خطبة عن (ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم)
سبتمبر 1, 2024خطبة عن (البشارة بالنبي محمد) (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)
سبتمبر 1, 2024الخطبة الأولى ( وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ،فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) الاحزاب (51)،قَالَتْ: قُلْتُ :وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ).
إخوة الإسلام
لقد شرَعَ اللهُ سُبحانَه وتعالى لنَبيِّه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بعضَ الأحكامِ الخاصَّةِ به، ومن ذلك أنَّه أباحَ له الزَّواجَ بأكثَرَ من أربعِ نِسوةٍ، وأنْ تهَبَ المرأةُ نفْسَها له، كما أعطاه خُمُسَ غنائمِ الحربِ، وغير ذلك مما خص الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم ،والمتأمل والمتدبر لمعنى هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم يتبين له أن معنى قول أم المؤمنين عائشة في الحديث 🙁وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ ) : أي: يُسارِعُ في مُوافقتِك على ما تُحِبُّ ممَّا أحلَّه لك، ويُخفِّفُ عنك ويُوسِّعُ عليك في الأُمورِ، ففي قوله تعالى : (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) الأحزاب (50) ،(51) ،فقد جاءت الآيات توسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم بين زوجاته ،فأباح الله له أن يؤوي من يشاء من نسائه ،ويترك منهن من يشاء ،ويقسم لمن يشاء ، ويترك القسم لمن يشاء ، وكل هذا توسعة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنزَلَ الله تعالى فيها قُرآنًا يُتْلى،
وفي قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ).قال ابن حجر: المعنى (أي ما أرى الله إلا موجداً لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار. وأن الله يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور، ولهذا خيره ويسارع في هواه أي رضاه، وقال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله. وإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يحمل على ظاهره لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل بالهوى، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق، و لكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك.
وفي هذا الحديث دليل على عفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم شهوانيته، لأن الله أباح له أي امرأة تهب نفسها له، وجاءه كثير من النساء وعرضن أنفسهن عليه وردهن، فقد أخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له.، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له، وإن كان مباحاً له، لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى : (إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) الأحزاب (50) .
أيها المسلمون
وفي هذا الحديثِ: إظهار لمَكانةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند رَبِّه عزَّ وجلَّ، وفي قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ) ،فهذه الكلمة التي تقطر عذوبةً وحلاوةً لها شواهدُ قرآنية أخرى تدل على مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم – عند ربه عز وجل ،فما تخطئ عينُ قارئ القرآن تلك المواضع التي يعطي الله عز وجل نبيه – صلى الله عليه وسلم – ما يتمنى، ومواضع أخرى يَصِل فيها الخطاب القرآني إلى أعماق نفسه – صلى الله عليه وسلم – فيراعي مشاعره، ويطيب خاطره، ويعزيه، وكل ذلك ما كان ليقع إلا لعلو شأنه صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما جاء في قصة استقبال الكعبة، وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يحب أن يتوجه إلى الكعبة، وكانت القبلة حينها بيت المقدس، فكان يقلب طرفه في السماء، ونفسُه تهفو إلى استقبال الكعبة، فنزلت الآيات على ما يتمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (144) البقرة ،ومن ذلك أيضا ما جاء في قصة تأخر الوحي، إذ قالت له امرأة مشركة : ما أرى ربك إلا قد تركك ،حتى وجد النبي – صلى الله عليه وسلم – في نفسه من تلك الكلمة ما وجد، فنزلت سورة كاملة تطيب خاطره، وتسكن نفسه صلى الله عليه وسلم ، وكان أسلوب تلك السورة عجيباً حقا، فقد أقسم الله له أنه ما هجره !، فقال جل في علاه : (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى (1) :(11) ،فقد وعده بقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) ،ثم زاده بقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) ،ثم جاء العتاب رقيقا لطيفاً إذ كيف يقع في نفسك ذلك ؟، فقال الله سبحانه 🙁أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) ،فاللهُ تعالى قد عوَّدك الجميلُ يا محمد ، فقِس على ما قد مضى ،
ومن ذلك أيضا ما جاء في قصة النفر الذين استأنسوا بمجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأطالوا المكث فيه حتى تأذى النبي – صلى الله عليه وسلم – من طول مكثهم، ولشدة حيائه استحى أن يقول لهم : قوموا .. أو اخرجوا، فنزلت آيات تأمر الصحابة – رضي الله عنهم – بعدم المكث عنده فوق الحاجة ، قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) (53) الاحزاب ،فكانت العلة بعد هذا الأمر هي قوله سبحانه : (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ).، ومن ذلك أيضا ما ينزل من الآيات عند حزنه – صلى الله عليه وسلم – وضيق صدره، فتكون تلك الآيات بلسماً على قلبه – صلى الله عليه وسلم- إذ يقول له ربه : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الانعام (33) ، وقال الله تعالى 🙁وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر (97) (99) ،
وإذا أردت مواضع هي ألطف وأدق في الدلالة على مكانته – صلى الله عليه وسلم – فتتبع مواضع العتاب التي هي مظان الشدة في الخطاب ،فتجد عامة تلك المواضع عذبة الأسلوب، حانية الخطاب ،من تلك المواضع ما جاء في قصة إذنه – صلى الله عليه وسلم – للمنافقين، فنزل العتاب مفتتحاً بالعفو تطميناً لقلبه – صلى الله عليه وسلم – فقال الله سبحانه 🙁عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) التوبة (43) ،ومن تلك المواضع أيضاً ما جاء في قصة إعراضه – صلى الله عليه وسلم – عن الأعمى لانشغاله بدعوة كفار قريش، فجاء العتاب مفتتحاً بعتاب الغائب إعلاء لشأنه – صلى الله عليه وسلم – فقال سبحانه 🙁عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) عبس (1) :(4) ، وهذا من أعذب المواضع في العتاب وأرقها ،
فإذا تدبرت القرآن، وقر في قلبك أنَّ الذي يخاطبه بهذا الأسلوب هو الله عز وجل ،وتبين لك ما ينبغي على المسلم أن يحمله مِن إجلال وتوقير لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى 🙁فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، (157) الاعراف ، وقال الله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الاعراف (158)
أيها المسلمون
(وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ)، فمحبة الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم شواهدها متعددة ، وهي أكْبَرُ مِنَ الْوَصْفِ، وَأَعْظَمُ مِنَ الْحَصْرِ؛ لَقَدْ أَثْنَى اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ أَثنَى عَليهِ فِي “عَقْلِهِ” ، فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]، وأَثنَى عَليهِ فِي “بَصَرِهِ” فقالَ الله تعَالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]، وأَثنَى عَليهِ فِي “فُؤَادِهِ” فقالَ الله تعالى : ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، وأَثنَى عَليهِ فِي “صَدْرِهِ” فقالَ الله تعالى : ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]، وأَثنَى عَليهِ فِي “صِدْقِهِ” فقالَ الله تعالى : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، وأَثنَى عَليهِ فِي “حِلْمِهِ” فقالَ الله تعالى: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وأَثنَى عَليهِ كُلِّهِ فقالَ الله تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
ومَا أَقسَمَ اللهُ سبحانه وتعالى بحَياةِ أَحَدٍ مِن خَلقِهِ إلاَّ بحَياةِ نَبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: (مَا خَلَقَ اللَّهُ وَمَا ذَرَأَ وَمَا بَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72] رواه الطَّبَرِيُّ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن دلائل محبة الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن رَفعَهُ الله تعالى لَيلةَ المعرَاجِ إلى السَّماواتِ العُلاَ، وأَوصَلَهُ إلى مَكانَةٍ لَم يَصِلْ إِليهَا غَيرُهُ ،حتَّى مِنَ المَلائِكَةِ ، قال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [النجم: 8، 9]، ومَا ذَاكَ إلاَّ محبَّةً مِنه جَلَّ وعَلا، وتَطْييبًا لخَاطِرِه عَليه الصلاةُ والسلامُ في عَامِ حُزْنٍ مَاتَ فيه عَمُّهُ وزَوجُهُ خَديجةُ، وقَومُهُ يُكذِّبونَهُ.
ومِمَّا يَدلُّ على مُراعَاةِ اللهِ عَز وَجلَّ لنبيِّهِ وتَقدِيرِهِ وتَعظِيمِهِ أَنْ أَمَرَ كُلَّ مَن يَتكَلَّمُ مَعه عَليه الصلاةُ والسلامُ أَنْ يتَأَدَّبَ في الحَديثِ والكَلامِ؛ قال الله تعالى : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الحجرات (1) :(5) .
الدعاء