خطبة عن (الخوف والرجاء)
أبريل 16, 2024خطبة عن (الروح والجسد) مختصرة
أبريل 16, 2024الخطبة الأولى (الدِّينُ الْقَيِّمُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (40) يوسف، وقال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30) الروم، وقال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (43) الروم.
إخوة الاسلام
لقد فطر الله تعالى الناس على التدين، وركز في وجدانهم الإيمان، وبأن هناك خالقًا لهذا الكون ومدبرًا له، والدين الذي يتعبد به الانسان لله تعالى، لا يكون إلا وحيًا من الله إلى أنبيائه ورسله، الذين يختارهم من عباده، ويرسلهم أئمة يهدون بأمره، قال الله تعالى لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (النساء:١٦٣)، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى:١٣)،
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الدين القيم الذي فطر الله تعالى الناس عليه هو دين الإسلام، ففي الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى من بني آدم هو: (أن يعبدوه ولا يشركوا به أحدًا)، ففي صحيح البخاري: (عن أَنَس بْن مَالِكٍ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيَقُولُ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِي»، فالدين الإسلامي هو الدِين القيِّم، وهو الصراط المستقيم، وهو دين الاعتدالَ والتوازن، والمساواةَ العادلة، فلا يميل إلى اليمين أو اليسار، وهذا ما يتناسب مع طبيعةِ الإنسان وفِطرته، والدين الاسلامي هو الدين الحنيف، الذي لا عوج فيه عن الاستقامة، لا إلى اليهودية ولا إلى النصرانية، ولا غير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة، فهو الدين القويم المستقيم، القائم على مصالح الدنيا والآخرة،
والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية، وربط به هدايتهم، وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) {آل عمران:19}، وقال تعالى: (وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ) {آل عمران:20}، وقال الله تعالى :(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) {آل عمران:85}، والإسلام، وهو: (الاستسلام لأمر الله تعالى وعبادته وحده)، هو دين الأنبياء جميعاً، فقد اتفقت كلمتهم على الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولكن اختلفت الشرائع، لما يعلمه الله سبحانه من مصالح العباد،
والإسلام هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان، وهو ناسخ لما قبله من الشرائع، فلا يقبل من أحد دين غيره بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء بتصديق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه لو جاءهم، وأوجب على العالمين اتباعه، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».
أيها المسلمون
ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق، وهو الدين القيم: أن شرائعه واقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، ولكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس، ولكنه يحرم الربا، والاسلام يبيح جمع المال من حله، ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، والسلام يبيح الطعام، ويستثني الميتة، ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم. ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق، والدين القيم: موازنته بين متطلبات الروح، وحاجات البدن، وكذا: عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل، إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل، إلا والإسلام ينهانا عنه، ومن الأدلة أيضا: إعجاز القرآن– فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) {النساء:82}، ومن وجوه إعجاز القرآن أيضا: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) {فصلت:53}، وكذلك، إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب، ومنها ما أخبر بوقوعه في المستقبل، كقوله تعالى: (ألم* غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) {الروم 1: 3}، وقوله تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ) {الفتح:27}، ومن وجوه إعجاز القرآن كذلك فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره، فليس فيه ما ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق، والدين القيم: أن الإسلام دين محكم وثابت ومستقيم على الهدى والعقل والمنطق والبرهان الصحيح والحق والعدل والخير والجمال والفضيلة، ومعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط ولا اضطراب ولا اعوجاج، ويلبي جميع احتياجات الإنسان الجسمية والروحية، المادية والمعنوية، والدنيوية والأخروية، بشمول وتوازن وهو القادر على إدارة المجتمع، وهو المقوم الوحيد لأمور الناس في معاشهم ومعادهم، والحافظ لمصالح الأفراد والجماعات والشعوب والأمم كافة ولمنافعهم الحقيقة في الحياة جميعها، ويسوقهم إلى كمالهم المعرفي والتربوي والحضاري المقدر لهم واللائق بهم، ولمنازل السعادة الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة،
أيها المسلمون
والإسلام – لمن تأمّله – هو الدِّين الوحيد الذي يتَّفق مع كلِّ ما ينبغي أن يكون عليه الدينُ الصَّحيح؛ من وجود تصوُّرٍ صحيحٍ للإله المعظَّم الذي له الكمال المطلق، فالإسلام هو دين التَّوحيد الصافي، التَّوحيد هو المتَّسق مع العقل، فهذا الكونُ الفسيحُ وقوانينُه المنضبطة يدلُّ على خالقٍ واحد، وهو وحده يستحقُّ العبادة، فتعدُّد الآلهة ممَّا يقدح في الدين عقلًا، ومع كثرة الأديان الموجودة إلا أنَّ الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي نادى إلى التوحيد وبقيَ على صفائه ونقائه، ووَضَع السِّياجات المنيعة للحفاظ عليه.
وقد أمر الإسلام بالتَّوحيد، وضرب له الأمثلة في القرآن الكريم، وذمَّ الشِّرك والمشركين، ونبذَ التعلُّق بغير الله، فأيُّ دينٍ يقدم عقيدةً كهذه، تجعلُك تتعلق بالله وحده؟ ، ويتجلَّى جمال الإسلام وعظمتُه في أنْ جعل المسلم عزيزًا بدينه، وعزيزًا بعقيدته، لا يخضع لأحد إلا لله سبحانه وتعالى.
ولو نظرنا إلى الأديان الأخرى نجد أنَّها لا تحقق التوحيد الخالص، بل إنَّ أكثرَ الأديان تدعو إلى عبادة غير الله والشرك به، وتُعلِّق الإنسان بغير الله كالرُّهبان والقدِّيسين، فتترك بأيديهم مفاتيحَ الجنة والنار وصكوك الغفران، وفي كل ذلك إخضاعُ النَّاس للناس، بينما الإسلام يُخضِعُ النَّاس لربِّ الناس.
ومن كمال الإسلام وعظمته أنَّه هو الدين الذي يحتِّم على معتنقيه الإيمان بالأنبياء كلِّهم، فلا يكتمل إيمانُ الإنسان إلّا إذا آمن بجميعِ الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى محمَّد ﷺ، ولا يجوز للمسلم أن يفرِّق بين نبيٍّ وآخر فيؤمن ببعضهم دون بعض، كما أنَّ الإسلام يدعو إلى عدم تنقُّص أحدٍ من الأنبياء، ويوجب احترامَهم جميعًا، ونسبةَ الكمال إليهم، فالإسلام في هذا الجانب يختلف عن اليهوديَّة والنصرانيَّة في إيمانهم بمن آمنوا بنبوّته مع تنقّصه، فإن َّكتب الديانتين مليئة بتنقُّص الأنبياء، ونسبةِ العُيوب إليهم، واتِّهامهم بأمورٍ لا يمكن أن يرتكبها إنسان سويٌّ فضلًا عن أن يرتكبها نبيٌّ،
والتَّشريعات التي قدَّمها الإسلام هي في أعلى مراتب الحُسن والجمال، فأينما وجَّهت بصرك في تشريعات الإسلام رأيت الكمال والمصلحة المحقَّقة، فقد أمرت الشَّريعة بكل حَسَن، ودعت إلى كلِّ فضيلة، ونهت عن كل رذيلة، وحثَّت الأمة على محاسن الأخلاق، وجميل الآداب.
وقد حرصت الشريعة على التَّنوع والشمولية، فشرعت عباداتٍ وأحكامًا تخصُّ الإنسان وحده كالصَّلاة والذكر، وعباداتٍ تخُصُّ علاقتَه بغيره كالزّكاةِ والإحسانِ والبرِّ، ومنها ما يُنمِّي الإخلاصَ وعدمَ الرّياءِ كالصَّوم وأعمالِ القلوب من خوفٍ ورجاء وحبٍّ وخَشية، ومنها ما ينمِّي التَّرابطَ بين جماعةِ المسلمين كالحجّ، ومنها ما تكون فائدتُه للفَرد خاصَّة، ومنها ما تكون فائدتُه للمجتمَع.
وإذا نظرنا إلى جانب النَّواهي نجد أنَّها حافظة للفرد والمجتمع من مهاوي الانحلال، وكل تلك المحرمات لم تكن لذاتها فحسب؛ بل هي راعيةٌ ومحافظة على مقاصد الإسلام؛ فمنها نواهٍ لحِفظِ الدِّين؛ كتحريمِ الاستهزاء بالدّين ومُجالسةِ من يشكِّك فيه، أو لحفظِ النَّفس؛ كتحريم القتل والاعتداء، أو لحفظ العَقل؛ كتحريم الخمر والمسكرات، أو لحفظِ المال؛ كتحريم السَّرقَةِ والربا، أو لحفظِ العِرْض والنّسل؛ كتحريم الزنا والفواحش.
أيها المسلمون
والإسلام هو الدين الذي يزكِّي العقل ويوجِّهه لا العكس؛ فالعقل محتاجٌ إلى الوحي دائمًا ليسير بالشَّكل الذي أراده الله منه، كما بيّن ذلك ابن القيم رحمه الله بقوله: «المؤمنُ قلبه مضيءٌ يكادُ يعرف الحقّ بفطرته وعقله، ولكن لا مادَّةَ له من نفسه، فجاءت مادَّةُ الوحي فباشرت قلبَه وخالطت بشاشته، فازداد نورًا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه، فاجتمع له نورُ الوحي إلى نور الفطرة»، فالعقلُ يهتدي بنور الشَّرع، والشَّرع لا يناقض العقل، وأمَّا سائر الأديان فغارقةٌ في التَّناقضات العقليَّة، وكُتُبُ هذه الأديان مليئةٌ بالمغالطات والأخطاء العقليَّة والعلميَّة، فالنصرانية -مثلًا- تؤمن بأنّ المسيح هو ابنُ الله وهو الله، وتؤمِن بالثّالوث الذي هو واحدٌ وثلاثة في آن واحد، وقد اعترف بعدم عقلانية التثليث جماعةٌ من قساوسة النصارى أنفسهم، فلا يوجد دينٌ متكامل مع العقل إلا الإسلام.
والإسلام هو الدين الذي حفْظ الله تعالى نصوصه: فلا يوجد اليومَ دينٌ محفوظٌة جميعُ نصوصه الأصليَّة سِوى الإسلام؛ ذلك لأنَّ الله تعهَّد بحفظه فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الدِّينُ الْقَيِّمُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إنَّ الدين الصَّحيح هو دين الإسلام، ولا يمكن أن يقال: كلُّ الأديان حقّ، أو كلُّها موصلةٌ إلى الله؛ بل هذا القول قولٌ متناقض، إذ لا يمكن الجمع بين عقيدة التَّوحيد التي تجعل الإله المعبود واحدًا وبين عقيدة التَّثليث أو الوثنيَّة، ولا يمكن الجمع بين تصديق نبوَّة محمَّد ﷺ وبين تكذيبه، ولا يمكن الجمع بين الإيمان بوجود الله وبعدم وجوده، فهذه أفكارٌ متناقضةٌ لا يمكن أن تكون كلها على حق، والقول بأنَّ كل الأديان صحيحة فيه جنايةٌ على العقل البشري، فالعقل السليم لا يمكن أن يرضى بالمتناقضات. فالدينُ الوحيد الذي يصحُّ هو دين الإسلام، وتصحيحُ أيِّ دينٍ آخر هو إبطالٌ للقول بصحَّة الإسلام، ولا ينبغي للمسلم الالتفاتُ إلى من يريد التَّشغيب على الإسلام، أو التنقُّصَ منه، أو بثَّ الشُّبهات حوله، بل عليه أن يتيقن أنَّه على الدين الحق، وأنَّ في الالتزام به النَّجاة، وأنَّ كلَّ الأدلة الصحيحة تدلُّ على صحته. وهذا الإسلام بكمالِ معبوده، وجمال تشريعاته، واتِّساقه مع العقل والفطرة؛ لن نلمس أثَرَه حتى نلتزم به أقوالا وأعمالًا، ونعيشه خلقًا وسلوكًا، فمن آمنَ الإنسانُ بأنَّ هذا الدِّين من عند الله وأنَّه الدين الحق، ينبغي له أن يحقِّق الاستسلام التَّام بهذا الدين وتشريعاته، فلا يأخذ ببعض أحكامه دون بعض، بل يأخذُ بكلِّ ما جاء به الإسلام، عقيدةً، وشريعةً، وخلقًا، وتعاملًا مع الآخرين، فالصلاح والفلاح كله في هذا الدين. وحقا ما قال ربنا: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30) الروم
الدعاء