خطبة عن (الدُّنْيَا)
يونيو 26, 2024خطبة عن (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)
يونيو 27, 2024الخطبة الأولى (أَهْلُ الشَّامِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». وفي سنن أبي داود ومسند أحمد بسند صحيح: (عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ». قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ «عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِى إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». ورَوَى أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «طُوبَى لِلشَّأْمِ». فَقُلْنَا لأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لأَنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا»
إخوة الإسلام
الشام بلد طيب مبارك، وأهله من خيرة المؤمنين، إنها بلد الخير والحق، والتدين والخلق الكريم، وبلاد الشام: هي المعروفة الآن بسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وقد وردتْ النصوص التي تقرر فضلها، وبركتها، فبجانب الأحاديث سالفة الذكر، فقد روى البخاري في صحيحه: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا وَفِى نَجْدِنَا. قَالَ «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا»، وفي مسند أحمد: (عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «بَيْنَا أَنَا فِي مَنْامِي أَتَتْنِي الْمَلاَئِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلاَ فَالإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ»
ودمشق (وهي إحدى مدن الشام) كانتْ عاصمة الإسلام بعد عهد الخلفاء الراشدين، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخلافة سوف تكون بالشام، وببيت المقدس، وكان ذلك في زَمن إمارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، وسوف تعوود الخلافة إليها في آخر الزمان، ففي مسند أحمد وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع: (قَالَ صلى الله عليه وسلم:« يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلاَفَةَ قَدْ نَزَلَتِ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلاَزِلُ وَالْبَلاَيَا وَالأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»
وفي الشام أبطال عظماء فتحوا الفتوح، وحققوا الانتصارات الباهرة؛ ومن أمثالهم: الأوزاعي، ونور الدين الشهيد محمود زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم، وكان فيها من العلماء العدد الكبير؛ ومن أمثالهم: ابن الصلاح، والنووي، والمِزِّي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن عساكر، وغيرهم،
وبلاد الشام كغيرها من البلاد الاسلامية مرت في الماضي، وتمر في الحاضر، بابتلاءات ومحن، فلا يَلزَمُ مِن فَضِيلَةِ بَلَدٍ، وَطِيبِ عَيشِ أَهلِهِ، أَنَّهُم لا يُبتَلَونَ، وَلا يُصَابُونَ، فقد اقَتضَت سُنَّةُ اللهِ أَن يُبتَلَى المُؤمِنُونَ، وَأَن يَكُونَ الابتِلاءُ عَلَى قَدرِ قُوَّةِ الدِّينِ، قَالَ الله تَعَالى: ﴿لَتُبلَوُنَّ في أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ﴾ آل عمران:186، وفي سنن الترمذي: (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وقَد ابتُلِيَ النَّبيُّ –صلى الله عليه وسلم- وَصَحبَهُ الكرام في مكة المكرمة، وهي من أفضل بقاع الأرض، وهم من أفضل الخلق، وَعَانَوا مَا عَانَوا مِنَ المُشرِكِينَ، وَأَصَابَهُم مِن أَذَاهُم مَا أَصَابَهُم، وَمَعَ هَذَا فَقَد عَاشُوا نَعِيمًا رُوحِيًّا عَظِيمًا، وَأَدرَكُوا رَاحَةَ قُلُوبٍ بَالِغَةً، ولم يَرجِعُوا عَن دِينِهِم، أَو يَتَخَلَّوا عَن إِسلامِهِم، أَو يَضعُفُوا أَو يُدَاهِنُوا، لأَنَّهُم ذَاقُوا لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَخَالَطَت بَشَاشَتُهُ قُلُوبَهُم، فَارتَفَعُوا عَنِ الدُّنيَا الدَّنِيَّةِ، وَوَصَلُوا بِقُلُوبِهِم إِلى عِيشَةِ الآخِرَةِ الرَّضِيَّةِ، فَصَارَ العَذَابُ عِندَهُم في سَبِيلِ اللهِ عَذبًا، وَغَدَت الشَّهَادَةُ أَلَذَّ لَدَيهِم مِنَ الشَّهدِ، وَأَرخَصُوا في ذَاتِ اللهِ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ،
وكذلك، فحِينَمَا يقتل أَهلُ الشَّامِ شُهَدَاءَ، وَتُقطَعُ في سَبِيلِ اللهِ رِقَابُهُم، وَيُنحَرُونَ، فعِندَ ذَلِكَ يَحِقُّ لهم أَن يَستَبشِرُوا، وَيَفتَخِرُوا، وَيَصبِرُوا، لا أَن يَيأَسُوا، وَيَجزَعُوا، فَفَرقٌ كَبِيرٌ بَينَ مَن يُمَحَّصُ لِيُخَلَّصَ، وَيُبتَلَى بِالشِّدَّةِ لِيُعَافى، وَيُسَلَّطُ عَلَيهِ مَن يَسُومُهُ عَذَابًا دُنيَوِيًّا، لا يَلبَثُ أَن يَنقَطِعَ بِخُرُوجِ رُوحِهِ، فَيَلقَى اللهَ شَهِيدًا، قَد غُفِرَ لَهُ مَعَ أَوَّلِ قَطرَةٍ مِن دَمِهِ، وَبَينَ مَن يُملَى الله لَهُ في دُنيَاهُ، وَيُبتَلَى بِالعَافِيَةِ وَالرَّخَاءِ، وَيُفسَحُ لَهُ، لِيَتَمَادَى في الغَيِّ وَلا يقصِرُ، ثم يُؤخَذُ عَلَى غِرَّةٍ، وَيُهلَكُ في حِينِ غَفلَةٍ، فَيَوافي بِذُنُوبِهِ عَلَى ظَهرِهِ، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ».
أيها المسلمون
وكما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل بلاد الشام وأهلها، فقد أخبر أيضا عن بعض ما يصيبهم من بلاء ومحن، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: (عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لاَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلاَ دِرْهَمٌ. قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَاكَ قَالَ مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ يُوشِكَ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لاَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلاَ مُدْىٌ. قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَاكَ قَالَ مِنْ قِبَلِ الرُّومِ). وفي رواية عند البُخاريِّ: «تُنتهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَشُدُّ اللهُ عزَّ وجلَّ قُلوبَ أهلِ الذِّمَّةِ، فيَمنَعون ما في أيْدِيهم»، قال النووي رحمه الله: (.. أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان, فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ). ورَوَى مُسْلِم: (عَنْ جَابِر قَالَ: يُوشِك أَلَّا يَجِيء إِلَيْهِمْ قَفِيز وَلَا دِرْهَم قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ قِبَل الْعَجَم, يَمْنَعُونَ ذَاكَ). وَذَكَرَ فِي مَنْع الرُّوم ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْله, وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا فِي الْعِرَاق, وَهُوَ الْآن مَوْجُود. فالكفار من الروم والعجم سوف يستولون على ملك المسلمين في هذه البلاد، بعدما كانت خاضعة لسلطانهم، فيمنعوا خيرها وخراجها عن المسلمين، وهو ما يسمى اليوم حصارا اقتصاديا.
أيها المسلمون
وقد حبا الله سبحانه وتعالى بلاد الشام بخصائص ومميزات، ومنها: أن فيها فسطاط المؤمنين في آخر الزمان، وعند وقوع الملاحم: ففي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ»، ومن خصائصها: أن أهلها خير الناس، ففي سنن الترمذي: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». ومن خصائصها: أن تبسط الملائكة أجنحتها عليها، ففي سنن الترمذي وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طُوبَى لِلشَّأْمِ». فَقُلْنَا لأَىٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لأَنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا»، ومن خصائصها: أنها أرض المحشر والمنشر: ففي مسند البزار: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ، وَالْمَنْشَرِ). وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ «أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلاَةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ». قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ قَالَ «فَتُهْدِى لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ». وروى الطبراني في الاوسط: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم ها هنا، وأومأ إلى الشام”. ومن خصائص الشام: أنها صفوة الله من أرضه، ففي سنن البيهقي: (قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ :«إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ فَإِنَّهُ صِفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلاَدِهِ وَإِلَيْهِ يَجْتَبِى صِفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ يَا أَهْلَ الْيَمَنِ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّ صِفْوَةَ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ الشَّامَ)، وفي المستدرك للحاكم: (قال عبد الله: يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستا من ماء تجدونه ينزوي كل ماء إلى عنصره فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء)، ومن خصائص بلاد الشام: أن فيها الرزق والغنيمة، ففي المعجم الكبير للطبراني: (عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل استقبل بي الشام وولى ظهري لليمن وقال لي :يا محمد جعلت اتجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مدادا ولا يزال الإسلام يزيد وينقص الشرك وأهله حتى تسير المرأتان لا تخشيان جورا ثم قال: والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أَهْلُ الشَّامِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد خص الله سبحانه وتعالى (بيت المقدس وفلسطين) من بلاد الشام بخصائص ومميزات منها: أنها أولى القبلتين، ففي الصحيحين: (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ) فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ – وَهُمُ الْيَهُودُ – مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ)، وبيت المقدس ثالث الحرمين الشريفين، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ – صلى الله عليه وسلم – وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». والصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة: (فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ)، وهي الأرض التي بارك الله حولها، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء:1
الدعاء