خطبة عن (نعمة الأبناء والأولاد)
فبراير 18, 2024خطبة عن (اتَّقُوا الشُّبُهَاتِ)
فبراير 22, 2024الخطبة الأولى (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (65) مريم.
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى، نتدبرها، ونغوص في معانيها ومراميها، ونرتشف من رحيقها المختوم، وبداية: فمما جاء في تفسيرها، فقد جاء في (التفسير الميسر): (هو الله رب السموات والأرض وما بينهما، ومالك ذلك كله وخالقه ومدبره، فاعبده وحده – أيها النبي – واصبر على طاعته، أنت ومَن تبعك، فليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله). وفي (ظلال القرآن) لسيد قطب، قال: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ): فالعبادة في الإسلام ليست مجرد الشعائر. إنما هي كل نشاط : كل حركة. كل خالجة. كل نية. كل اتجاه. وإنها لمشقة أن يتجه الإنسان في هذا كله إلى الله وحده دون سواه. مشقة تحتاج إلى الاصطبار. ليتوجه القلب في كل نشاط من نشاطات الأرض إلى السماء. خالصا من أوشاب الأرض وأوهاق الضرورات، وشهوات النفس، ومواضعات الحياة. إنه منهج حياة كامل، يعيش الإنسان وفقه، وهو يستشعر في كل صغيرة وكبيرة طوال الحياة، أنه يتعبد الله؛ فيرتفع في نشاطه كله إلى أفق العبادة الطاهر الوضيء. وإنه لمنهج يحتاج إلى الصبر والجهد والمعاناة. فاعبده واصطبر لعبادته، فهو الواحد الذي يعبد في هذا الوجود والذي تتجه إليه الفطر والقلوب).
ويقول أهل اللغة: لِمَ عبّر ربنا تبارك وتعالى عن الصبر على العبادة بالاصطبار، فقال تعالى: (وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) ولم يقل: “واصبر على عبادته”؟، فقالوا: الاصطبار هو شدة الصبر على الأمر الشاقّ. وآثر البيان الإلهي وصف الصبر على العبادة بالاصطبار دون الصبر، لأن العبادة مراتب كثيرة، وكلها تحتاج إلى مجاهدة النفس، وهذا يتطلب صبراً مبالغاً فيه، حتى لا تضعف النفس، وتتقاعس عن أداء ما أُمرت به. ولأن بعض العبادات قد تثقل على النفس، فتغلبها الشهوة وتتراخى عن أدائها، فناسب ذلك بالحضّ على الاصطبار).
والصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، هُوَ أَنْ يَحْبِسَ الْإِنْسانُ نَفْسَه عَلَى الْعِبَادَةِ، وَيُؤَدِّيَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى، وَأَلاَّ يَتَضَجَّرَ مِنْهَا، أَوْ يَتَهَاوَنَ بِهَا، أَوْ يَدَعَهَا. فَإِنْ تَضَجَّرَ فذَاكَ عُنْوَانُ هَلاكِهِ وَشَقَائِهِ، وَمَتَى عَلِمَ الْعَبْدُ مَا فِي الْقِيَامِ بِطَاعَةِ اللَّهِ مِنَ الثَّوابِ، هَانَ عَلَيهِ أَدَاؤُهَا وَفِعْلُهَا؛ وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ صِلَتَنَا بِاللهِ لَيْسَتْ صِلَةَ أيَّامٍ وَمَوَاسِمَ فَقَط؛ إِذْ غَايَتُنَا أَنْ نَلْقَى اللهَ تَعَالَى عَلَى كَلِمَةِ “لَا إلَهَ إلّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ” وبأَعمَالٍ تُبيِّضُ وُجوهَنَا يومَ نَلقَاهُ؛
وفي قوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾: تربية النفس على العبادة، والمجاهدة على ذلك فيه منجاة العبد وقت الفتن، فاصطبر، وصبّر نفسك الضعيفة لمداومة العبادة، فما أجلّه من إله، وما أعظم أفضاله علينا، فهذا هو الجهاد الذي يستحق أن نصبر عليه أنفسنا، ونبذل ونجاهد لأجله، ونصبر النفوس على انفاذ أمره ونهيه، والعمل بطاعته، فإنه الإله الذي لا مثل له، ولا عدل، ولا شبيه، في جوده وكرمه وفضله، فصبر نفسك على طاعته، وجاهدها، وقم عليها أتم القيام، وأكملها بحسب قدرتك،
وفي الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات، كما قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} طه (131)، (132)، فطريقك الى الله شاق وطويل، ويحتاج منك الصبر الكثير، والذي يسهله عليك المسير، أن يكون قلبك متعلقا بالله، فمن ظن أنّ العبادة لا تحتاج للالتزام الدائم فهو واهم، بل لابد من معاناة واصطبار، فالطاعة لن تأتي بدون جهاد ومشقة، فلابد أن تكابد، وتُري الله فيك خيرًا، وإن فترت فزِد وأكثِر،
أيها المسلمون
وللصبر على طاعة الله -عزّ وجلّ- أنواعٌ عديدةٌ، منها: الصبر على مكافحة الجهل، والصبر على شدّة المعلّم، ومن أنواع الصبر على الطاعة: الصبر على المحافظة على الطاعة، وعدم التباهي بها، أو القيام بإفشائها والاغترار بها، والقيام بتصحيح النيّة، وتخليص النفس من الرياء. ومن أنواع الصبر على الطاعة: الصبر على الاستمرار في الطاعة، وعدم الانقطاع أو الملل من فعلها، حتى وإن كان في ذلك مشقّةً على النفس. ومن أنواع الصبر على الطاعة :الصبر على كثرة المُعرضين عن الحقّ، وقلّة من يسلك طريقه، والصبر على وحشة التفرّد. ومن أنواع الصبر على الطاعة: الصبر على طريق الحق، والثبات عليه والالتزام به)، ويقول ابن القيم (في عدة الصابرين): (إن الصبر على الطاعة، أفضل من الصبر على المصيبة، فالصبر المتعلق بالتكليف، وهو الأمر والنهى، أفضل من الصبر على مجرد القدر؛ فإن هذا الصبر يأتي به البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فلا بد لكل أحد من الصبر على القدر اختيارا أو اضطرارا. وأما الصبر على الأوامر والنواهي، فصبر أتباع الرسل، وأعظمهم اتباعا أصبرهم في ذلك، وكل صبر في محله وموضعه أفضل، فالصبر عن الحرام في محله، أفضل، وعلى الطاعة في محلها أفضل). والنفس بطبعها تنفر عن العبودية، وتشتهي الربوبية، وذلك لثقل أداء العبادات، ولا سيما عند تسلط الشيطان، وغلبة الهوى، وحب الركون إلى الراحة والخمول والكسل، فمن العبادات ما يثقل على النفس أداؤها بسبب الكسل كالصلاة، ومنها ما يثقل على النفس أداؤها بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يثقل على النفس أداؤها بسببهما معا، كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد، وحاجة المسلم إلى هذا النوع من الصبر لا شك حاجة ماسة.
فصبر المسلم على مشقّة فعل الطاعات، أعلى وأفضل من صبره على ترك المحرمات؛ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ صَبْرًا عَلَى الطَّاعَةِ ازْدَادَ حُبًّا لَهَا وَشَوْقًا.. فمَا الذي جَعلَ الرسول صلى الله عليه وسلم يَصبِرُ علَى أَذَى قَومِهِ، ويَخرُجُ مِن دَارِهِ وأهلِهِ، ويَترُكُ أَرضَهُ وسَمَاهُ، ويَخوضُ الحرُوبَ العِظامَ، فتُكْسَرُ رَبَاعِيَتُهُ، ويَنزِفُ الدَّمَ مِن جَسَدِهِ الشَّريفِ، فما الذي حَمَلَهُ علَى هذَا الصَّبرِ إلا اللهُ، وطَاعَتُهُ ومَحبَّتُهُ، والسَّعيُ في رِضَاهُ، وَمَا اشْتَدَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم هَمٌّ وَلَا غَمٌّ وَلَا كَرْبٌ إلّا أَرَاحَ نَفْسَهُ بِالْعِبَادَةِ للهِ تَعَالَى، فَكَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ يَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ لِبِلالٍ: “أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ”، ويَقُومُ بالليلِ حتَّى تَرِمَ قَدمَاهُ، ويَصُومُ حتَّى يَقولُ مَن رَآهُ: (لا يُفطِرُ)، ويَصُومُ شَعبانَ كُلَّهُ إلاَّ قَليلاً.. ما حَمَلَهُ علَى هذَا الصَّبرِ إلا اللهُ، وطَاعَتُهُ ومَحبَّتُهُ، والسَّعيُ في رِضَاهُ، ومَا الذِي حَمَلَ أبَا بَكرٍ الصِّديقَ رضي اللهُ عنه علَى تَحمُّلِ الشَّدائدِ والأَهوالِ، وخَوْضِهِ الْمِحَنَ والنِّزَالَ؟ مَا الذي حملَهُ علَى تَرْكِ أَهلِهِ وولَدِهِ والخُروجِ مِن بَلدِهِ مَعَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والتَّصَدُّقِ بِمالِهِ كلِّهِ ووَقْتِهِ؟ ما حَمَلَهُ علَى هذَا الصَّبرِ إلا اللهُ، وطَاعَتُهُ ومَحبَّتُهُ، والسَّعيُ في رِضَاهُ، ومَا الذِي جَعَلَ عُمرَ وعُثمَانَ وعَليًّا وطَلحةَ والزُّبيرَ وغَيرَهُمْ مِنَ الصَّحابةِ رضي اللهُ عنهم يَبذُلُونَ أَروَاحَهُمْ رَخِيصةً في سَبيلِ اللهِ؟ مَا الذي حَمَلهُمْ علَى أَنْ جَادُوا بأَروَاحِهِمْ وأَموَالِهِمْ وأَهلِيهِمْ؟ مَا حَمَلَهُم علَى هذَا الصَّبرِ إلا اللهُ، وطَاعَتُهُ ومَحبَّتُهُ، والسَّعيُ في رِضَاهُ، ومَا الذي حَمَلَ حُذيفةَ رضي اللهُ عنه لَمَّا نَزلَ بهِ الموتُ أَن يَقُولَ: “هذِه آخِرُ سَاعةٍ مِنَ الدنيَا، اللهمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ فبَاركْ لِي في لِقائِكِ”.. ومَا الذي حَمَلَ طَلحةَ يَومَ أُحدٍ أنْ يَقولَ: “اللهمَّ خُذْ مِن دَمِي هذا اليومَ حَتَّى تَرْضَى”، ومَا الذي حَمَلَ ابنَ رَوَاحَةَ أن يسألَ َ رَبَّهُ أَن يُطْعَنَ في سَبيلِهِ طَعنَةً تَصِلُ الْكَبِدَ. فحينَ يَختَلِطُ بقَلبِ الْعبدِ وجَسدِهِ ابتغاءَ رِضَا اللهِ ومَحبَّتِهِ حِينَهَا تَهُونُ عَليهِ كُلُّ الشَّدائدِ والمصَاعِبِ والمتَاعِبِ، حِينَهَا تَنقَلِبُ العِبَادةُ لِلَذَّةٍ، والطَّاعَةُ لِجَنَّةٍ، وسُئِلَ عُمرُ رضي اللهُ عنه: مَا أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى نَفْسِكَ؟ قال: “ضَرْبٌ بِالسَّيْفِ، وَصِيَامٌ بِالصَّيْفِ”،
فالصبر على طاعة الله تعالى من أعظم أبواب الصبر، وهو عمل يستلزم صِدْق العبد مع الله تعالى، والصدق مع نفسه أيضًا، ومجاهدتها على فعل الطاعة؛ لأن النفس تركنُ إلى الراحة، فالصلاة تحتاج إلى الصبر؛ كما قال تعالى: ”وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا” (طه: 132)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، مما يحتاج إلى صبر؛ كما قال تعالى حاكيًا عن لقمان: ”يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” لقمان: 17، ومرافقة أهل الصلاح تحتاج إلى صبر؛ كما قال تعالى: ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ” الكهف:28؛
وهكذا كل العبادات والطاعات، تحتاج إلى صبر للمداومة عليها؛ لا سيَّما الأعمال التي تحتاج إلى وقت طويل، وتلك التي تتطلب البذل والعطاء والتضحية فلا ينال العبد ثمراتها بعد الاستعانة بالله تعالى إلا بالصبر والمثابرة، فهذا الذي يصبر عن الحرام لا يُسمَّى عفيفًا إلا بعد الصبر والمثابرة على ذلك، والذي يصبر عند لقاء العدوِّ يُسمَّى شجاعًا، والذي يصبر على إخراج المال وزكاته يُسمَّى كريمًا، والذي يصبر على حاله لا يفرح بالمال إذا أتى، ولا يجزع إذا ذهب، فإنه يُسمَّى زاهدًا، والذي يصبر على كتمان السِّرِّ يُسمَّى كاتمًا وحافظًا للسِّرِّ؛ بل إن العبادات والطاعات تحتاج إلى صبرٍ مِن قبل الشروع فيها وأثناء وبعد الانتهاء منها؛ قبل الشروع فيها؛ وذلك بتصحيح النية والقصد والإخلاص لله تعالى، وأثناء الشروع فيها؛ وذلك بإتقانها وعدم التعلُّق بأنظار الآخرين لحفظ العمل من الرياء، وأمَّا بعد الفراغ من العمل؛ وذلك بأن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل العمل؛ كما قال تعالى: ”لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى” البقرة:264، وأن يصبر عن رؤية العمل والعجب به، وأن يصبر عن نقله من السِّرِّ إلى العلانية.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وجزاء الصابرين أعظم جزاء، فثواب الصبر مطلق غير محدود، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (155): (157) البقرة، وقال تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10) الزمر، ومن جزاء الصابرين: أن الصابرين هم أهل الفوز والنجاة : قال تعالي عن المؤمنين الفائزين بالنعيم المقيم في الآخرة: “إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ) (111) المؤمنون. وكذلك بشرنا الله عز وجل بما يقال لأهل الجنة يوم القيامة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (24) الرعد. والصابرون دائما في معية الله وفي محبته : قال تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (249) البقرة، ويعوض الله تعالى الصابرين خيرا: ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ»، والصبر سبب تكفير السيئات وزيادة الحسنات: قال بعض السلف: لولا المصائب لوردنا الآخرة مفاليس، (وعَنْ أَبي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب، وَلاَ وَصَب، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حَزن، وَلاَ أَذىً، وَلاَ غَمّ ،حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) أخرجه أحمد، والصبر سبب لهداية القلوب: فهو سبب لهداية القلوب، وزوال قسوتها، وحدوث رقتها، وانكسارها، فكم من غافل رجع إلى ربه عندما أصيب بمرض؟، كم من لاه أقبل على مولاه عندما أصيب بفقد عزيز، ويقول سبحانه: “وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ” [التغابن: 11]، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى، فمن أصابته مصيبة فعلم أنها من قدر الله فصبر، واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا، وجعل في قلبه يقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه خيرًا.
الدعاء