خطبة عن (صبراً أهل غزة فَإِنَّ مَوْعِدكُم الْجَنّةُ)
فبراير 12, 2024خطبة عن (رقة القلب وقسوته)
فبراير 13, 2024الخطبة الأولى (الإسلام دين العلم، وخطورة التخلف العلمي)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (60) الانفال
إخوة الإسلام
ماذا لو: كانت المقاومة في غزة تمتلك أسلحة متقدمة؟، ماذا لو كانت تمتلك طائرات، وأنظمة دفاع جوي حديثه؟، وماذا لو كانت تمتلك دبابات ومدرعات، وصواريخ وأسلحة نووية، وغيرها وغيرها من الأسلحة الحديثة؟، والجواب: لو امتلكوا ذلك، لانتصروا -بإذن الله- على عدوهم، فالمسلمون، والمقاومون، لا تنقصهم الشجاعة، ولا القوة البدنية، ولا تنقصهم القدرة على التخطيط في إدارة المعارك، أو فنون القتال، وإنما ينقصهم التسليح، فمن الملاحظ أن التفوق الوحيد الذي مازال يعتمد عليه جيش الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وجيوش الأعداء من الكفرة، هو الأسلحة الحديثة، والمعدات المتقدمة، فهي التي تشكل عماداً أساسياً في كل معاركهم مع الدول الاسلامية، فهم لا يملكون الشجاعة، ولا الفدائية والإقدام، ولا يملكون التضحية، والقوة والبطولة، بينما يمتلك ذلك المقاومون في غزة، وفي الدول الإسلامية، وهذا يبين لنا:
أن من العوامل والأسباب التي أدت إلى ضعف المسلمين أمام عدوهم: الجهل، وعدم الأخذ بأسباب العلم، وسوف يسألون أمام الله تعالى عن هذا، فالجهل في أمور الدين، كان سببا في ظهور الأفكار المنحرفة، والجهل في علوم الدنيا، كان سببا في التخلف في مجالات التصنيع، والتكنولوجيا الحديثة، وغيرها من العلوم الحديثة النافعة، وذلك مما أدى إلى ظهور أعدائنا علينا، فبسبب التخلف العلمي والتكنولوجي ضعفت قوتنا، وسُلبت حريتنا، وأصبحنا مستضعفين في الأرض، وفقدنا ديننا ودنيانا.
وبهذا التخلف عن طلب العلم، وعدم مسايرة المسلمين لغيرهم في الصناعات الحديثة، أصبحنا مخالفين لديننا، لأن الله تعالى يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (60) الانفال، ولأن الإسلام يدعو إلى طلب العلم والتعلم، ويرفع أهله درجات، ويثيب على طلبه، فطلب العلم عبادة، ومذاكرته تسبيح، وبذله صدقة، وطلب العلم أفضل من كل نافلة، والعلماء ورثة الأنبياء، ولا يوجد دين رفع من قيمة العلم، وأعلى من شأن العلماء كالإسلام، ففي نصوص تتلى في كل حين، قال الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم:1)، وأول آية نزلت من القرآن، تأمر بالقراءة، التي هي مفتاح العلوم، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (1): (5) العلق، وفي سنن الترمذي وأبي داود: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
والعلم في الإسلام يسبق العمل, فلا عمل إلا بعلم، كما قال سبحانه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) محمد/19. ولأهمية العلم أمر الله رسوله أن يطلب المزيد منه فقال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه/114. ومدح الله العلماء وأثنى عليهم بقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9) الزمر، والإسلام يدعو إلى تعلم سائر العلوم النافعة، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (27): (28) فاطر، وإذا مات العالم فإن أجره عند الله لا ينقطع بموته , بل يجري له ما انتفع الناس بعلمه ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
هذا وقد أخبر النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك الزمان، الذي يقصر فيه المسلمون في طلب العلم، ففي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ)، وقد باتتِ العلومُ الشرعية تشكو إلى ربِّها، من قلة طالبيها، وانصراف عامَّة الناس عنها، وعن تعلُّمِها،
فهذه صيْحات تحْذير وإنذار، وترْغيب وترهيب، ترغيب في تحصيل العلْم النافِع، وترْهيب مِنْ ترْك تعلُّم العلْمِ الشرعي. فلولا ما انتشر مِن الجهل بين الناس، لَمَا استطاع أحدٌ مِن هؤلاء المفسدين أن يبثُّوا سُمُومهم بين أفراد الأمة؛ ولكنَّهم لَمَّا رأَوُا الأرْضَ خصبة لاستقبال أفكارهم الشيطانية، ولما تخلف المسلمون عن ركب التقدم العلمي، فعلا عليهم عدوهم وأصبحوا مستضعفين، مهانين، أذلاء، لا يملكون قرارهم، ويتحكم فيهم أعدؤهم، ويسومونهم سوء العذاب.
أيها المسلمون
لقد كان السلف الصالح يدرسون الطب، والفيزياء، والرياضيات في المساجد، ولا يخفى علينا ما قدمه علماء الإسلام من ابتكارات ونظريات علمية، لازال التطور البشري يتكئ عليها، ولم يعرف المسلمون هذا الفصام بين العلوم (دينية ودنيوية)، فقد كان فيهم من يدرس الطب والتفسير والسيرة، وكان فيهم من يدرس العلوم والتوحيد، وكان الجميع فقهاء في أمر دينهم، ولكن تقسيم العلوم إلى دينية ودنيوية أخرج أجيالا جاهلة بالدين والدنيا معا، فمن أسباب ضعف المسلمين أمام عدوهم: الجهل: الجهل بالله، وبدينه، وبرسوله، وبسنن الحياة، وبالعلوم النافعة، فصار العلم قليلا، والجهل غالبا. فحصل ما حصل من الضعف أمام العدو، والتأخر في كل المجالات، والإقبال على الشهوات المحرمة، وبما يصد عن سبيل الله وعن الهدى، وعدم الإعداد للعدو لا من جهة الصناعة، ولا من جهة السلاح الكافي، الذي يخيف العدو، ويعين على قتاله وجهاده، وأخذ الحق منه، وعدم إعداد الأبدان للجهاد، وعدم صرف الأموال فيما ينبغي، لإعداد العدة للعدو، والتحرز من شره، والدفاع عن الدين والوطن. وعدم إنقاذ المسلمين من سيطرة عدوهم، وتخليصهم مما أصابهم من أنواع البلاء ،واستنقاذ المستضعفين من أيدي أعدائهم، وحفظ كيان المسلمين وحوزتهم فلا تنتقص بلادهم، وحقوقهم.
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (التخلف العلمي)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن طريق النجاح، وطريق التقدم، والانتصار على الأعداء، وعدم الضعف أمامهم، وكذا طريق الفلاح والنجاح، للحصول على المقامات العالية، والمطالب الرفيعة، هو طريق واحد، وهو الإقبال على العلم النافع، والتفقه في الدين، وإيثار مراضي الله على مساخطه، والعناية بما أوجب الله، وترك ما حرم الله، والتوبة إلى الله من سالف الذنوب، فيجب أن تعد العدة من جميع الوجوه، حتى نستغني بما عندنا؛ فإن قتال أعدائنا بما في أيديهم بعيد المنال، فإذا منع عنك عدوك سلاحك، فبأي شيء تقاتله، مع قلة العلم؟، فإذا صدق المسلمون، وتكاتفوا، وأعدوا ما استطاعوا من العدة، ونصروا دين الله، فإن الله ينصرهم، ويعينهم على عدوهم، فالنصر من عنده جل وعلا، وجعل السلاح والمال وكثرة الجند كل ذلك من أسباب النصر، قال سبحانه: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]،
الدعاء