خطبة حول قوله تعالى ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )
نوفمبر 30, 2024خطبة عن (الْجَهْلُ)
ديسمبر 4, 2024الخطبة الأولى (الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ).
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم: تأكيد على أن يحافظ المسلم على الصلاة، وإقامتها في أوقاتها، على الوجه المطلوب، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الزموا الصلاة، وأقيموا الصلاة بالمحافظة عليها، والمداومة على حقوقها)، والحديث يبين أيضا: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الصَّلاةَ، ويُعظِّمُ أمْرَها، ويُوصِي بها، وخير شاهد على ذلك: أنها كانت آخر وصاياه، وآخر ما تكلم به في مَرضِ الموتِ، ففي روايَةٍ: «حِينَ حَضَرَتْه الوَفاةُ وهو يُغَرغِرُ بِنفْسِه»، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةَ الصَّلاةَ»، أي: الْزَمُوا الصَّلاةَ، واحْذَروا تَركَها، أو عَدَمَ الإتْيانِ بها على وَجْهِها الكامِلِ؛ فَإنَّها أعظَمُ أركانِ الإسلامِ، وأشرَفُ العِباداتِ البَدنِيَّةِ،
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فهي آكد أركان الإسلام، بعد الشهادتين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (٣) البقرة، وقال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (٤٣) البقرة، وقال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ (٤٥) البقرة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، ففي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»، وفي سنن الترمذي: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ»
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامةِ من عمله، فإن قُبلت، قُبل سائر عمله، وإن رُدت، رُد سائر عمله، ففي سنن أبي داود: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاَةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلاَئِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاَةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ».
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فهي قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا، ففي سنن النسائي ومسند أحمد: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَىَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت :45، ومن حافظ على الصلاة فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها، فهو لما سواها أضيع، ففي سنن أبي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فإذا أردت أن تنظر إلى قيمة الإسلام عند العبد، فانظر إلى قيمة الصلاة عنده، فهي الدالة على إيمان العبد، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ»، وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»، وفي مسند أحمد: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْماً فَقَالَ «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً وَبُرْهَاناً وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ»،
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فحافظوا على صلاتكم، قبل أن يُحال بينكم زبينها، ففي سنن البيهقي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلاَةُ وَسَيُصَلِّي أَقْوَامٌ لاَ دِينَ لَهُمْ). وقال الإمام أحمد رحمهُ الله: (كل شيء فقد آخره، لم يبق منهُ شيء، فلا دين لما لا يصلي، فحافظوا على صلاتكم، وأدوها كما أمركم الله سبحانه وتعالى، بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وما تستطيعون من سننها، مع الخشوع فيها،
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): حافظوا على الصلاة فهي (تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت:45، فالذي يحافظ على الصلاة تنهه صلاتهُ عن الفحشاء والمنكر، والذي يتساهل في الصلاة، ويفرط فيها، فإنهُ لا يبالي، فهي عبادة عظيمة، لا يتساهل فيها أو يفرط فيها من في قلبهِ إيمان، وقد كثر التساهل بالصلاة في هذا الزمان،
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فالصلاة لها فضائل عظيمة: يكفر الله بها السيئات، قال تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود:114، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»، والمشي إلى الصلاة عبادة، وفي كثرة الخطاء إليها أجر عظيم، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (12) يس، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». وفي سنن الترمذي: (وَالْكَفَّارَاتُ الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ)، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «صَلاَةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّى – يَعْنِى عَلَيْهِ – الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): حافظوا على الصلاة، فهي تعين المسلم على مشاق الحياة، وعلى جلب الرزق، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة:45، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة: 153، فيستعان بالصلاة على المصائب والمشاق، وفي سنن أبي داود: (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى). وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «يَا بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا».
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فهي من سمات المؤمنين، قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون (1) (2)، فلا يحافظ عليها إلا أهل الإيمان، وأما الذي يضيعها أو يتهاون بها فليس من أهل الإيمان؛ بل من أهل الإضاعة والخذلان،
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فهي من أحبُّ وأعظمُ ما يَتقرب به العبد إلى ربه من الفرائض، ففي صحيح البخاري: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ).
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فالصلاةُ شِيَم الأنبياء، وشعار الأولياء، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾[الأنبياء: 73]. وهي عهد وميثاق، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فالصلاة نور في الوجه، وانشراح للصدر، وصلاح للبدن، وتطهير للذنب ومصدر للقوة، ومجلبة للرزق والبركة، وهي المَفْزَع والملجأ إذا حزَب الأمر ونزلت المصائب.
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فالصلاة يَعرِف بها العبد قدره ومكانته عند الله، فقد قيل: (مَنْ أرادَ أنْ يعَلَمَ مَا لَهُ عندَ اللهِ، فلْيَنظُرْ ما للهِ عندَهُ). فإذا أردت أن تعرف قدرك ومنزلتك عند الله، ففتش عن رغبتِكَ في الصلاة، وحبِّكَ للصلاة، وتعظيمِكَ للصلاة. وعن الحسن البصري قال: (يا ابن آدم أي شيء يَعز عليك من دينك إذا هانت عليك الصلاة).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ): فالله سبحانه وتعالى حذر من إضاعة الصلاة، فقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (59) مريم، وقال تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (42)، (43) المدثر، وقال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) (4)، (5) الماعون، وعقوبة ترك الصلاة عقوبة ثلاثية: (في الدنيا والقبر والآخرة)، أما الدنيا: فضيق ونكد وهم وغم وحزن ونصب وتعب، وقلق وخوف ووحشة، وأما في القبر: فقد روى البخاري: (من حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ: “أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ”، فهذا عذابه إلى أن تقوم الساعة، وإذا قامت الساعة فالساعة أدهى وأمر، لأن مصير الكافر إلى النار، وهي نَاْرٌ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَليْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ،أما عمقها :ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً فَسَمِعْنَا وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا». قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «هَذَا حَجَرٌ أُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً فَالآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا».
فاتق الله أخي المسلم، وأنقذ نفسك من تلك النار، بأداء ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، قبل أن يداهمك الموت، ثم تقول: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [ الزمر56 ]، فحافظ على صلاتك، ففيها نجاتك، واعلم أن باب التوبة مفتوح، فادخل على رب العالمين، قابل التائبين، والعافي عن المذنبين.
الدعاء