خطبة عن الجهاد الكبير ،وقوله تعالى ( وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا )
ديسمبر 14, 2024خطبة عن (القَلْبُ المُنِيبُ)
ديسمبر 17, 2024الخطبة الأولى (الشَّامُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين: (أن مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، وفي سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ». قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ «عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». وفي مسند أحمد وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ – حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ – بِالشَّامِ».
إخوة الإسلام
بلاد الشام هي المعروفة الآن: (بسوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، وهي من أفضل بلاد الله تعالى، ويكفيها شرفاً أن فيها المسجد الأقصى، الذي ذكره الله في كتابه الكريم، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (1) الاسراء، فأسرى الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم إليه، ففي صحيح البخاري: (أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ»، وكان بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى، ففي صحيح البخاري: (عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا)، والمسجد الأقصى هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ – صلى الله عليه وسلم – وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»،
فالشام بلد طيب ومبارك، وقد استقبل الشام الفتح الإسلامي أطيب استقبال، وحمل أهله هذا الدين، وانطلقوا به مع إخوانهم من الأقطار الأخرى، ينشرون دين الله في أقطار الأرض، ويعلون كلمة الله، وكانتْ (دمشق) – بعد عهد الخلفاء الراشدين- هي عاصمة الإسلام، وكانت مركزًا علميًّا، يقصدها الراغبون في العلم، ونيل المعرفة، وتعلم أحكام الدين، فقد قامت فيها “المدارس” المتعددة، فكان فيها مدراس للقرآن، ومدارس للقراءات، ومدارس للحديث، ومدارس للفقه بمذاهبه المختلفة، كما كان فيها أبطال عظماء، فتحوا الفتوح، وقادوا الجيوش، وحققوا الانتصارات، ومنهم: (نور الدين محمود زنكي، وصلاح الدين الأيوبي)، وغيرهم، وكان فيها من العلماء العدد الكبير: (كابن الصلاح، والنووي، والمِزِّي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن عساكر)، وغيرهم الكثير.
فالشام بلد الخير، والحق، والتدين، والخلق الكريم، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة ومتعددة، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا وَفِى نَجْدِنَا. قَالَ «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِى نَجْدِنَا فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةَ «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»، وفي سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ». قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ «عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». وفي مسند أحمد وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ – حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ – بِالشَّامِ». وفي سنن الترمذي ومسند أحمد وصحّحه الألباني: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ »، وفي سنن أبي داود ومسند أحمد وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ ». وفي صحيح مسلم: (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ)، وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال عصابة من أُمّتي قائمة على أمر الله، لا يضرّها من خالفها، تقاتل أعداءها، كلما ذهبت حرب نشبت حرب قوم آخرين، يرفع الله قومًا ويرزقهم منه حتى تأتيهم الساعة» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم أهل الشام» (أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وحسّن إسناده الأرناؤوط ، وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَخْرُجُ نَارٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ من حَضْرَمَوْت تحشرُ الناس»، قلنا: “فماذا تأمرنا يا رسول الله؟” قال: «عليكم بالشام» (أخرجه أحمد والترمذي وصحّحه الألباني)، وفي سنن الترمذي: (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طُوبَى لِلشَّأْمِ ». فَقُلْنَا لأَىٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لأَنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا »
أيها المسلمون
ومِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ، فقد رَوَى الإِمَامُ أحمَد والحَاكِمُ: (أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ». ثُمَّ قَالَ: «لَيُفْتَحَنَّ لَكُمْ الشَّامُ، وَالرُّومُ وَفَارِسُ، أَو الرُّومُ وَفَارِسُ، حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِن الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِن الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِن الْغَنَمِ، حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا». ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ هَامَتِي، فَقَالَ: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَت الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ». وَلَيْسَ المَقْصُودَ بِهَا خِلَافَةَ بَنِي أُمَيَّةَ.
والخِلَافَةَ التي ستكون على منهاج النبوة في آخر الزمان، سَتَكُونُ أيَّامَ المَهْدِيِّ، الَّذِي سَيَسْتَقِرُّ فِي بِلَادِ الشَّامِ، بَعدَ خُرُجِهِ مِن بِلَادِ الحِجَازِ لِقِتَالِ الرُّومِ، نُصْرَةً لِلمُسْلِمِينَ هُنَاكَ، وبَعدَ نُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَليهِ السَّلامُ، فخِلَافَة المَهْدِيِّ فِي بِلَادِ الشَّامِ تُملأُ الأَرضُ عَدْلاً وقِسْطاً، وتُخرِجُ الأَرضُ خَيْراتِهَا وبَرَكَاتِهَا، ويَمْلاُ اللهُ قُلُوبَ هَذِهِ الأمَّةِ غِنَىً، وقد رَوَى الإِمَامُ الحَاكِمُ: (عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي المَهْدِيُّ يَسْقِيهِ اللهُ الغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطَى المَالُ صِحَاحَاً، وَتَكْثُرُ المَاشِيَةُ وَتَعظُمُ الأُمَّةُ، يَعِيشُ سَبعَاً أَو ثَمَانِيَاً» (يَعنِي حِجَجاً)، ورَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ». وفي رِوَايَةٍ للإمَامِ مُسلِم: (عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ. ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيَاً، لَا يَعُدُّهُ عَدَدَاً». وروَى الإِمَامُ أحمَد: (عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ». قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ». وروَى أبو داوُد: (عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمرُو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، قال: سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ».
أيها المسلمون
ولبلاد الشام فضائل كثيرة ومتعددة: فمن فضائل الشام: أن الملائكة باسطة أجنحتها للشام: فقد روى الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده: (مِن حَدِيثِ زَيدِ بنِ ثَابِتٍ رضي اللهُ عنه: قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ، قُلتُ: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: المَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجنِحَتَهَا عَلَى الشَّامِ”، ومن فضائل الشام: أن الله تكفل بالشام وأهله: فقد روى أبو داود في سننه: (مِن حَدِيثِ ابنِ حَوَالَةَ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ. قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ”، ومن فضائل الشام: أن عمود الكتاب والإسلام بالشام: فقد روى الحاكم في المستدرك: (مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضي اللهُ عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “إِنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحتِ وِسَادَتِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا إِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ”. وَعَمُودُ الْكِتَابِ وَالِإسْلَامِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَهُمْ حَمَلَتُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ. ومن فضائل الشام: أن الطائفة المنصورة من الشام: فقد روى الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده: (مِن حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ ابْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ ،لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”، وروى مسلم في صحيحه: (مِن حَدِيثِ سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”. وَأَهْلُ الْغَرْبِ: هُمْ أَهلُ الشَّامِ، ومن فضائل الشام: وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى الشام: فقد روى الإمام أحمد في مسنده: (مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ. قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ”، ومن فضائل الشام: مدح النبي صلى الله عليه وسلم للشام، وأنها خير المنازل: فقد روى أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده: (مِن حَدِيثِ أَبِي الدَّردَاءِ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ”، وفي رواية: “يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الكُبرَى فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ بِأَرضٍ يُقَالُ لَهَا: الغُوطَةُ، فِيهَا مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، خَيرُ مَنَازِلِ المُسلِمِينَ يَومَئِذٍ”،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الشَّامُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل الشام: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام بالشام: فقد روى مسلم في صحيحه : (مِن حَدِيثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي اللهُ عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ”، ومن فضائل الشام: أن هلاك المسيح الدجال يكون في الشام: فقد روى مسلم في صحيحه: (مِن حَدِيثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِندَمَا ذَكَرَ وُصُولَ المُسلِمِينَ إِلَى الشَّامِ، قَالَ: “فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى اللهُ عليه وسلم فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ”، ومن فضائل الشام: أن الشام عُقْرُ دار المؤمنين: روى الإمام أحمد في مسنده: (مِن حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ”، قال ابن الأثير: عُقْرُ دار الإسلام الشام، أي: أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن أي يكون الشام يومئذ آمنًا منها، وأهل الإسلام به أسلم.
الدعاء