خطبة عن (الْقَرِينُ)
نوفمبر 26, 2024خطبة حول قوله تعالى ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )
نوفمبر 30, 2024الخطبة الأولى (زمن الغربة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». وفي رواية الإمام أحمد: (فَقِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ».
إخوة الإسلام
نحن الآن في زمن الغربة الثانية للإسلام، نحن في زمان تَبدو فيه راية الباطِل عالية، وراية الحق منتكسة، في زمان يُكذَّب فيه الصَّادق، ويُصدَّق فيه الكاذب، ويوصَف المتمسِّك بالكتاب والسنَّة بالمتشدِّد والإرهابي، نحن في زمان تَشعر فيه بالوحدة بين أهلك، ويضيق صدرك بكل ما حولك، فواقع الأمّة اليوم واقعٌ أليمٌ، وخطبها خطبٌ جسيمٌ، لأنّها غيّرت وبدّلت، فهي لشرع الله تنكّرت، والكثير من المسلمين تنصلوا عن دينهم، وطلبوا العزّة والمجد في حضارة غيرهم، فأصبح الإسلام غريباً في بلاد المسلمين، وأصبح المؤمن الصّادق، المتّبع لسنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً، وهدياً وسمتاً، وأخلاقاً ومنهجاً، أصبح غريبا، وتزداد غربته إذا عاداه أهل ملّته وأهل دينه، وإذا سخر منه أقرانه، فقال قائلهم: لما هذه اللحية؟ ولما هذا اللّباس؟ ولما هذا النّقاب؟، ولما هذا ولما هذا.. وتزداد الكارثة إذا شعر بالغربة في بيته فذلك الجرح الّذي لا يندمل،
فاليوم أصبح المسلمون غرباء بين ملل الكفر والإلحاد، ويحار العقل عندما يرى من يدّعي الإسلام، وينسب نفسه إليه، ويرى ما يحلّ بالمستضعفين من أهل الاسلام، من قتلٍ وحرقٍ وتهجيٍر، وتدميرٍ وسفكٍ للدّماء، واعتداءٍ على الممتلكات، يرى ذلك كلّه، ولا يتحرّك له ساكنا وهو يستطيع، بل والأعجب من هذا، حال من وقف في صفّ المجرمين الكافرين الظالمين، ضد المسلمين، وأيّ غربةٍ أشدّ من أن يكون عدد المسلمين أكثر من مليار مسلمٍ، ومع ذلك فنحن أقلّ شأناً في نظر عدوّنا من كلّ الملل والنّحل؟، وأي غربة أشد من تسلّط أعداء الملة والدين على بلاد المسلمين؛ فصاروا يتحكّمون في مصيرهم، وينهبون خيرات بلادهم، بل ويهاجمون المدن والقرى، ويقتلون العزّل من النّساء والأطفال والرّجال، تحت ستار دعاوي كاذبةٍ، وتهمٍ باطلةٍ، وقضايا مفتعلةٍ،
نعم حدث هذا عندما أقصي الأمين، وتكلم السّفيه والتّافه بأمر العامّة، كما أخبر بذلك النّبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». وفي رواية أحمد: (قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
أيها المسلمون الغرباء
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في زمن الغربة: «أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ». وهناك: نُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ، وأناس يصلحون ما أفسده الناس، من أمر الدين والدنيا، هم قليل عددهم، وقوي بأسهم، مازالوا على الحق قائمين، ففي الصحيحين: (أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، وفي رواية مسلم: (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».
فالغرباء هم أهل الاستِقامة والثَّباتِ على الدِّين، هم قومٌ خالَفوا أهواءهم، واتَّبعوا الحقَّ المبين، فلم يغرَّهم كثرةُ المنتكِسين المائلين عن الحق، الذين اشتَروا الدنيا وباعوا الدين. فالغرباء في زماننا هذا لم تزِدهم الفتنُ إلَّا ثباتًا ويقينًا؛ طمعًا فيما عند الله جلَّ وعلا من نعيم، وأولئك هم الفائزون حقًّا، بشَّرهم ربُّهم بالأمن والسَّعادةِ في الدنيا والآخرة، وقال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ): أي فلهم الحياة الطيبة، فأبناء الإسلام الغرباء: هم من يتمسكون بدينهم، ويعملون على إعزازه، ورفع رايته، وحفظ حدوده، رغم كلّ العقبات والصّعوبات، وليس الأمر من السّهولة بمكانٍ، بل كما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» وقد أثنى القرآن على الغرباء، فيؤكّد في كثير من الآيات القرآنيّة أنّ أكثر أهل الأرض مجرمون، معرضون عن منهج القرآن والحقّ، وتبقى القلّة القليلة مستقيمةً على صراط الله تعالى، رغم ما يعترضها من عقباتٍ وصعوباتٍ في سيرها إلى الله تعالى، قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. وقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:116]. فالفساد قد ظهر، وعمّ العباد والبلاد، ومعتنقوه كثيرون، والقلّة القليلة هي التي تنهى عن هذا الفساد، وقد تُتّهم بخروجها عن المنطق السّليم من قبل بقيّة النّاس، ويصفونها بالتّيه والطّيش، وربّما نالهم شيءٌ من العذاب المعنويّ والجسديّ، ولكنّ كلّ ذلك لا تأثير له إن تسلّحوا بسلاح التّقوى والصّبر، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186].
أيها المسلمون
أما عن وسائل الإصلاح، ودفع الغربة، فيكون ذلك بوسائل عدة منها: أوّلاً: تحقيق الإيمان بالله تعالى: فالإسلام عقيدةٌ تنبثق منها شريعةٌ، وهذه الشّريعة تنظّم كلّ شؤون الحياة، ولا يقبل الله من قومٍ عبادتهم إلّا إذا صحّت عقيدتهم، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). فالمؤمنون الصّادقون ناجون في الدّين والآخرة، قال تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النّمل:53]. ثانياً: الأخوّة الإيمانيّة: فالمؤمن قويٌّ بأخيه، مستأنسٌ به، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]. والمؤمن يقوّي عزيمة أخيه المؤمن ويشدّ من أزره، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)، ثالثاً: العمل بفهمٍ وعلمٍ: قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمّد:19]. فمن سلك طريقاً بغير دليلٍ ضلّ، ومن تمسّك بغير الأصول ذلّ، والدّليل المنير في الظّلماء والأصل العاصم من الأهواء هو العمل بفهمٍ وعلمٍ، وفي سنن الدارمي: (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ: يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ)، رابعاً: الصّبر والثّبات: فلا بدّ من الصّبر، وتحمّل المصاعب والعقبات الّتي تعترض المسلم في مسيرته إلى الله تعالى، وواجبٌ عليه أن يثبت أمام كلّ الابتلاءات الّتي يُبتلى بها، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3]. خامساً: الالتزام بالجماعة ونبذ الفرقة: فالإسلام ما حرص على شيءٍ بعد كلمة التّوحيد، كما حرص على توحيد الكلمة، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. فالفرقة والاختلاف من أعظم أسباب الفشل وذهاب القوّة، وهذا ما يفرح أعداء الله، وفي زمن الغربة: أصلِح نفسَك، وألجِمها لجامَ التقوى، فلا نجاةَ في هذا الزَّمان إلَّا بتقوى الله، والتمسُّكِ بكتابه العزيز، وسنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ ففي سنن البيهقي: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ».
وفي زمان الغربة، كن في رَكْبِ الصَّالحين، وإيَّاك إيَّاك وصحبةَ الغافلين، فلا تنهمك في الدنيا مثلهم؛ فإنَّ التعلُّق بالدنيا وحبَّها لن يزيد قلبك إلا همًّا وغمًّا، ولن تأخذ منها إلَّا ما قدَّره اللهُ لك، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (زمن الغربة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وهناك بشريات لأهل الغربة: (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، فهذه بشارةٌ لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة للغرباء المتمسّكين بدينهم، في زمنٍ عمّ فيه الفساد، فحياة طيبة لكم أيّها الغرباء: يامن لازلتم ترون الحقّ حقّا، والباطل باطلاً، فتمسّكتم بالحقّ، رغم فقد الناصرين، ونصحتم النّاس رغم انعدام الطّائعين، ونهيتم عن المنكر، ولم تحابوا أو تجاملوا أحداً على حساب الدّين، أو تتلوّنوا مع المتلوّنين؛ الّذين داهنوا الحكام الظالمين المفسدين، فأنتم لم تتنازلوا عن المبادئ والقيم، فثبّتكم الله تعالى في الوقت الّذي تغيّرت فيه الأحوال، واختلطت فيه النّساء بالرّجال، ولا استغرابٍ أو إنكارٍ.
فهنيئا لكم أيّها الغرباء ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يبشّركم بعودة الإسلام بعد غربته الثّانية حينما قال: (وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا)، فكما كان بعد الغربة الأولى رفعةٌ للمسلمين وانتشارٌ لدين الإسلام، فكذا سيكون له بعد الغربة الثّانية -بإذن الله تعالى- نصرٌ ورفعةٌ وتمكينٌ في الأرض، كما أشار إلى ذلك ربنا سبحانه، حيث قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النّور:55]. وفي مسند أحمد: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ». ثُمَّ سَكَتَ)، وفيه أيضا: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ». فالحذر الحذر من اليأس والقنوط، فإنّ الله تعالى يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
الدعاء