خطبة عن (القَلْبُ المُنِيبُ)

                               الخطبة الأولى (القَلْبُ المُنِيبُ)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (31): (35) ق، وقال تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (8) ق، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) (27) الرعد

إخوة الإسلام

قال تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء :٢٥]، وقال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال:٧٠]. وفي الصحيحين البخاري ومسلم: (يَقُولُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «…، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلَبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلَبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ المَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ». وفي صحيح مسلم: (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ». وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

أيها المسلمون

ولما كان القلب هو أعظم الحواس، وهو الرائد والأساس، وهو المصلح للناس، وعليه المعول والإحساس، تنوعت موارده، وتفاوتت أوصافه، وتعددت صفاته وأنواعه، ومن أنواع القلوب كما جاء ذكرها في القرآن الكريم: (القَلْبُ المُنِيبُ)، وهو القلب التائب من ذنوبه، والراجع مما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضيه، القَلْبُ المُنِيبُ: هو القلب الدائم الرجوع والتوبة إلى الله، والمقبل على طاعته، فهو قلب شديد التعلق بخالقه، فما إن يشعر بأنه ابتعد عن الحق لحظة، حتى يرجع مسرعًا إليه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (201) الأعراف، والقلب المنيب: هو القلب الذي يهتدي بهدي خالقه ومولاه في كلّ أموره، وطوال حياته، حتى أصبح الرجوع إلى الله عنده ملكة راسخة، والقـلب المـنيب: هـو القلب السليم الذي قال الله تعالى فـيه: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشـعـراء 88 ـ 89)، فهو قلب سليم من الإصرار على الكفر والمعاصي، وسليم من النفاق، وسليم من الحسد، قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (الزمرـ 54).  والقلب المنيب: يكون عارفا لحرمة الله تعالى، ومواليا له، ومتواضعا لجلاله، وتاركا لهوى نفسه، وصاحب القلب المنيب: من النقاء بمكان، فلا حسد، ولا ضغينة، وقد عكف قلبه على طاعة الرحمن، وعلى محبته، والإقبال عليه، والإخبات له، وقد تخللت طاعة الله ومحبته مسالك روحه، وما ترك في قلبه لأحد شيئاً، فلا يحب إلا ما أحبه الله، ولا يبغض إلا ما أبغضه الله، ولا يقرب إلا ما قربه الله، ولا يبعد إلا من أبعده الله، ولا يعطي إلا لله، ولا يأخذ إلا لله، ولا يمنع إلا له، وهو يوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله.

وصاحب هذا القلب يمشي على الأرض بين الناس وهو مغفور له، ومبشر بالجنات، ففي مسند أحمد: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ إِنِّي لاَحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثاً فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ. قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَلاَثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئاً غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْراً فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلاَ هَجْرٌ ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَكَ ثَلاَثَ مِرَارٍ «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَلاَثَ مِرَارٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ. قَالَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي. فَقَالَ مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلاَ أَحْسُدُ أَحَداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ).    

أيها المسلمون

قد يكون القلب سببًا للخلود في الفردوس الأعلى، بما فيه من الإيمان والحب والتقوى، وقد يكون سبيلًا إلى الدرك الأسفل من النار، بما فيه من كفر ونفاق وقسوة وطغيان، فقلوبنا  مخزن لأسرارنا، فقد يظهر البعض سلوكًا مختلفًا عما يخفيه في قلبه، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، الذى فطر القلوب، واطلع على ما تخفيه عن الأعين، قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (19) غافر،

ومن أفضل القلوب: القلب الأبيض، فهو ينبض حبًا وعشقًا لخالقه، ويأنس به ويناجيه في كل أحواله، ولا يرى سوى دلائل قدرته ولا يسمع إلا نداء طاعته، ومن أفضل القلوب: القلب المخبت: وهو قلب خاضع تمامًا للمولى عز وجل، لا يطمئن إلا حين يقف بين يديه، مؤديًا للطاعات، ولا يسكن إلا في معيته، قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحج: (54)، ومن أفضل القلوب: القلب الوجل: وهو القلب الذي يخاف الله ويخشاه، في السر والعلانية، فهو وإن كثرت طاعته، إلا أنه يظل يخشى ألا يقبل منه العمل، فيضاعف من عمله وطاعته، قال تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ” المؤمنون:60. ومن أفضل القلوب: القلب التقي: وهو الذي يعظّم شعائر الله، ويقدس صفات الرحمن، ويحافظ على الفرائض والتكاليف بشدة، حبًا في الله، وفى دينه، قال تعالى: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” الحج:32. ومن أفضل القلوب: القلب المهدي: وهو قلب هداه خالقه إلى الطريق الصحيح، فنراه قلبا راضيا بقضاء الله، ومستسلم لأمره، قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن (11)، ومن أفضل القلوب: القلب المطمئن: وهو القلب الذي يهدأ بذكر الله، ويسكن بتوحيده سبحانه وتعالى، ويطمئن بطاعته ليلًا ونهارًا، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد، ومن أفضل القلوب: القلب الحي: وهو قلْب واع ومتدبر، يَعْقِل مَا قَدْ سَمِعَ مِنْ أحوال الأمم السابقة، فيحاكي الصالحين، ويعتبر من العصاة، قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (36)، (37) ق،

                            أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                             الخطبة الثانية (القَلْبُ المُنِيبُ)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

أما أسوأ القلوب: فهي القلوب الميتة التي لا حياة فيها، قد بَعُدَ أصحابها عن خالقهم، وانحرفوا عن فطرتهم السوية، فانغمسوا في الكفر أو المعاصي، حتى قست قلوبهم، فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة، وجلبت عليهم الشقاء في الآخرة، وتندرج تحت هذه القلوب الميتة: القلب الأعمى: وهو قلب لا يرى نور الحق، ولا يدرك حقيقة خلقه، ولا الهدف من وجوده، فهو يعيش لدنياه فقط ولا يرى آخرته ليعمل لها، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (46) الحج، ومنها: القلب اللاهي: وهو القلب الغافل عن خالقه، والمنصرف عن القرآن الكريم، فهو قلب مشغول بالدنيا وشهواتها عن الآخرة ونعيمها، قال تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (2)، (3) الأنبياء، ومنها: القلب المريض: وهو قلب أصابه مرض من أمراض القلوب المختلفة، التي تبعده عن الله مثل: الشرك أو الفجور أو حب الشهوات والمحرمات، قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب:32، وقال تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) البقرة:10، وقال تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (53) الحج، ومن القلوب الميتة: القلب الآثم: وهو الذي يكتم شهادة الحق، ويبتعد عن الصدق، مرتكبًا ما حرمه الله بلا خوف ولا خشية، قال تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (283) البقرة، ومنها: القلب المتكبر: وهو المتعالي عن عبادة خالقه، والمستكبر عن توحيده وطاعته، والجبار بكثرة ظلمه وعدوانه، قال تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (34)، (35) غافر، ومنها: القلب الغليظ القاسي: وهو قلب قاسٍ، نُزعت منه الرأفة والرحمة واللين، فأصبح لا مكان فيه للحب والحنان، قال تعالى: “وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ” آل عمران:159. وقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة:13، ومنها: الَقلب الأغلف: وهو قلب غطته كثرة المعاصي، وغلفه العناد والبعد عن الحق بغلاف صلب، قال تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) (87)، (88) البقرة، ومنها: القلب الزائغ: وهو الذي مال عن الحق، وانحرف عن الطريق المستقيم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) آل عمران:7، وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (5) الصف.

                                            الدعاء