خطبة عن (تَقْوَى اللَّهِ)
يوليو 10, 2024خطبة عن قوله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا )
يوليو 13, 2024الخطبة الأولى (غَمْسَةٌ فِي الْجَنَّةِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في صحيح ابن ماجه: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً. فَيُغْمَسُ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلاَءً. فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ. فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً فَيُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلاَءٌ فَيَقُولُ مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلاَ بَلاَءٌ».
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (111) التوبة، وقال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) (35) الرعد، وقال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) محمد (15)، وفي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم للأنصار: «أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُنَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ». قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ «لَكُمُ الْجَنَّةُ». قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ)، فقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالجنة، وبين لهم أن الطريق إلى الجنة ليس مفروشاً بالورود والرياحين, ولكنه محفوف بالمكارِه والمِحن, طريقٌ مليء بالشدائد والمصاعب؛ لأن سلعةَ الله غالية, وسلعةُ الله هي الجنة، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157]، وروى الطبراني: (عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانَ صَبْرٍ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا” فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: “مِنْكُمْ”. فلا بدَّ من الصبر والمصابرة، حتى يفوز العبد المؤمن بهذا الأجر العظيم, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200]. ومن عرف الغاية، هانت عليه الوسيلة, ومن عرف الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر, صبر من أجلها، فيا من يريد الجنة, عليك بالصبر على الطاعةِ، والصبر عن المعصية, حتى تلقى الله -عز وجل-. وروى الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ”، نعم إنه زمنَ الفتن والمحن والشدائد, ففيه يحتاجُ المؤمن إلى الصبر والمصابرة, حتى لا يُغيِّر ولا يُبدل, لينال بعد ذلك وعد الله الذي لا يُخلف؛ وحتى يكون من الرجال الذين قال الله فيهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
أيها المسلمون
وما أَهْونَ نعيم الدُّنيا بِجِوارِ نعيم الآخِرَةِ، فَلا يُقاسُ فانٍ بِبَاقٍ، ولا يُقارَنُ نَعيمُ الآخرةِ وعَذابُها، بنَعيمِ الدُّنيا وشَدائدِها؛ فلا وَجْهَ للمُقارنةِ بيْن دارِ العملِ، ودارِ الجزاءِ، ولذلك، ففي سنن ابن ماجه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً. فَيُغْمَسُ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلاَءً. فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ. فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً فَيُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلاَءٌ فَيَقُولُ مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلاَ بَلاَءٌ». وفي رواية مسلم: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ»، وهذا يدلنا على أن الإنسان لا يغتر بهذه الدنيا، فنعيمها زائل وحقير، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ – وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ – فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ»، وفيه أيضا: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ». فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ». قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ «فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ».
فأيها المؤمن المحزون ،والمكروب والمهموم والمغموم، وأيها المبتلى، أبشر، فإن دخلت الجنة، فغمسة واحدة تكفي لغسل كل ما مضى من بلاء وشدة، فما بالك بالخلود الأبدي، والنعيم الذي لا ينقطع، ومجاورة الطيبين الكرام. ويأيها الظلوم الغشوم، القاتل السفاح، أبشر بما يسوؤك – إن دخلت النار- فغمسة واحدة تكفي لتنسى لذات الدنيا، وشهوة السلطة، وسكرة الشهرة، وكنز الأموال، فضلا عن مكث لا يعلم مداه إلا الله مع عذاب مهين، وجوار خبيث، وأبواب موصدة، ونار موقدة. فالناس في هذه الدنيا ما بين: مبتلى ومعافى، وصحيح وسقيم، وغني وفقير، وسعيد وحزين، وظالم ومظلوم، وكل ذلك إلى أجل محتوم، ووقت معلوم، لا يملك أحد تأخيره ولا رده، ومع أول غمسة في الجنة أو النار، يذهب هذا كله ويزول، ولا يبقى منه أثر. والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن نعيم الجنة، ويشوقنا إليها، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ». ثُمَّ قَرَأَ (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة:17]. ويقول ابن القيم عن الجنة ” غرسها الرحمن بيده، وجعلها جزاءً لأحبابه، وملأها برضوانه ورحمته، وزينها وأتقنها بعظيم قدرته ووصف نعيمها بالفوز العظيم، ووصف ملكها بالملك الكبير”، فجزاء أقل من يدخل الجنة عشرة أضعاف نعيم أعظم الناس ملكًا في الدنيا، ووصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». وروى ابن ماجه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيَلةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ. فِي مقَامٍ أَبَدًا. فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ. فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ) قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ (قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (غَمْسَة فِي الْجَنَّةِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فالله تبارك وتعالى أعد لعباده المؤمنين العاملين جنات، تجري من تحت غرفهم ومنازلهم الأنهار العذبة، ويُحَلَّون فيها بأساور الذهب، ويَلْبَسون ثيابًا ذات لون أخضر، نسجت من رقيق الحرير وغليظه، ويتكئون فيها على الأسِرَّة المزدانة بالستائر الجميلة، وحقا ما قال ربنا في نعيم أهل الجنة: (نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف:31، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» متفق عليه ، وأهل الجنة يخدمهم ولدان مخلدون، لا يهرمون ولا يتغيرون، كأنهم لؤلؤ منثور من حسنهم وبهائهم ، يدورون عليهم بالخدمة وقضاء الحاجات، في جميع الأوقات. قال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} [الإنسان:19]. وفي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ الْيَهُودِيُّ فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ «زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ» قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا قَالَ «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِى كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا». قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً»، فطعام أهل الجنة مما لذ وطاب: من أنواع الفواكه الكثيرة، واللحوم النضيجة، وغيرها وغيرها، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيطاف عليهم بالأطعمة والأشربة والفواكه في صحاف من ذهب وفضة. وفي صحيح مسلم: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ». قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا الْكَوْثَرُ قَالَ «ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِى فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا»، وأما عن مساكن أهل الجنة فهم في الغرفات آمنون، روى الإمام أحمد وغيره: (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفاً يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا». فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ هِيَ قَالَ «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَصَلَّى للَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا». وأما زوجاتهم فهنّ الحور العين، قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (54) الدخان. وأما عن سوق أهل الجنة، وما ينالون فيه من النعيم والجمال، ففي مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً». وينادي عليهم مناد من الملائكة، فيبشر اهل الجنة بالصحة الدائمة, والحياة الدائمة, والشباب الدائم, والنعيم الدائم، ففي صحيح مسلم: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:43]، وأعظم نعيم في الجنة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم: ففي الصحيحين: (قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قَالَ «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا. قَالُوا أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالُوا بَلَى. قَالَ فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ». وهذا النعيم كله خالد، لا ينتهي ولا ينقطع، ففي الصحيحين :(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ – فَيُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ – قَالَ – وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ – قَالَ – فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ – قَالَ – ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ».
الدعاء