خطبة عن (الله هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
يوليو 26, 2025خطبة عن (الخليل إبراهيم) 3
يوليو 26, 2025الخطبة الأولى (الخليل إبراهيم) 4
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) (41) مريم، وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (125) النساء، وقال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (124) البقرة.
إخوة الإسلام
ونواصل الحديث عن نبي الله ابراهيم الخليل (عليه السلام): أما عن الدروس والعبر التي نستخلصها من قصة نبي الله إبراهيم فهي كثيرة، وأذكر لكم منها: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى: وقد ضرب لنا إبراهيم عليه السلام أروع الأمثلة في كيفية الدعوة إلى الله تعالى؛ فنجده بدأ بدعوة أقرب الأقربين منه وهو أبوه آزر، ونجده يخاطب أباه بأرق عبارة، وبألطف إشارة، وبأبلغ بيان، وهذا هو الأسلوب الذي يجب أن ينتهجه القائم بأمر الدعوة، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. ثم نجده عليه السلام لم يترك وسيلة يتوقع عن طريقها أن يهتدي أبوه وقومه إلا استخدمها، كالدعوة باللين والحكمة ثم بالحجة البالغة عن طريق المشاهدة والمعاينة. ومع ذلك يجب أن يعلم الداعي إلى الله أن الهداية بيد الله وحده، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272]. ومن الدروس المستفادة – الصبر على المصائب وتحمل الأذى: فقد لاقى إبراهيم عليه السلام في سبيل الدعوة إلى الله تعالى الكثير من الأذى من قومه ووالده، فقد هدده والده بالرجم إن لم ينتهِ عن الدعوة، وقام قومه بتسفيهه والتحقير من شأنه ومع ذلك صبر وواصل مشوار الدعوة حتى أجمع قومه على حرقه في النار، ومع ذلك لم يرجع عن دعوته وإنما صبر وتوكل على الله وفوض أمره لله تعالى، وكما في حديث ابن عباسٍ قال: “{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}” (رواه البخاري). فمما يجب علينا أن نصبر على تحمل الأذى في سبيل الدعوة ولا ننسى أن جميع الرسل والأنبياء قد لاقوا من أقوامهم ما لاقوا ومع ذلك صبروا واحتسبوا، ولم يتخلوا يومًا عن مهمتهم الشريفة تلك. ومن الدروس المستفادة – الهجرة في سبيل الله: فالواجب على المسلم أن يهاجر بدينه من أرض الكفر وأرض الفتن إلى أرض أخرى ليدعو إلى الله ويعبد الله تعالى فيها. فقد هاجر إبراهيم عليه السلام من بلاده بابل في العراق إلى الأرض المقدسة ومن ثم إلى مصر ثم عاد مرة أخرى إلى الأرض المقدسة. وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أولاً بالهجرة إلى الحبشة ليفروا بدينهم من الفتن ومن العذاب الذي كاله لهم الكفار، ثم هاجر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه مرة أخرى إلى المدينة المنورة لينشر الإسلام. وكذلك عند التوبة يجب على المرء أن يعتزل أهل المعاصي وأن يهاجر من دياره إلى ديار المؤمنين الصالحين الذين يعبدون الله تعالى ويعينونه على الطاعة. ومن الدروس المستفادة – صدق التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: وهذا نراه جليًا واضحًا فيما فعلته السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام عندما تركها إبراهيم عليه السلام وحيدة في مكان لا زرع فيه ولا ماء ولا إنس ولا طير، عندما علمت أن الله سبحانه هو من أمر خليله بهذا أيقنت أنه تعالى لن يضيعهم وسيرزقهم ومع ذلك لم تتكل على هذا الأمر وتجلس تنتظر وإنما سارعت إلى الجبال القريبة منها وصعدتها لتنظر إن كان هناك زرع أو ماء قريب بل إنها لم تقعل ذلك مرة واحدة وإنما فعلت ذلك سبع مرات. فالتوكل هو صفة من صفات المؤمن الحق، أما التواكل فليس من صفات المؤمن. قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، فالقلب يعتمد على الله جلَّ وعلا ويعلم يقينًا أن الله بيده كل شيء ومع ذلك على المرء أن يأخذ بالأسباب الموصلة إلى الهدف الذي يسعى من أجله. فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين على الله تعالى أخذ بالأسباب في هجرته الشريفة وفي الكثير والكثير من المواقف. ومن الدروس المستفادة – الفزع إلى الصلاة حال الخوف: ففي الصلاة راحة للنفس وطمأنينة للقلب ومناجاة للرب؛ فإن إبراهيم عليه السلام فزع إلى الصلاة ونصب قدميه بين يدي ربه حينما ذهبت زوجته سارة إلى جبار مصر.. قام يدعو الله عز وجل ولم يزل كذلك حتى عادت زوجته سالمة غانمة بفضل الله تعالى. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الصلاة إذا ألَمَّ به خطبٌ ما. فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى” (رواه أحمد وأبو داوود). ومن الدروس المستفادة – الاستغفار بعد الفراغ من العبادة: وهذا شأن الصالحين حيث تكون قلوبهم وجلة خائفة ألا يتقبل الله منهم أعمالهم؛ فإبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل قالا بعد الفراغ من بناء البيت الحرام: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:127، 128].
ومن الدروس المستفادة – من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه: فالله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين لا يتفضل عليه أحد من العالمين فمن ترك من أجله شيئًا عوضه مثله وزيادة؛ فإن إبراهيم عليه السلام لم أيس من قومه قرر أن يعتزلهم ويبتعد عنهم فوهب الله سبحانه وتعالى له على الكبر إسماعيل وإسحاق.قال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم:49]. ومن الدروس المستفادة: إكرام الضيوف وآداب الضيافة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (رواه البخاري). ورد السلام بأحسن منه؛ قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء:86].
أيها المسلمون
ومن الدروس المستفادة من قصة ابراهيم عليه السلام: طلب الولد الصالح: فقد قال إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ). فَطَلَبَ مِنَ الله تعالى الْوَلَدَ, وَلَمْ يطلب أيَّ ولد؛ وإنما طلب ولدًا صالحًا؛ لأن من أفضل نعم الله تعالى على العبد أن يرزقه بالولد الصالح؛ ذكرًا كان أو أنثى؛ فينفع وَالِدَيْهِ في الدنيا والآخرة. فيَبِرُّ أبويه في الدنيا ولا يُغْضِبُهُمَا, وَيُلَبِّي أوامرهما؛ فيعيشان في راحة بالٍ, وسعادة, وينفعهما بعد مماتهما بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة, وهذا من أشد ما يحتاجه المرء بعد موته؛ كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. وجميع الناس يتمنون من الله عز وجل الولد الصالح؛ إلا أن كثيرًا منهم لا يأخذون بالأسباب المؤدية إلى ذلك. ومن الدروس المستفادة من قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام: التأدب في الدعاء: فلما قال إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) استجاب الله تعالى له على الفور, فقال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ).والفاء في قوله: (فبشرناه) تفيد الفورية. وإنما ذلك لأن إبراهيم عليه السلام تأدب بآداب الدعاء, ومن الدروس المستفادة من قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام: بر الوالدين: فإسماعيل عليه السلام لما قال له أبوه عليه السلام: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). فأطاع والده ولم يعص أمره؛ فَبِرُّ الوالدين من أفضل القربات إلى الله تعالى, وهو من صفات الأنبياء. وقال تعالى عن يحيي عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 15]. وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]. ولشدة أهمية هذا الأمر فإن الله تعالى قرنه بالأمر بعبادته سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي نِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23]. وفي (صحيح البخاري) (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ». وفي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». وعند مسلم: (عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ، قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: «فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». وفي السنن: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: «ارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الخليل إبراهيم) 4
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وماذا عن موقف أهل الكتاب من نبي الله ابراهيم، وعن جدالهم في الانتماء اليه، قال تعالى: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (64): (68) آل عمران، فينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعواهم كون الخليل على ملتهم وطريقتهم ، فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله: (وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ): أي فكيف يكون على دينكم، وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة؟، وقال تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة:140، فنزه الله عز وجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا ، وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين؛ وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ». ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ، وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ)
لقد كان إبراهيم -عليه السّلام- حنيفا مسلما، وأوصى بنيه بذلك وساروا على نصيحة والدهم وكذلك حفيده يعقوب -عليه السلام- وأولاده، فقد كانوا جميعا مسلمين، وليس كما ادّعى اليهود والنصارى فيما بعد، أنهم كانوا يهوداً أو نصارى، لقد كذب اليهود عندما قالوا للناس كونوا يهودا تهتدوا، وكذب النصارى عندما قالوا للناس كونوا نصارى تهتدوا. فإبراهيم وأبناؤه (الأنبياء) لم يكونوا يهودا، ولم يكونوا نصارى، ولم يكونوا مشركين، وإنما كانوا مسلمين حنفاء، وكل منهم كان يوصي أولاده -وهو على فراش الموت- بالإسلام.
أما عن وفاة نبي الله إبراهيم: فقد ورد ما يدل أنه عاش مائتي سنة، ولما توفاه الله دفن في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم بفلسطين المحتلة.
الدعاء