خطبة عن (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً)
يوليو 1, 2024خطبة عن (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) مختصرة
يوليو 3, 2024الخطبة الأولى (من ذكريات شهر المحرم)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة (36)
إخوة الإسلام
نعيش أيام شهر الله المحرم، الذي يحمل في طياته العديد من الذكريات، التي ينبغي أن يقف معها المؤمن، ليستلهم منها الدروس والعبر، ومن أهمها: أن شهر الله المحرم شهر عظيم مبارك، وهو أحد الأشهر الحُرُم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا، أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»، وفي هذا الشهر يستحب الإكثار من صيام النافلة، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ». وأفضل أيام هذا الشهر هو يوم العاشر من محرم، وهو يوم (عاشوراء)، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه،، ففي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ». فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). وقال صلى الله عليه وسلم في فضل صيام عاشوراء، كما في سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ »، وأكمله صيام يوم قبله، أو يوم بعده، مخالفة لليهود، ففي صحيح مسلم: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ – صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ». قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-).
وكلما أشرق هلال المحرم في كل عام، تتجددت ذكرى من أروع الذكريات وهي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، تلك الهجرة التي تجلى فيها صدق الإرادة، وكمال البطولة، وقوة الإيمان، وشرف التضحية والفداء، والتي فرقت بين الحق والباطل، وميزت بين الهدى والضلال، والنور والظلام، وأرست دعائم العدالة، وأقامت صروح الفضيلة، فالهجرة خلقت المسلمين خلقاً جديداً، وبعثت فيهم عزماً شديداً، وأيقظت فيهم روح الحماس للدفاع عن دينهم، والذود عن عقيدتهم، وحولت ضعفهم إلى قوة، وقلتهم إلى كثرة، وذلتهم إلى عزة، بعد أن كانوا مستضعفين في مكة، يتخطفهم الناس.
وتذكرنا الهجرة بحفظ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتأييده له، فعندما أحاط به المشركون من كل جانب، جعل الله له من بينهم مخرجاً، وهذا يدل على أن المسلم متى ما حفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالانتهاء، وحدوده بالوقوف عليها، وعدم تجاوزها، حفظه الله في الدنيا والآخرة، وحفظ له دينه وأهله وماله، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، كما في سنن الترمذي، يقول صلى الله عليه وسلم: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»،
وتذكرنا الهجرة النبوية بفضل المسجد، ودوره في التربية والتعليم، وتوحيد الكلمة، فأول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد دخوله المدينة المنورة هو بناء المسجد، وشاركه الصحابة رضي الله عنهم في البناء، فعلينا اليوم أن نفعِّل دور المسجد، من خلال الاهتمام بصلاة الجماعة، والقيام بواجب الدعوة، وتفقد أحوال المرضى والفقراء والمساكين والمحتاجين، والتأليف بين المتخاصمين والمتباعدين.
وتذكرنا الهجرة بالأخوة الإيمانية، القائمة على أساس العقيدة الصافية، وأنها سبب في بناء المجتمع، وتحصينه من الآفات والتصدع، ويتجلى ذلك بعقد الإخاء الذي جمع المهاجرين والأنصار، ففي سنن الدارمي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ)، فحري بنا – نحن المسلمين- أن تتوحد كلمتنا، وتجتمع أمتنا على الحق، وتحت مظلة الإسلام والإيمان، وأن نكون كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».
أيها المسلمون
ومن الأحداث المؤلمة والمحزنة التي وقعت في شهر الله المحرم: استشهاد الإمام الحسين ابن علي رضي الله تعالى عنهم، على أيدي الظالمين من الطغاة البغاة، في كربلاء من بلاد العراق، والحسين هو سيد الشهداء، وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، وهو الذي قال فيه سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، كما في سنن الترمذي: (عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَبْصَرَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا». وفيه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ »، فنحن نحب الحسن والحسين وأمهما فاطمة، وأباهما عليا، وجميع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتقرب إلى الله بحبهم، ولكننا لا نفعل كما يفعل الشيعة، من أفعال تخالف الدين والشرع، ونبرأ إلى الله من أفعالهم. ومن فضائل هذا الشهر: تحريمُ القتالِ والظلمِ، فقد نهى الله سبحانه عن ابتداءِ القتالِ في هذه الأشهرِ الحرم، وذلك تعظيمًا لهنَّ وتشريفًا،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من ذكريات شهر المحرم)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل شهر الله المحرم: ابتداءُ التأريخ الهجري به، فقد تشاورَ صحابة رسول الله مِن أيِّ شهر يكونُ ابتداء السنةِ، فاختار عمر وعثمان وعليٌ (رضي الله عنهم) أن يكون ابتداءُ السنةِ من المحرمِ، لأنه شهرٌ حرامٌ يلي شهر ذي الحجة، الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم، والذي به تمام أركان دينهم، ولأن ابتداء العزم على الهجرةِ كان فيه، إذ البيعةُ كانت في ذي الحجةِ، وهي مقدمة للهجرةِ، وأول هلالِ هل بعدها هو المحرم، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر المحرم. ومِنْ فضائله: أَنْ نَسَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه، ونَعَتَه بالشهر الحرام في قوله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ»، والمعلومُ أنه لا يُضيفُ اللهُ إليه إلَّا خواصَّ مخلوقاتِه، على سبيل التشريف والتفضيل، ومِنْ فضائله: أن صيامه أفضل الصيام بعد صيام الفريضة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ). قال النووي -رحمه الله-: وفيه تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ. أي بعد رمضان.
فهيا لنستقبل شهر المُحرَّم بالطاعة، وبالتوبةٍ النصوح، ونعظم هذا الشهر، ونسأل الله عزّ وجل فيه أن ينصر الاسلام، ويعز المسلمين، ويهلك الكفر والكافرين، وأن ييسر لنا الجنة وما يقرّب إليها من قولٍ وعمل، وأن يبعدنا عن النار وما قرّب إليها من قولٍ وعمل.
الدعاء