خطبة حول حديث (تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ)
نوفمبر 9, 2024خطبة عن (الرِّضا)
نوفمبر 11, 2024الخطبة الأولى (الدُّعَاءُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة، وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) غافر، وقال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (14) غافر، وقال تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (2): (4) مريم،
إخوة الإسلام
الدُّعَاءُ: هو التوجه إلى الله، واجلاله وتعظيمه، وابداء الذل والمسكنة والاستكانة، والرغبة والرهبة بين يديه، وطلب ما ينفع، ودفع ما يضر، وطلب المدد والعون والغوث منه سبحانه وتعالى، فبالدعاء يتوجه العبد إلى ربه، فيما يحتاجه لإصلاح دينه ودنياه، والدُّعَاءُ: هو مخ العبادة، لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص، ولا عبادة فوقهما، فليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء، ومن فتح الله له باب الدعاء، فقد فتُحت له أبواب الرحمة، فالدعاء من أفضل العبادات التي يحبها الله خالصةً له، ولا يجوز أن يصرفها العبد إلى غيره.
وينقسم الدعاء إلى قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، فدعاء العبادة: هو الشامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة، ودعاء المسألة: أن يطلب الداعي من الله ما ينفعه، وما يكشف ضره، وهما متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، والإنسان في حياته معرض للأخطار والمحن، التي لا قبل له بها، وما له من دافع يدفعها عنه إلا الله، فالعبد فقير إلى رحمة الله، ولطفه به في سائر أحواله، وتقلبات الحياة به، فهو عابد للَّه تعالى بسؤاله، ورغبته، والتضرع إليه، والابتهال إليه، والانطراح بين يديه، وهو يرجو قبول دعوته، وقضاء حاجته، وهو مع ذلك خائف من طرده، وعدم قبول دعوته، وهذا هو لبُّ العبادة، ومخّها، وروحها، وحقيقتها، إنها الرغبة والرهبة، وإذا أصلح العبد ما بينه وبين الله، هيأ نفسه لقبول دعوته، وتلقي المدد والمعونة من لدنه تعالى، وعاش قرير العين، آمناً من فتنة الدنيا، وقدم على ربه بزاد من التقوى والعمل الصالح، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110]. وقد أمر الله تعالى عباده بالتوجه إليه في حوائجهم الدنيوية لتتيسر لهم، وفي أمور معادهم ليحط أوزارهم، ويتقبل توبتهم، ويعتق رقابهم من النار؛ لأنه ليس لهم من سبيل يتوصلون به إلى مطالبهم، غير سؤالهم لخالقهم، ومدبر أمورهم، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:55،56]، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ «يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».
أيها المسلمون
فالدعاء من أهم العبادات التي يجب على المسلمين القيام بها، فهو وسيلة المسلم للتضرع إلى الله تعالى، والإيمان بأنه وحده مالك الملك، حيث يتم من خلال الدعاء إظهار الاعتماد الكامل عليه سبحانه، في جميع الأمور، ويساعد الدعاء في تطهير النفس من الخطايا والذنوب، وهو وسيلة للشكر، والله تعالى يحب أن يُسأل، ويُرغبَ إليه في كل شيء، ويغضب على من لم يسأله، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) غافر
ولكي يكون الدعاء مستجابا، فلابد من توافر شروط الاستجابة، ومن شروط استجابة الدعاء: الإخلاص وحضور القلب، فيدعو الإنسان ربه بقلب حاضر، خاشع لله، ويعلم أنه سبحانه مجيب الدعاء، وأنه القادر على كل شيء، وهو الغني الحميد، والحكيم العليم، الرحيم الغفور ،فالله تعالى لا يستجيب دعاء من كان قلبه لاهيا غافلا، مشغولا بغيره، ومن شروط استجابة الدعاء: طيب المطعم، والحذر من أكل الحرام، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون:51]، وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)» [البقرة:172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
ومن شروط استجابة الدعاء: أن يتحرى أوقات الإجابة: فمن أوقات الإجابة: جوف الليل، وآخر الليل، والثلث الأخير منه، وما بين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر الصلاة، وقبل السلام، وكذلك ما بين أن يجلس الإمام لخطبة الجمعة، إلى أن تقضى الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة من بعد العصر، ويوم عرفة، وليلة القدر، كل هذه من أوقات الإجابة. ومن شروط استجابة الدعاء: بر الوالدين، والصدق مع الله، والابتعاد عمَّا نهى عنه، وشاهده حديث الثلاثة الذي أووا إلى الغار، فدعوا الله فاستجاب لهم، ومن شروط استجابة الدعاء: أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي ﷺ، ويختم بذلك، وقد روى الترمذي: (عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ) وفي رواية له: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ). قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ)،
ومن شروط استجابة الدعاء: استقبال القبلة، فقد روى مسلم: (عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ)، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ، وقد روى أبو داود: (عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا).
ومن شروط استجابة الدعاء: اليقين بالله تعالى بالإجابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي، مع الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، والجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري ومسلم
ومن شروط استجابة الدعاء: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) الأعراف:55، ويستحب الدعاء ثلاثاً، فقد روى البخاري ومسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا).
ومن شروط استجابة الدعاء: عدم الدعاء على الأهل والمال والولد والنفس، وعدم الاستعجال، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ «يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الدُّعَاءُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وللدعاء فضائل متعددة، وثمرات كثيرة، فمن فضائل الدعاء: أنه في الدعاء امتثالا لأمر الله تعالى، إذ قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر:60)، وفي الدعاء تحقيق لعبادة الله تعالى، والتي هي الغاية العظمى، ففي سنن الترمذي وغيره: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ومن فضائل الدعاء: أن الدعاء يحبه الله تعالى، فالداعي متقرب إلى الله تعالى بشيء يحبه، ففي سنن الترمذي وغيره: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ ». ومن فضائل الدعاء: أن الدعاء سبب لانشراح الصدر، ففي الدعاء دواء وبلسم شافي لأدواء الصدور، من الهموم والغموم والأحزان، وضيق الصدر. ومن فضائل الدعاء: أن الدعاء يدفع البلاء، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ »، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (« لاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ) رواه أحمد ، وفي المستدرك للحاكم: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة). والدعاء سبب للثبات والنصر: قال الله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250]. فكان عندها النصر والظفر: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} [البقرة:251 ]. ومن فضائل الدعاء: أن الدعاء مفزع المظلومين، وسبب لدفع غضب الله: ففي الأدب المفرد للبخاري: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ»، ومن فضائل الدعاء: حصول المودة بين المسلمين: فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب، استجيبت دعوته، ودل ذلك على موافقة باطنه لظاهره، وهذا دليل التقوى والصدق، والترابط بين المسلمين، وهذا مما يقوي أواصر المحبة،
الدعاء