خطبة عن (الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ)
مايو 1, 2024خطبة عن (الْعَفْوُ وَالْعَافِيَةُ)
مايو 2, 2024الخطبة الأولى (اللَّهُ مَعَنَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40) التوبة، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (7) المجادلة، وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (4) الحديد،
إخوة الإسلام
في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا): طمأنينة للقلب، وتسلية للمحزون، وتقوية للضعيف، وفتح باب الأمل للمظلوم، وباب فرج للمهموم والكروب، (إِنَّ الله مَعَنَا): هي قاعدة نرى أثرها واضحًا جليًّا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان مع الله في السراء، فكان الله معه في الضراء، وكان مع الله في السر، فكان الله معه في العلانية، ففي غزوة بدر الكبرى، حيث فاق المشركون المسلمين بضعفي عددهم، ورغم القلة انتصر الصحابة، يقول الله تعالى في هذه المعية: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال:12].
ومعية الله تعالى للإنسان على قسمين: الأول: المعية الشاملة العامة، وهي التي تكون مع كل مخلوق، وفي كل زمان ومكان، وتكون مع الإنسان مسلما أو كافرا، فالله تعالى يرانا ويعلم بوجودنا، ويرى أفكارنا، ويعلم ما توسوس به نفوسنا، وما تخفي صدورنا، يقول الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الحديد: (4)، و يقول سبحانه: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة:7].
أما المعية الأخرى: فهي المعية الخاصة، وهي معية الارشاد والتوفيق، معية الاعانة والحفظ ،معية الجزاء والثواب، معية الفضل والإكرام، معية الرحمة والرأفة والإنعام، وهذه إنما تكون للمؤمنين، تكون مع من كان مع الله في سره وعلانيته، ويراقب الله تعالى في سريرته وفي سيرته، فتكون سريرته مليئة بمقامات اليقين: من الإيمان والمحبة والصدق، والإخلاص والخوف، والرجاء والشكر، والصبر والتوبة، والزهد والتوكل والرضا. ومن كان الله معه فلا ينبغي أن ينال منه هم، ولا وهن، يقول الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، ويقول سبحانه: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ) [محمد: 35]. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ» وعلمنا أن نقول ذلك إذا أصبحنا وإذا أمسينا، فيذهب الله ما بنا من الهم والحزن.
أيها المسلمون
و(إِنَّ الله مَعَنَا): قالها صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصديق، وقد أحاط بهم الكفار، فقالها قوية في حزم، صادقة في عزم، صارمة في جزم، فقال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40) التوبة، فما دام الله معنا فلم الحزن؟، ولم الخوف، ولم القلق؟، فاسكن، واثبت، واهدأ، واطمئن؛ لأن الله معنا، وما دام الله معنا: فلا نُغلب، ولا نُهزم، ولا نضل، ولا نضيع، ولا نيأس، ولا نقنط؛
(الله مَعَنَا): فالنصر حليفنا، والفرج رفيقنا، والفتح مصاحبنا، والفوز غايتنا، والفلاح نهايتنا؛ (الله مَعَنَا): فمن أقوى منا قلباً؟، ومن أهدى منا نهجاً؟، ومن أجل منا مبدأ؟، ومن أحسن منا سيرة؟، ومن أرفع منا قدراً؟، وما دام
(الله مَعَنَا): فما أضعف عدونا، وما أذل خصمنا، وما أحقر من حاربنا، وما أجبن من قاتلنا؛ وما دام (الله مَعَنَا): فلن نقصد بشراً، ولن نلتجئ إلى عبد، ولن ندعو إنساناً، ولن نخاف مخلوقاً؛ فنحن الأقوى عدة، ونحن الأمضى سلاحاً، والأثبت جناناً، والأقوم نهجاً؛ ونحن الأكثرون، والأكرمون، والأعلون، والمنصورون؛ قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، وقال تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (35) محمد،
(إِنَّ الله مَعَنَا): فاهجر همك، وأزح غمك، واطرد حزنك، وأزل يأسك؛ لأن الله معنا. وارفع رأسك، وهدئ من روعك، وأرح قلبك؛ لأن الله معنا. وأبشر بالفوز، وانتظر النصر، وترقب الفتح؛ لأن الله معنا. فغداً سوف تعلو رسالتنا، وتظهر دعوتنا، وتسمعُ كلمتنا؛ وغداً سوف نُسمع أهل الأرض روعة الأذان، وكلام الرحمن، ونغمة القرآن؛ ونخرج الإنسانية، ونحرر البشرية من العبودية والوثنية؛ لأن الله معنا.
و(إِنَّ الله مَعَنَا): نقولها لكل مَن سلك طريق الالتزام بهذا الدين، وشرح الله صدره للتسنن بسننه وأخلاقه، والقيام بواجباته، ثم وجد أنواعًا من العقبات والصدود، والإعراض والأذى، فليس هناك أجمل من هذه الكلمات تواسيك، وتشد من أزرك، وتذكرك بحقيقة الأمور، وتعينك على الثبات: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).
فكونوا مع الله في إيمانكم بالصدق، يكن الله معكم في أعمالكم بالرزق، وكونوا مع الله في أعمالكم بالطاعة، يكن الله معكم في الجزاء والثواب يوم الساعة، وكونوا مع الله في تجارتكم وأموالكم بالحلال، يكن الله معكم في أرباحكم في الحال والمآل، وكونوا مع الله في الضراء، يكن الله معكم في السراء، وكونوا مع الله في السر يكن الله معكم في العلانية، وكونوا مع الله في الدنيا، يكن الله معكم في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30]. وفي مسند أحمد: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «يَا غُلاَمُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ». فَقُلْتُ بَلَى. فَقَالَ «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اللَّهُ مَعَنَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا): يجب أن يعيشها أصحاب الدعوات، وأرباب الرسالات، لأنه لا سبيل لانتظار الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل لمقارعة الباطل، إلا بالاستعانة بالله، ولا سبيل لمواجهة الهموم، إلا بالتوكل علي الله، والله عز وجل يداول الأيام بين الناس، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران:140]. فالقوي لا يظل قويًّا أبد الدهر، والمريض لا يظل مريضا طول العمر، وإنما يجعل الله من بعد الضعف قوة، ومن بعد المرض صحة، ومن بعد العسر يسرا، ومن بعد الخوف أمنا، ويجعل من بعد كل ضيق فرجًا، ومن كل هم مخرجًا، فالمؤمن يجب أن يتوجه إلي ربه عز وجل، ويستعن به، و يؤمل فيما عنده، وليكن شعاره دائمًا: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ، وإلى كل مكروب ومحزون، ومهموم ومغموم من كيد الأعداء، ومكر الليل والنهار: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، فإن مكرهم إلى زوال، وكيدهم لا يفلح. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (36) الانفال
الدعاء