خطبة عن (الآيات)
يونيو 25, 2024خطبة عن (رقة القلب) مختصرة
يونيو 26, 2024الخطبة الأولى (البدع في الدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ». وَيَقُولُ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». وفي سنن الترمذي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ « اعْلَمْ». قَالَ مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «اعْلَمْ يَا بِلاَلُ». قَالَ مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أَنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ لاَ يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا». وفيه أيضا: (عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ».
إخوة الإسلام
لقد ابتُليَ المسلمون منذ أزمنة بعيدة بظهور البدع، وانتشار الضلالات، فكلما بعُدَ الزمان عن العهد النبوي، كثرت البدع، وانتشرت المخالفات، التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالبدعة في الشرع المطهر: هي كل عبادة أحدثها الناس، ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة، ولا في عمل الخلفاء الأربعة الراشدين، لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ »، فالزيادة أو النقصان في الدين، الحادثان بعد الصحابة، بغير إذن من الشرع، فذلك كله من البدع،
وليعلم المسلم أن البدعة خطرها عظيم، على صاحبها، وعلى الناس، وعلى الدين، وهي مردودة على صاحبها يوم القيامة، لأن البدعة ضلالة، وفي سنن الدارمي: (قَالَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ،..، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعاً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ – قَالَ – رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ .قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ. ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِي بَابِ ضَلاَلَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ)، وجاء رجلٌ إلى الإِمام مالك بن أنس -رحمه الله- فقال: (من أينَ أُحرمُ؟ فقال: من الميقاتِ الذي وَقَّتَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأَحْرَمَ منه، فقال الرجلُ: وإن أحرمتُ من أبعدَ منه، فقال مالك: لا أرى ذلك، فقال الرجل: ما تكَرهُ من ذلك؟ قال مالك: أكرهُ عليك الفتنةَ، قال الرجل: وأيُّ فتنة في ازدياد الخير؟ قال مالك: فإنَّ الله -تعالى- يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]. وأيُّ فتنةٍ أعظمُ من أنك خُصِّصْتَ بفضلٍ لم يختَصَّ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-).
فما زال أهل السنة والجماعة منذ عهد الصحابة ومن بعدهم يردون على المبتدعة، وينكرون عليهم، ويبينون زيف بدعهم وبطلانها، وردوا على أصحابها؛ فقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “اقتصاد في سُنَّة خير من اجتهاد في بدعة”، وقال الإمام سفيان الثوري: “البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها”، وقال: “من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، فقد خرج من عصمة الله تعالى”، وقال الإمام الشافعي: “لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خيرٌ له من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء”، وقال الإمام مالك بن أنس: “أهل الأهواء بئس القوم، لا يسلم عليهم واعتزالهم أحب إليَّ”، وقال الإمام سفيان بن عيينة: “ما على ظهر الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه، فهي لكل مفترٍ ومبتدع إلى يوم القيامة”،
أيها المسلمون
ويقول بعض العلماء: البدعة أحبُّ إلى الشيطان من المعصية؛ لأنَّ العاصيَ يعترفُ بخطئه ويتوبُ، أما المبتدعُ، فيرى أنه على صوابٍ فلا يتوبُ، ولأن المبتدعَ يُشَرِّعُ ديناً لم يأذَنْ به الله، ويحادُّ الله ورسوله، ولو حسنَ قصده، فإنَّ حُسْنَ القصد، وسلامة النية، لا يُبَرِّران المخالفةَ للكتاب والسنة، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف:36- 37]. فالشياطينُ تُزينُ لهؤلاء مخالفتَهم، حتى يُحْسِبُوا الضلالَ هُدىً، والباطلَ حقًّا. وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104]. قال الإِمام ابنُ كثير -رحمه الله-: (هذه الآية عامةٌ في كل مَنْ عَبَدَ الله على غير طريقة مرضيةٍ، يحسبُ أنه مصيبٌ فيها وأنَّ عملَه مقبول، وهو مخطئٌ، وعمله مردود، كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية:2-4]. فهؤلاء أتعبوا أنفُسَهم في العملِ والخشوع، وكانت عاقبتَهم النارُ الحامية؛ لأنَّ عملهم على غير أساس من الشرع الإِلهي).
ومن مفاسدِ البدع: أنها تُفرق جماعةَ المسلمين، وتجعَلُ المسلمين شِيَعاً وأحزاباً، كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153]. وعن ابنِ مسعود -رضي الله عنه- قال: خَطَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خطّاً، فقال: “هذا سبيلُ الله، ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: وهذه سُبُلٌ على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليه، ثم تلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. ومن مفاسدِ البدع: أنها تُكسلُ صاحبها عن فعل السنن، بل إنَّ المبتدعَ يُبغضُ السنن، ولهذا تجدُ المبتدعةَ من أكسلِ الناس في أداء الواجبات، وإحياءِ السنن، وإنَّما نشاطُهم في إحياءِ البدع وإقامتها. وتجدُ المبتدعةَ دائماً يبحثون عن الأحاديث الموضوعة، والأحاديث الضعيفة، والحكايات المخترعة التي تؤيِّدُ بدعتهم، ويتركون الآياتِ القرآنيةَ، والأحاديث الصحيحة التي تدُلُّ على بطلان ما هم عليه، أو يؤوِّلونها بغير معناها الصحيح، وإذا لم يجدوا ما يستندون إليه من الأحاديث الموضوعة احتجُّوا بعملِ فلان وفلان ،وربما ذُكر في الكتاب الفلاني. ومِنْ أعظمِ ما يوقعُ الناسَ في البدعِ: التشبُّهُ بالكفار؛ كما في حديث أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حُنين ونحن حُدثاءُ عهدٍ بكفر، وللمشركين سدرةٌ يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتَهم، يقال لها: ذات أَنواط، فمررنا بسدرةٍ، فقلنا: يا رسول الله، اجعَلْ لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الله أكبر، إنها السننُ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف:138]. لتركَبُنَّ سُنَنَ مَنْ قبلكم”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (البدع في الدين)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في سنن الدارمي: (عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ) فاسلكوا طريق الحقِّ الذي إليه هُديتم، وعليكم بالسُّنة التي بها فُضِّلتم، تمَسَّكوا بها ولا تَسْتوحشوا من قِلَّة السَّالكين، واهجروا الضَّلالات، ولا تغتَرُّوا بكثرة الهالكين، واحذروا البِدَع، فإنها تُشَوِّه الدِّين، وتطمس معالم السُّنن، وتُحدِث الفتنة، وتضلُّ الناس عن طريق الجنَّة، وتجعلهم يَسِيرون في طريقٍ مُنتَهاه الجحيم، وتفرِّق الناس، وتجعل أهلها يُصرُّون على الحِنث العظيم، يتفرَّقون شِيَعًا ويتآمرون أحزابًا، وذلك شأن المشْرِكين، كما جاء بيانُ ذلك في القرآن المبين، وتجعلهم يفرِّقون دينهم كلُّ حزب بما لديهم فرحون، وقد نهاكم ربُّكم عن ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:31-32].
فنحن اليوم في زمَنٍ نفَقَت فيه سوقُ البِدَع، وراجَتْ تجارتها، وكثر الذين يحترفونها، ويَدْعون إليها، ويزيِّنونها، ويفتنون الناس بما يُضِلُّونَهُم بها عن دينهم، فيصدُّونهم عن سبيل ربِّهم، ويأكلون أموالهم بالباطل، ويستعبدونهم، قال تعالى: ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16]، وصَدُّوا الناس عن الهُدى، كما أخبر عنهم النبي – صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، فأهْل البِدَع يَعبدون الله بغير ما شَرع، فيفترون على الله الكذب، ويجْلِبون على أنفسهم التَّعب، ويقطعون السَّبيل، ويشغلون الناس بالأضاليل، فما أظلَمَهم لربِّهم، وما أقَلَّ توقيرَهم لنبيِّهم، وما أعظم جنايتهم على الصَّحابة، وما أضَرَّهم على أنفسهم، وما أشأمهم على مجتمعهم، وما أجرأَهم على دين ربِّهم،
فاحذروا البدع: فالبدعة تميت السنة: لأنَّه ما ظهرت بدعة إلا وماتت سنة من السنن، فإن البدعة لا تظهر وتشيع، إلا بعد تخلي الناس عن السنة الصحيحة، وظهور البدع علامة دالَّة على ترك السنة، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: “ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع، وتموت السنن”.
واحذروا البدع فالبدعة تُدخِل صاحبها في اللعنة: ففي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ)، قال الإمام الشاطبي – رحمه الله -: “وهذا الحديث في سياق العموم، فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع، والبدع من أقبح الحدث”
الدعاء