خطبة عن (احذر عقوق الوالدين)
يوليو 6, 2024خطبة عن (احذر عقوق الوالدين)
يوليو 7, 2024الخطبة الأولى (أحسنوا الظن بالله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (12) النور، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وفي رواية لأحمد: (إِنْ ظَنَّ بِي خَيْراً فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ».
إخوة الإسلام
حسن الظن: هو ترجيح جانب الخير على جانب الشَّر، وأما حسن الظن بالله: فهو أن يحسن العبد ظنه بربه، فيظن أنه سبحانه جواد، وأنه كريم، وأنه غفور ورحيم، وأنه يتوب على عباده إذا تابوا إليه، وأن فضله عظيم، فالمسلم يحسن ظنه بربه، مع الجد في العمل الصالح ،والتوبة الصادقة، فحسن الظن بالله من العبادات الجليلة، التي ينبغي أن يملأ المؤمن بها قلبه، في جميع أحواله، ويستصحبها في كل أحواله: في رزقه، وفي صلاح ذريته، وفي إجابة دعائه، وفي مغفرة ذنبه، لأن حسن الظن بالله تعالى شعبة من شعب الإيمان، فلا يكمل إيمان العبد إلا بها، وهي واجب شرعي، يجب على المسلم أن يتصف به، قال ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما أعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره، لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن، إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير بيده) رواه ابن أبي الدنيا.
فمن ظن بالله خيرا أفاض عليه جزيل خيراته، وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه، بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه، ولأن حسن الظن بالله من واجبات التوحيد، فقد مدح الله تعالى الذين أحسنوا الظن به، وأثابهم، وذم الذين أساءوا الظن به، فقال الله عنهم: (يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) آل عمران:154، فحسن الظن من العبادات القلبية، التي طالما غفل الناس عنها، وفي سنن أبي داود وغيره: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – قَالَ نَصْرٌ – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ»،
والمسلم لا يحسن الظن بالرب، ويقيم على المعاصي، بل يحسن ظنه بربه مع العمل الصالح، مع التوبة، مع الجد في الخير، أما إحسان الظن بالله مع الإقدام على المعاصي، والإصرار عليها؛ فهذا غرور، قال الحسن البصري:(إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسَنَ العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه، فأساء العمل).
ومما يرسخ حسن الظن في قلب المؤمن: استحضار قول نبينا صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».وقال العلماء: إن حُسن الظن بالله المصحوب بالعمل الصالح هو السبب القوي، والركن الركين، الذي يجب على الإنسان أن يتوجَّه إليه، ويجعله وسيلةً للحصول على خيري الدنيا والآخرة، وهناك علاقة وثيقة بين حسن الظن بالله، وبين العديد من الجوانب العقدية المهمة؛ كالتوكل على الله، والاستعانة به، واللجوء إليه، والخوف منه، والرجاء به؛ حيث إن العبد من خلاله يرجو رحمة الله، ويخاف من سخطه، وعقابه.
ولحسن الظن بالله أثر إيجابي في نفس المؤمن في حياته، وبعد مماته، فإذا أحسن العبد الظن بالله، وتوكل عليه، جعل الله له التيسير في كل أموره، فيطمئن قلبه، وتنشرح نفسه، ويرضى بقضاء الله، وقدره، وحسن الظن بالله، يدفع العبد إلى المبادرة في طلب الرحمة والمغفرة من الله عز وجل. جعل الله أجر من يحسن الظن به عظيم، فأعد له جنات تجري من تحتها الأنهار. حسن الظن بالله يعين على التفكر والتدبر في أسماء الله وصفاته، وما تقتضيه من معاني العبودية، والإخلاص لله.
والسؤال: كيف نستشعر حسن الظن بالله؟، فأقول: بأن يستشعر المؤمن أن الله تعالى فارجٌ للهم، وكاشفٌ للغم، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال تعالى: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) الفتح: (6)،
أيها المسلمون
وإذا كان حسن الظن بالله تعالى ملازما للمؤمن في كل أحواله، إلا أنه هناك بعض الأحوال يتوجب فيها حسن الظن بالله، ومنها: عند الموت: ففي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وفي مسند الإمام أحمد: (قَالَ حَيَّانُ أَبُو النَّضْرِ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَلَى أَبِى الأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ – قَالَ – فَأَخَذَ أَبُو الأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ َاحِدَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا. قَالَ َمَا هِيَ قَالَ كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ قَالَ فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَيْ حَسَنٌ. قَالَ وَاثِلَةُ َبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ». وفي سنن الترمذي وغيره: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ «كَيْفَ تَجِدُكَ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»
ومن الأحوال التي يتوجب فيها حسن الظن بالله: عند الشدائد والكرب: فإنَّ الثلاثة الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك لم يُكشف عنهم ما بهم من كرب وضيق إلا بعدما أحسنوا الظن بربهم، قال تعالى: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118]. وتأمل في قوله: (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه)، فلما أحسنوا الظن بالله رزقهم الله إياه، فالعبد المؤمن يوقن أن الله ينجيه عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وإن كان في أحرج الحالات وأصعبها، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ – تَعَالَى – بِهَا، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ». فَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا عَمِلَ مِنْ صَالِحَاتٍ، فَفَرَّجَ اللَّهُ – تَعَالَى – عَنْهُمْ).
ومن الأحوال التي يتوجب فيها حسن الظن بالله: عند ضيق العيش: ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ». فإنزالها بالله: أن توقن وتظن أن الله تعالى يفرِّجُ عنك ويزيلها. وفي مسند أحمد: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ فِي السَّلَفِ الْخَالِي لاَ يَقْدِرَانِ عَلَى شَيْءٍ فَجَاءَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ جَائِعاً قَدْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ أَبْشِرْ أَتَاكَ رِزْقُ اللَّهِ. فَاسْتَحَثَّهَا فَقَالَ وَيْحَكِ ابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ شَيْءٌ. قَالَتْ نَعَمْ هُنَيَّةً نَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ. حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الطَّوَى قَالَ وَيْحَكِ قَوْمِي فَابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ خُبْزٌ فَأْتِينِي بِهِ فَإِنِّي قَدْ بَلَغْتُ وَجَهِدْتُ. فَقَالَتْ نَعَمِ الآنَ يَنْضُجُ التَنُّورُ فَلاَ تَعْجَلْ. فَلَمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا سَاعَةً وَتَحَيَّنَتْ أَيْضاً أَنْ يَقُولَ لَهَا قَالَتْ هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا لَوْ قُمْتُ فَنَظَرْتُ إِلَى تَنُّورِي. فَقَامَتْ فَنَظَرَتْ فَوَجَدَتْ تَنُّورَهَا مَلآنَ جُنُوبَ الْغَنَمِ وَرَحْيَيْهَا تَطْحَنَانِ فَقَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَنَفَضَتْهَا وَأَخْرَجَتْ مَا فِي تَنُّورِهَا مِنْ جُنُوبِ الْغَنَمِ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- «لَوْ أَخَذَتْ مَا فِي رَحْيَيْهَا وَلَمْ تَنْفُضْهَا لَطَحَنَتْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ومن الأحوال التي يتوجب فيها حسن الظن بالله: عند غلبة الدَّين: ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ يَا بُنَىِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي… قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ يَا بُنَيِّ، إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ . قَالَ فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلاَكَ قَالَ اللَّهُ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ، اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ. فَيَقْضِيهِ،..)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أحسنوا الظن بالله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأحوال التي يتوجب على المسلم فيها حسن الظن بالله: عند الدعاء: ففي سنن الترمذي ومسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ». وإذا دعوت الله تعالى فعظم الرغبة فيما عنده، وأحسن الظن به، ففي الصحيحين: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ وَلاَ يَقُلِ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ».
ومن الأحوال التي يتوجب فيها حسن الظن بالله: عند التوبة: ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ «اعْمَلْ مَا شِئْتَ». أي: ما دمتَ أنَّك تذنب وتتوب فإني أتوب عليك ولو تكرر الذنب منك. فالعبد إذا أذنب وتاب واستغفر ظن أن الله سيقبل توبته، ويقيل عثرته، ويغفر ذنبه، وإذا عمل صالحاً ظن أن الله سيقبل عمله، ويجازيه عليه أحسن الجزاء، وحسن الظن بالله يدفع صاحبه للبذل والجود والعطاء، فهو يعلم أن الله يخلفه فيما بذل وأنفق، فالله – سبحانه – يقول: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)، «سبأ: 39». وفي الحديث القدسي كما في البخاري: «قَالَ اللَّهُ أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»
الدعاء