةُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فيا أهل غزة: ابشروا بالتمكين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (55): (57) النور، فابشروا بالتمكين، فسيعود المسجد الأقصى للمسلمين، فقد جعل الله له مكانة مميزة في قلوب المسلمين حوّل العالم ، فهو القبلة الأولى للمسلمين ،وهو المكان الذي شرفه الله عزّ وجلّ فجعله نهاية مسرى نبيه الكريم، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبداية معراجه إلى السماوات العُلَا. وصبراً أيها المسلمون المستضعفون في كل مكان. فالنصر قريب، عاجلًا غير آجل، بقدرة االله رب العالمين.. والله سبحانه وتعالى سيحاسب من طغى وبغى، وعاث في أرض فسادا. فهو القادر على ان يشتت شملهم، ويربك جيشهم، ويحبط مخططاتهم، ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم، ويجعلهم من الخائبين المنكسرين، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير} الحج (39). فكونوا مع الله تعالى، فالله قادر على نصرتكم.
الدعاء