خطبة عن (الله هو الرَّزَّاقُ) 2
يوليو 12, 2025الخطبة الأولى (الله هو الرَّزَّاقُ) 1
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (58) الذاريات،
إخوة الإسلام
الرزق ليس مقصورا على الأموال.. ولكن الرزق أشمل من ذلك: (فهو كل ما ينتفع به)
(فالمال والصحة، والولد والزوجة والعلم والصحبة والجيران والجوارح والإيمان والدواب والاطعمة والملبوسات والسكن، ومن الرزق اللسان الصادق ومحبة الناس والجمال والاخلاق والقناعة والرضا ….) كل ذلك من الرزق
وجاء اسم الله تعالى (الرَّزَّاقُ) بصيغة المبالغة في (الكم والنوع)، فالله يرزق ويعطي كثيرا ، ويرزق الكثير من الكائنات والمخلوقات، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود ، فالله تعالى هو (الرَّزَّاقُ): يرزق خلقه، ويتكفل بأقواتهم، ورزقه سبحانه وسع كل المخلوقات ،المؤمن والكافر، والولي والعدو، والضعيف والقوي، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (126) البقرة، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لَيْسَ أَحَدٌ – أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ – أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»، ولكن هناك رزق خاص بالمؤمنين (مثل القلوب المؤمنة، والعلم النافع، والإيمان الصادق، والرزق الحلال الذي يعين على الطاعات، والأخلاق الكريمة، والحكمة، والفقه في الدين)، قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (269) البقرة، وفي الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ»
أيها المسلمون
ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين: (الرَّزَّاقُ– الرازق): أن المتفرد بالرزق هو الله وحده، فلا نبتغي الرزق من غيره، قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ) سبأ (24)، وقال تعالى: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (64) النمل ، وما دام الخالق والرازق هو الله، ولا يشاركه في أحد، إذن فلنعبده ولا نشرك معه غيره، قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ) (73) النحل، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (40) الروم، وقال تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (21) الملك، وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (60) العنكبوت، ومن دعاء الرسول كما في الصحيحين: (اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ)، ورزقك هو ما انتفعت به، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النفع فيما رواه مسلم: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ». وفي رواية له: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَي ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ». ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين (الرَّزَّاقُ– الرازق): أن أرزاق الله تعالى لا تنفد ولا تتوقف، ولو سأله جميع الخلق لأعطاهم، وما نفدت خزائنه، ففي صحيح مسلم: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)، وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَمِينُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ ». ونؤمن أيضا: أن الله تعالى فضل بعضنا على بعض في الرزق، فيجعل من يشاء غنيا، ويجعل من يشاء فقيرا، وذلك لعلمه بحالنا، وهو خبير بما يصلحنا، قال تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) (71) النحل، فالله تعالى من أسمائه (الحكيم) فهو يفعل كل شيء بحكمة ولحكمة، وعن علم وخبرة، فالله تعالى جعل في الناس فقراء وأغنياء، لأنه لو بسط الرزق لجميع عبادة سيبغون في الأرض، ولكن الفقر يصبح دافعا وسببا للاجتهاد وإظهار الخبرات والكفاءات والتفوق للخروج منه إلى الاكتفاء أو الغنى، قال تعالى: (ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا في الأرْضِ ولَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى (27). وجاء في بعض الأخبار: (إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالقلة، ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمته لكفر)… وفي قول آخر: (إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، فلو بسطت له لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي بقلوبهم، إني عليم خبير). وقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (30) الاسراء، ونؤمن أيضا: أن كثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله تعالى للعبد، وأن قلة الرزق لا تعني كراهية الله للعبد، قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (15): (20) الفجر، وقال تعالى: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (36)، (37) سبأ، وقال تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) (55)، (56) المؤمنون،
أيها المسلمون
ونؤمن أن كثرة الأموال والأولاد ليست هي التي تقرب من الله، ولكنه الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (37) سبأ
وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ وَلاَ يُعْطِى الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ)، ونؤمن أيضا: أن تقوى الله تعالى سبب للرزق والبركة فيه، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (66) المائدة، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (96) الأعراف، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (2)، (3) الطلاق، وقد وعد الله المؤمنين الشاكرين بالزيادة في الرزق: فقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم: (7)، وتوعد الله المصرين على المعصية بعدم البركة في الرزق، أو الحرمان منه، ففي مسند أحمد: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ)، ومن المعلوم أن أعظم الرزق هو(الجنة)، قال تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (4) الانفال، وقال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) (11) الطلاق
أيها المسلمون
والمؤمن لا يطلب رزقه بالحرام، أو بالحرص والتقتير والبخل، ولكنه يطلبه بالحلال، وينفق مما آتاه الله بغير اسراف ولا تبذير، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ».
وفي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لاَ تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنَ الْحَلاَلِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ»، وفيه: « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ وَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ»، وفي سنن ابن ماجه: (أن صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ قُرَّةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَىَّ الشِّقْوَةَ فَمَا أُرَانِي أُرْزَقُ إِلاَّ مِنْ دُفِّي بِكَفِّى فَأْذَنْ لِي فِي الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ فَاحِشَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ آذَنُ لَكَ وَلاَ كَرَامَةَ وَلاَ نُعْمَةَ عَيْنٍ كَذَبْتَ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ لَقَدْ رَزَقَكَ اللَّهُ طَيِّبًا حَلاَلاً فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مِنْ حَلاَلِهِ).
ومن استعجل الرزقَ بالحرام مُنِع الحلالَ: دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك عليّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامها، ومضى وترك البغلة، فخرج علي وفي يده درهمان ليكافئ بها الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي رضي الله عنه: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له.
وقد تساهل الكثير في الكسب وتحصيل المال، وهذا دليل على فساد الناس في هذا الزمان ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ»
والمؤمن لا يسأل الناس الرزق، ولكن إذا جاءه بغير سؤال فليقبله، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ». وفيه أيضا: (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». وفيه أيضا: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». وفي مسند البزار: (عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: لَوْ أَعْطَيْتُهُ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَيَقُولُ: يَا عُمَرُ، مَا آتَاكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ قَالَ وَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ فَرَدَدْتُهُ، فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكَ أَنْ رَدَدْتَ مَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ قُلْتُ: إِنَّ خَيْرًا لَكَ أَلا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا، قَالَ: إِنَّمَا ذَاكَ أَنْ تَسْأَلَ النَّاسَ، وَمَا جَاءَكَ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَهُوَ رِزْقٌ رَزَقَكَ اللَّهُ).
أيها المسلمون
والمؤمن لا يجحد نعم الله تعالى فيحرم منها نفسه، أو يمنعها من خلقه، ففي سنن النسائي: (عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ فَقَالَ أَلَكَ مَالٌ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَالَ فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ )، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ »
وواجب على صاحب المال أن ينفق مما آتاه الله، ويتصدق ويحسن على عباد الله المحتاجين، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) البقرة: (254)، وفي الصحيحين: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ »، وفيهما: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، والمؤمن يرضى بما قسم الله له من الرزق بكل أنواعه، ففي سنن الترمذي: (فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ »، وفيه: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ)، وفي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال «أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الله هو الرَّزَّاقُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والإيمان بأن الله هو (الرَّزَّاقُ) يثمر صدق التوكل على الله، فهو يعلم أن رزقه مكتوب، ففي صحيح البخاري: (قال رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ)، وفي صحيح مسلم: «يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَيُكْتَبَانِ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَيُكْتَبَانِ وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ». وعلى المؤمن أن يشكر الله تعالى على رزقه ونعمه صباح مساء، ففي سنن أبي داود: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ. فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ».
وفي قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39) سبأ، روي في بعض الأخبار: (عن نبي الله سليمان عليه السلام: أنه رأى نملة تجر حبة قمح وبجهد إلى بيتها فقال لها سليمان عليه السلام: كم يكفيك من حبوب القمح لمدة سنة؟، قالت النملة: حبتان. قال سليمان عليه السلام: سوف أضعك في صندوق وأجعل لك حبتين لمدة سنة بدل بحثك عن حبوب القمح، وأغلق عليها الصندوق وجعل لها حبتين وجاء لها بعد سنة فوجد النملة أكلت حبة وتركت الحبة الثانية فاستغرب وغضب نبي الله سليمان عليه السلام وقال للنملة: لماذا تكذبين علي؟، تقولين تكفيني حبتين في السنة وأنتِ خلال سنة أكلتي حبة واحده فقط، قالت النملة: كانت تكفيني حبتين وكان الله لا ينساني ويرزقني، أما عندما أقفلت علي الصندوق ولم استطع أن أخرج فأكلت حبة وأدخرت حبة ثانية لأعيش بها قدر المستطاع حتى لا أموت، وخشيت أن تنساني). وفي قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (22)، (23) [الذاريات]. سمعها أعرابي وهو يطوف بالبيت، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله، من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه حتى ألجؤوه إلى اليمين؟!، وعن جابر رضي الله عنه؛ أن النبي (ﷺ) قال: (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ) (حلية الأولياء وصححه الألباني)
أيها المسلمون
ونحن نؤمن أن الأرزاق مقسُومةٌ وفق علمه وحكمته تعالي، ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَو يُؤخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ. فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنه قال: “قَالَتْ أُمُّ حَبيبَةَ زَوْجُ النبيِّ (ﷺ): اللَّهُمَّ أَمْتعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله (ﷺ)، وَبأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبأَخي مُعَاوْيَةَ، فَقَالَ النبيُّ (ﷺ): “قَدْ سَألْتِ اللَه لآجَالٍ مَضْرُوبَة، وأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَّابٍ في النَّارِ أَوْ عَذَابٍ في الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وأَفْضَلَ” رواه مسلم، وما دام الأرزاق مقسومة ومعلومة ومؤكدة، إذن فلم الهم؟، وأين التوكل على الله الرزاق؟، ففي مسند أحمد: (أن نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً»، ويحكي أنه جلس إبراهيم بن ادهم رحمه الله يوما ووضع بين يديه بعضا من قطع اللحم المشوي فجاءت قطة فخطفت قطعة من اللحم وهربت، فقام وراءها وأخذ يراقبها فوجد القطة قد وضعت قطعة اللحم في مكان مهجور أمام جحر في باطن الأرض وانصرفت فازداد عجبه وظل يراقب الموقف باهتمام وفجأة خرج ثعبان أعمى ، يخرج من الجحر في باطن الأرض ويجر قطعة اللحم إلى داخل الجحر مرة أخرى، فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقال سبحانك يا من سخرت الأعداء يرزق بعضهم بعضا. ومما أورده ابن كثير -رحمه الله-: “أن الغراب إذا فقس عن فراخه البَيْض خرجوا وهم ِبيضٌ، فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أيامًا، حتى يسودّ الريش، فيظل الفرخ فاتحًا فاه يتفقد أبويه، فيقيّض الله -تعالى- طيورًا صغارًا كالبرغش فيغشاه، فيتقوت به تلك الأيام حتى يسودّ ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفروا عنه، حتى إذا رأوه قد اسودّ ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق”
أرأيتم كيف يتولى الله رزق الضعفاء حين يتخلى عنهم أقرب الأقرباء الرحماء؟! إنها منتهى الرحمة من الله وكمال الربوبية. ويذكر أحدهم: أنه كان لديه هرٌّ يهتم به، وبطعامه، وكان يعطيه كل يوم ما يكفيه من الطعام، ولاحظ رب البيت أن الهر لم يَعُد يكتفي بالقليل مما يقدّم له من الطعام، فأصبح يسرق غير ما يُعطى له، فرصده صاحبه وجعل يراقبه، فوجده يذهب بالطعام إلى هرٍّ أعمى، فيضع الطعام أمامه ليأكله. ونستكمل الموضوع في لقاء قادم.
الدعاء