خطبة عن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)
سبتمبر 1, 2024خطبة عن (ماذا يعني ميلاد الرسول؟) مختصرة
سبتمبر 1, 2024الخطبة الأولى ( من جوانب عظمة خلق الرسول ) مختصرة 3
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته مخاطبا رسوله محمدا : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم
إخوة الإسلام
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي جمع العظمة من جميع أطرافها ،فتعالوا بنا اليوم -إن شاء الله تعالى- نتعرف على موقف من مواقف العظمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،مع صحابي أنصاري جليل هو (جابر بن عبد الله) شهد ليلة العقبة مع والده ، فهو من السابقين إلى الاسلام ،وكان والده من النقباء البدريين ،استشهد يوم أحد ، وكان جابر قد أطاع أباه يوم أحد وقعد لأجل أخواته الصغار، وكان جابر بن عبد الله رجلا فقيرا ،روى الترمذي في سننه : (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا)… هذا هو ما أهم الصحابي جابر بن عبد الله ،موت أبيه ، ورعاية إخوته الصغار وتربيتهم ،وسداد الديون ،فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفف عنه أحزانه ،وأن يجبر بخاطره ،ويبشره بما لقي أبوه من الفوز : (قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّى أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ ». قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران (169)
وإذا كانت هذه البشرى قد خففت عنه ألم الحزن على فقد أبيه ،إلا أنه مازال مهموما بدينه، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يساعده في سداد دينه بصورة مهذبة، وبطريقة مبتكرة، فانظر إلى عظمة أخلاق الرسول في مساعدة هذا الصحابي الذي أثقلته الديون ،ففي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزَاةٍ ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا ،فَأَتَى عَلَىَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « جَابِرٌ » .فَقُلْتُ نَعَمْ . قَالَ « مَا شَأْنُكَ » .قُلْتُ أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا ، فَتَخَلَّفْتُ .فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ ،ثُمَّ قَالَ « ارْكَبْ ».فَرَكِبْتُ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَزَوَّجْتَ » .قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ « بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا » .قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا .قَالَ « أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ » .قُلْتُ إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ ، وَتَمْشُطُهُنَّ ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ . قَالَ « أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ » .ثُمَّ قَالَ « أَتَبِيعُ جَمَلَكَ » .قُلْتُ نَعَمْ .فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ ، وفي رواية لمسلم :(قَالَ لِي « بِعْنِي جَمَلَكَ هَذَا ». قَالَ قُلْتُ لاَ بَلْ هُوَ لَكَ. قَالَ « لاَ بَلْ بِعْنِيهِ ».قَالَ قُلْتُ لاَ بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « لاَ بَلْ بِعْنِيهِ ».قَالَ قُلْتُ فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَىَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَالَ« قَدْ أَخَذْتُهُ ، فَتَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ». يقول جابر:( ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَبْلِي ، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ ،فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ،قَالَ « الآنَ قَدِمْتَ » .قُلْتُ نَعَمْ .قَالَ «فَدَعْ جَمَلَكَ ،فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» .فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ،فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ ،فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ ،فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ فَقَالَ « ادْعُ لِي جَابِرًا » قُلْتُ الآنَ يَرُدُّ عَلَىَّ الْجَمَلَ ،وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْهُ .قَالَ «خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ » وفي رواية لمسلم :قَالَ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِبِلاَلٍ «أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ » .قَالَ فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزَادَنِي قِيرَاطًا – قَالَ – فَقُلْتُ لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وفي رواية لأحمد (قَالَ فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً وَزَادَنِي شَيْئاً يَسِيراً – قَالَ – فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَنْمِي عِنْدَنَا وَنَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِي).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من جوانب عظمة خلق الرسول) 3
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هكذا أعان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي الجليل على سداد دينه ،وكان سببا في ذهاب همه ،وتفريج كربه بصورة مهذبة ،تحفظ عليه حياءه وعفته وكرامته، ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا التصرف وبتلك الطريقة أن هناك طرقا متعددة في مساعدة إخواننا من المسلمين المحتاجين والمدينين ،تحفظ عليهم عزتهم وعفتهم ،ولا تخدش حياءهم ،ويذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثواب من أعان أصحاب الديون والمحتاجين ،ففي صحيح مسلم : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ » وفيه أيضا : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ».وفي البخاري : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ،وَإِذَا اشْتَرَى ،وَإِذَا اقْتَضَى » وفي سنن ابن ماجة : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ. فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ ». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتعوذ من غلبة الدين فيقول : (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ » ، ألا فأعينوا إخوانكم من الفقراء والمحتاجين والمدينين ،وليكن لكم أسوة حسنة في سيد المرسلين الذي وصفه ربه بقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم
الدعاء