خطبة حول ذكر الله ،وحديث (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ)
فبراير 17, 2024خطبة عن (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)
فبراير 19, 2024الخطبة الأولى (نعمة الأبناء والأولاد)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف:46]. وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران:14].
إخوة الإسلام
إن الأبناء والأولاد نعمةٌ إلهيةٌ، وهبةٌ ربانية، فمن أهم ما يطمح إليه الإنسان في دنياه، ومن أعز أمنياته، وأجمل رغباته: أن يرزقه الله ذرية طيبة، وولدًا صالحًا؛ بل ومن دعوات الصالحين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]. فالأبناء والأولاد متعةٌ حقيقيةٌ، ورزقٌ حسن، تصلحُ بهم الأرض، ويُسرُّ بهم القلب، وتقر بهم العين. والأبناء والأولاد نعمة تملأ حياة الناس بهجة وسرورًا، وتمنحهم راحة واستقرارًا، ويعيشون سعادة وأمانًا. فهم مصابيح البيوت، وفلذات الأكباد، وبهجة الأعياد، ونبض المجتمعات، وهم أحباب الرحمن، وزهرة اليوم، وثمرة الغد، وأمل المستقبل، ويقاس بنضجهم وتقدمهم ونجاحهم تقدم الأمم ونجاحها.
والله تعالى يختص بهذه النعمة من يشاءُ من عباده، ويمنعها عمن يشاء من خلقه، فنعمة الأبناء والأولاد هبة من الرحمن، قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [الشورى:49،50]. فالله سبحانه وتعالى سمى الأولاد “هبة”، ولم يسمهم رزقًا؛ لأن الرزق قد تكفل الله به للجميع، أما الهبة، فيهبها لمن يشاء، ووقتما يشاء، وكيفما يشاء، واللائق بالمسلم أن يفرح بما وهبه الله، سواء أكانت الهبة ذكرًا أم أنثى، فبعض الناس إذا رزقه الله بنتًا تسخط بها، وضاق ذرعًا بمقدمها، ولا شك أن هذا الصنيع من أخلاق الجاهلية، الذين ذمهم الله عز وجل في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58-59]، فالبنات هن الأخوات، وهن الزوجات، وهن الأمهات، وفضل تربية البنات والإحسان إليهن ثابت في الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». كما لا ينبغي للمسلم أن يتسخط بمقدم الأبناء والأولاد، أو أن يضيق بهم ذرعًا، خوفا من أن يثقلوا كاهله بالنفقات؛ فالله عز وجل هو الذي تكفل برزقهم، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]،
ولما كان الأولاد بهذه المنزلة، فقد اهتم الإسلام بهم، وجودًا ورعاية، فشرع الله الزواج، ونهي عن التبتل، طلبًا للذرية الصالحة. فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل:72] وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْياً شَدِيدًا)، وفي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، كما رغب الإسلام في اختيار الزوجة الصالحة الولود، ففي سنن أبي داود: (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ «لاَ». ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ». وما أجمل أن يسأل الآباء والأمهات ربهم أن يرزقهم الله الذرية الصالحة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74) الفرقان، وقال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (38) آل عمران، وقال نبي الله إبراهيم عليه السلام : {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:100،101]
أيها المسلمون
ولا بد أن يعلم الآباء والأمهات أن الأبناء والأولاد (فتنة واختبار ومتحان)، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]، فهم فتنة يُفتن بهم المرء في دنياه، ليعلم الله من يطيعه فيهم، ومن يعصيه، ومن يشكر، ومن يكفر، ومن يرضى، ومن يتسخط، ومن يحسن تربيتهم ،ومن يضيعهم، وهكذا، فهم فتنة واختبار وامتحان، وهم نعمة أو نقمة: قال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن:14]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21]، فالولد إما أن يكون قرة عين يسرك، وإما أن يكون فتنة وعدوًا،
والسؤال: متى يكون الولد نعمة؟، وكيف يكون نقمة؟، فنقول: الأولاد نعمة: فهم زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46]، والأولاد سبب في نماء العمل، وزيادته إلي يوم القيامة: ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، وفي سنن ابن ماجه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ». والأولاد فتنة: فكثير من المسلمين عندما يتزوج يكون شغوفًا على الذرية، فإذا ما رزق بالبنت يتغير حاله، ولا يرضى بعطاء ربه، مع أن الله تعالى هو المتصرف في ملكه وهذه هبة من الله تعالى، فهذه فتنة، ومن فتنة الأولاد: فتنة التفاخر بهم: فالمال والولد لا ينفعان إن لم يعينا على طاعة الله، وعادة أهل الأهواء: التكاثر والتفاخر بالأبناء والأموال، وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة. وقد يكون الأولاد سببًا في التقصير في الأعمال الصالحة، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْعَيَانِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ «إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ». وفي رواية:” إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ مَحْزَنَةٌ”، وكما حدث لأناس في مسألة الهجرة: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَأَلَهُ، رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ: هَؤُلاَءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَوْا النَّاسَ قَدْ فَقُهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} الآيَةَ. ومن فتنة الأولاد: الجزع عند المصيبة بهم (بالموت)، فالابتلاء فيهم له وقع شديد على النفوس، وأثر لا تمحوه الأيام، إلا من تدرع بالصبر، واحتسب الجزاء عند رب العلمين، ففي النسائي: (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ «أَتُحِبُّهُ». فَقَالَ أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ. فَمَاتَ فَفَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ «مَا يَسُرُّكَ أَنْ لاَ تَأْتِىَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَسْعَى يَفْتَحُ لَكَ». وفيه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ»
أيها المسلمون
وإن خير ميراث يورثه الآباء للأبناء، هو الإعداد الصالح والتوجيه الصحيح، فشكر نعمة الولد تكون: بإحسان تربيتهم، والاهتمام بتأديبهم، وتعليمهم شؤون دينهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فالبيت له دور كبير بالغ الأهمية في إعداد الأبناء إعدادًا سليمًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وفي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وإياكم والدعاء على أولادكم، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نعمة الأبناء والأولاد)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن شكر الله تعالى على نعمة الأبناء والأولاد: تربيتهم على الإيمان والعقيدة الصحيحة: وأن يتعرف الأبناء على ربهم عز وجل، وعلى نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى دينه الذي رضيه لهم، فهذه العقيدة وصى بها يعقوب عليه السلام بنيه عند الموت فقال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وقال لقمان عليه السلام لولده الوصية الجامعة: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ويجب تربية الأبناء على الالتزام بالشعائر التعبدية، امتثال لأمر الله تعالى، وامتثالًا لأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- ففي سنن ابي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». وأيضا: تعليم الأبناء القيم الحميدة، والخلال الكريمة، حتى يشبوا محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق. وأن نجنبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم، فيكره الوالد لهم الكذب، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وغيرها من سفاسف الأخلاق؛ وكذا: تعليم الأبناء الآداب الإسلامية، وتدريبهم عليها: كتشميت العاطس، وآداب الطعام والشراب، وآداب السلام ورده وغير ذلك، فإذا تدرب الولد على هذه الآداب والأخلاق منذ الصغر ألفها، وأصبحت سجية له. ففي الصحيحين: (أن عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)، كما يحرص الوالدان على تعليم الأبناء كتاب الله، والعمل بمحكمه، فالاشتغال بحفظه، والعمل به اشتغال بأعلى المطالب ،وأشرف المواهب، وفيه حفظًا لأوقاتهم، وحماية لهم من الضياع والانحراف، فإذا حفظوا القرآن أثر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم، وفجر ينابيع الحكمة في قلوبهم. وعاد النفع على والديهما في الآخرة، ففي مسند أحمد: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». قَالَ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلاَّنِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولاَنِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلاً»، كما ينبغي للوالدين أن يكونا قدوة للأولاد في الصدق، والاستقامة، وغير ذلك، ومن الأمور المستحسنة في ذلك أن يقوم الوالدان بالصلاة أمام الأولاد؛ حتى يتعلم الأولاد الصلاة عمليًا من الوالدين، فإذا أردت أن يصلح الله أبناءك فعليك فصلاح نفسك أولًا: قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]، فهذا يدل على أن الله يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده. ويستحب تجنيب الأبناء الزينة الفارهة والميوعة القاتلة: كالإفراط في التجمل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وأن ينهاهم عن التعري والتكشف، والتشبه بأهل الأهواء؛ لأن هذه الأعمال تتسبب في قتل مروءتهم، وإفساد طباعهم، ومَنْ أَحْسَنَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ، فقد أَحْسَنَ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ سَوْفَ يَرَى هَؤُلَاءِ الأَوْلَادَ عَوْنَاً لَهُ في زَمَنِ شَيْخُوخَتِهِ، والضَّعْفِ، وسَوْفَ يَرَى الأَوْلَادَ نِعْمَةً عِنْدَمَا يَرَاهُمْ مُمْتَثِلِينَ قَوْلَ اللهِ تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء (23)، (24)، وسَوْفَ يَبرَّه أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَعْدَ أَنْ رَأَى بِرَّهُمْ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا، ففي الحديث: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه الإمام مسلم، وَالفَرْحَةُ الكُبْرَى عِنْدَمَا يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ في الجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (23)، (24) الرعد.
الدعاء