خطبة عن (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ)
سبتمبر 29, 2024خطبة عن (عَلَّمَنِي رَبِّي)
سبتمبر 30, 2024الخطبة الأولى (الرحمن الرحيم)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف:180 وفي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»،
إخوة الإسلام
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، أي: لله كل الأسماء الحسنى، بالغة الحسن والكمال والعظمة، والتي تدل على جلاله وجماله وكماله وعظمته، (فَادْعُوهُ بِهَا): أي: فتوسَّلوا بها إلى الله، في طلب ما تريدون، وأثنوا عليه بها، فيقول الداعي مثلا: اللّهم اغفر لي يا غفور، وارحمني يا رحيم ،إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، وهكذا ندعوه ونسأله ونتوسل إليه بها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا): فهذا ليس على سبيل الحصر، لأن أسماء الله الحسنى لا يمكن عدها وحصرها، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ)، وليس المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) مجرد ذكرها، أو ترديدها، أو حفظها، ولكن المقصود بإحصائها: معرفتها، وتعلمها، وفهم معانيها، والدعاء بها، والتخلق بالأخلاق الحسنة.
واليوم -إن شاء الله تعالى- موعدنا مع اسمه: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)، فقد قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) الحشر: (22)، فهو رحمن رحيم: أي: ذو رحمة شاملة لكل الخلائق في الدنيا، وهي للمؤمنين فقط في الدار الآخرة، فرحمة الله تعالى تشمل المؤمنين كلهم يوم القيامة، فبرحمته يدخلون الجنة: ففي الصحيحين: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُ لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ»، ومن آثار رحمة الله: أن خلقنا من العدم، وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وأرسل إلينا الرسل، وأنزل الكتب، ومن رحمته أن سخر الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض ودحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، وانشأ السحاب، وانزل المطر، وانبت الأرض، ومن رحمته وضع الرحمة في قلوب مخلوقاته: ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلاَئِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ». ومن رحمته بعباده: أن رحمته سبقت غضبه: ففي صحيح مسلم: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي». ومن رحمته بعباده المؤمنين أن ادخر لهم (99) رحمة ليوم القيامة ،ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ بَيْنَهُمْ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ». ومن رحمته تعالى: أن خلق الذكر والانثى، وجعل بينهما المودة والرحمة: قال تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (21) الروم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الرحمن الرحيم)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والله تعالى هو أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها: ففي صحيح البخاري: (قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ». قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ .فَقَالَ «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»، ومن مظاهر رحمته -جل جلاله- بعباده: قبول توبة التائبين، والعفو عن العصاة والمذنبين، ففي صحيح مسلم: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». ومن الصور الدالة على رحمته: أنه تكفّل برزق عباده جميعًا، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود:6].
وإيمان العبد بأن الله رحمن رحيم: يفتح له أبواب الرجاء والأمل، ويغلق أبواب الخوف واليأس، ويشعر المؤمن بالأمن والأمان؛ لأنه سبحانه الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه،
وإيمان العبد بأنه (الرَّحْمَن الرَّحِيم): يدعوه أن يتخلق بخلق الرحمة: فيكون رحيما مع الناس، وأحوج الناس إلى الرحمة: الوالدان، لأنهما أقرب الناس إليه، وسبب وجوده؛ قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24]. وروى مسلم في صحيحه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». فالمؤمن يجب أن يكون رحيما بمن يتعامل معهم، فيرحم الضعفاء والمصابين، والعجزة وكبار السن، والأيتام والأرامل، والفقراء والمساكين، فيقضي لهم حاجتهم، ويفرج عنهم كربهم، ويساعد محتاجهم، ويعين ذا الحاجة منهم، ويرحم أولاده وزوجته، ووالديه، وأرحامه، بل ويرحم الحيوانات التي يتعامل معها، فرحمة الله تنال عباده الرحماء، ففي صحيح البخاري: (وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ».
الدعاء