خطبة عن (أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ)
يوليو 12, 2025خطبة عن (إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
يوليو 12, 2025الخطبة الأولى (أسباب نعيم القبر)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في سنن أبي داود وغيره: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ فَيَقُولُ: دِينِى الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ قَالَ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَيَقُولاَنِ: وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ». قَالَ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ». قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا». قَالَ: « وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ».
إخوة الاسلام
تناولت معكم في لقاء سابق (نعيم القبر)، وهذا النعيم الذي يلاقيه العبد المؤمن في قبره، إنما هو حصيلة إيمانه وأعماله الصالحة في الحياة الدنيا، وأذكر لكم بعض الأسباب لنعيم القبر، فمنها: الإيمان، والعمل الصالح، والاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على الفرائض والنوافل: ففي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وصححه الألباني: (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ”،
ومن أسباب نعيم القبر: الشهادة في سبيل الله: ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»، وفي الحديث: (أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ فِي أَيِّ الْجَنَّةِ شَاءُوا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَنَادِيلِهَا).
ومن أسباب نعيم القبر: الرباط في سبيل الله، كما جاء في الحديث: (كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهُ يَنْمُو عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) (رواه أبو داود)
ومن أسباب الفوز بنعيم القبر: دعاء العبد ربه أن يجيره من عذاب القبر: (قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ” (رواه مسلم). فإذا أجير المؤمن من عذاب القبر، فإنه سيتنعم فيه، وسيجد فيه الفسحة والنور، والبهجة والسرور.
ومن أسباب الفوز بنعيم القبر: المحافظة على قراءة سورة الملك: ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لاَ يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ (تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ) حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ألا فاعملوا بهذه الأسباب لتنعموا في قبوركم ،وتسعدوا في آخرتكم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسباب عذاب القبر)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وليكن معلوما لديكم أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من عذاب القبر، ويأمر أصحابه بالتعوذ منه، وقد أخبرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بعض أسباب عذاب القبر للمؤمنين، ومنها: عدم الاستتار والتنزه من البول، ففي الصحيحين: (مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ»، ومنها: الغُلول: وهو الأخذ من الغنيمة سرّاً قبل قسمتها، وأخذ المال العام، وكذا خيانة الشريك لشريكه، في التجارة أو غيرها: ففي الصحيحين: (أن مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَبْدٌ لَهُ .. فقامَ عَبْدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِىَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ فَقُلْنَا هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ». ومنها :الدين: ففي مسند أحمد: (عَنْ سَعْدِ بْنِ الأَطْوَلِ قَالَ مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ وَتَرَكَ وَلَداً صِغَاراً فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ». ومنها النياحة على الميت، ففي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ»،
ومنها الكذب: ففي صحيح البخاري، في حديث الرؤيا: (قال صلى الله عليه وسلم: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟، ثم قال عن هذا المعذب في آخر الحديث: (إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق)،
الدعاء