خطبة عن (الإنسان والمسئولية الفردية)
سبتمبر 29, 2024خطبة عن (الرحمن الرحيم)
سبتمبر 30, 2024الخطبة الأولى (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ)، وفي رواية لمسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ – قَالَ – غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ)، وفي رواية للترمذي: (قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ». لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ).
إخوة الإسلام
لقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرى ويَسمَعُ ما لا يَراه البشَرُ ولا يَسمَعونه، وكان صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه رَؤوفًا رحيمًا، فهو يرشدهم إلى كل خير، ويحذرهم من كل شر، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»: فالمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله، وانتقامه ممَّن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع، والموت، وفي القبر، ويوم القيامة، وأمور الآخرة وشدة أهوالها، وما أعد في النار من عذابها وأنكالها، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، قليل الضحك،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»: فيه الحثّ على الخوف من الله، والإستعداد للآخرة، والحذر من شرِّ الدنيا وزينتها، لذا قَالَ راوي الحديث: (فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ)، وقال أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عَنه: “لَوَدِدتُ أنِّي كنتُ شَجرةً تُعْضَدُ”، أي لَتَمنَّيتُ أنِّي كنتُ شَجرةً تُقطَعُ فتَفْنى وتَنتَهي.
أيها المسلمون
إن هذا الحديث النبوي الكريم يبين لنا أن الأمر عظيم، وأن أهوال وأحداث يوم القيامة لتفزع منها القلوب، وتوجل منها النفوس، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ». قَالَ الْمُسْلِمُونَ فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ رَبِّنَا». فإذا كان يوم القيامة برقت الأبصار من شدة الهول وشخصت، فلا تطرف، فالشمس ذهب ضوؤها، والنجوم تناثرت فذهب نورها، والجبال سيرت عن وجه الأرض، فصارت هباءً منبثاً، والنوق الحوامل تركت وأهملت، والحيوانات الوحشية جمعت واختلطت، ليقتص لبعضها من بعض، والبحار أوقدت فصارت ناراً، (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (26): (27) التكوير.
ويوم القيامة يوم طويل، خمسون ألف سنة، والشمس تدنو فيه من رؤوس الخلائق، ويجمع الناس في أرض المحشر، ففي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»، نعم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ»،
أقول قولي وأستغفر الله
الخطبة الثانية (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ – قَالَ – يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ». قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ».
ومن أحداث وأهوال يوم القيامة، والتي إذا تفكر فيها الانسان العاقل قل ضحكه، وكثر بكاؤه، ما رواه مسلم في صحيحه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ». وفي مسند أحمد: «يَخْرُجُ عُنَقٌ مِنَ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلاَثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ. فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ»،
وبعد أن تعرفنا على بعض هذه المشاهد ليوم القيامة، علمنا المقصود من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ».
ألا فاتقوا الله واعملوا صالحا، لتنجوا من أهوال يوم القيامة، وتكونوا فيه من الآمنين، وعليكم بكثرة البكاء من خشية الله تعالى، وقلة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب، واعلموا أن الأمر شديد، والخطب جليل، ففريق في الجنة وفريق في السعير، والله تعالى يقول: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (20) الحشر
الدعاء