خطبة عن (طاعة الزوج والزوجة) مختصرة
سبتمبر 28, 2025خطبة عن (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً)
سبتمبر 30, 2025الخطبة الأولى (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (4): (8) الاسراء، وقال تعالى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (19) الأنفال،
إخوة الاسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، وقوله تعالى: (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) (19) الأنفال، فقد جاء في التفسير الميسر أن المعنى: (عسى ربكم -يا بني إسرائيل- أن يرحمكم بعد انتقامه إن تبتم وأصلحتم، وإن عدتم إلى الإفساد والظلم عُدْنا إلى عقابكم ومذلَّتكم)،
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء فهذه السنة الربانية ليست قاصرة على بني إسرائيل، بل في هذه الآيات تحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل، فسنة الله واحدة لا تبدل ولا تغير، ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة اليوم، عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم عقوبة لهم، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله، مكن الله لهم في الأرض، ونصرهم على أعدائهم، فسنن الله تعالى – لا تتخلف، ومن أبرزها: أن الإيمان والصلاح عاقبتهما الفلاح، وأن الكفر والفساد عاقبتهما الشقاء، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، فتلك هي سُنن الله في الغابرين والحاضرين، فأَبْشِروا وأمِّلُوا، وبدينكم فاستمسكوا، واللهُ -عز وجل- غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقوله تعالى: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)، فهذا وعد الله للمستكبرين، وهذا وعد الأحرار للظالمين.
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، وقوله تعالى: (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) (19) الأنفال،، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد:11، فهذه الآيات وغيرها، إن كانت تحمل بين طياتها تحذيرا لأهل الكفر والمعاصي، فهي أيضا تفتح باب الأمل والتوبة للتائبين والعائدين والمنيبين إلى الله تعالى، فقد يكون المعنى: فإن عدتم إلى الإيمان بعد الكفر والنفاق، وعدتم إلى الطاعات بعد المعاصي والموبقات، عدنا إلى المغفرة والرحمة، وقبول التوبة، وإن غيرتم ما بأنفسكم من المعاصي والموبقات، غيرنا ما بكم من العقوبات، فمن صفات المتقين أنهم: إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا، فإذا هم مبصرون، وأنهم إذا وقعوا في الذنب تابوا واستغفروا، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران:135، فقد وعد الله سبحانه وتعالى بالرحمة والغفران من تاب واستغفر بعد الذنب، فقال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام:54، وقال الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء:110.
فباب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو يعاين الموت ويتيقنه، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر:53، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي.
أيها المسلمون
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، فيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَذَكَّرَ عَلَى الدَّوَامِ رُجُوعَهُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَقد وُجِدَ فِي الدُّنْيَا لِيَنْتَقِلَ مِنْهَا، لَا لِيَبْقَى فِيهَا، قال تعالى: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) [الْعَلَقِ:8]،
وَفِي حَالِ الْمُصِيبَةِ يُعْلِنُ الْمُؤْمِنُ رجُوعه إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِيُخَفِّفَ مُصَابَهُ، وَيَرْجُوَ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [الْبَقَرَةِ: 156]. وَمَنْ كَانَ رُجُوعُهُ إِلَى رَبِّهِ حَتْمًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ ذَلِكَ الرُّجُوعَ كُلَّ حِينٍ، وَمَنْ كَانَ رُجُوعُهُ إِلَى رَبِّهِ حَاضِرًا فِي ذِهْنِهِ عَلَى الدَّوَامِ؛ قَوِيَ إِيمَانُهُ وَيَقِينُهُ، وَوَاجَهَ الْمَصَاعِبَ بِثَبَاتٍ وَعَزْمٍ، وَأَخَذَ الدِّينَ بِقُوَّةٍ، وَلَمْ يَأْسَ عَلَى شَيْءٍ فَاتَهُ، وَلَمْ يَجْزَعْ مِمَّا أَصَابَهُ، وَعَاشَ فِي النَّاسِ عَزِيزًا، وَمَاتَ حَمِيدًا، وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ سَعِيدًا؛ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَى تَمَسُّكِهِ بِدِينِهِ؛ وَعَلَى زُهْدِهِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَالنَّاسُ يُحِبُّونَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وَيَكْرَهُونَ مَنْ يُنَافِسُهُمْ فِيهَا. وَسَعِدَ فِي آخِرَتِهِ لِأَنَّهُ يَجِدُ عُقْبَى إِيمَانِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ؛ فَقَدْ أَمْضَى دُنْيَاهُ يَسْتَعِدُّ لِرُجُوعِهِ إِلَى رَبِّهِ، وَلَنْ يَخِيبَ عَبْدٌ عَاشَ دُنْيَاهُ كُلَّهَا لِأَجْلِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، فَمَنْ كَانَ رُجُوعُهُ إِلَى رَبِّهِ حَاضِرًا فِي قَلْبِهِ عَلَى الدَّوَامِ، نُصِبَتْ أَرْكَانُهُ فِي الصَّالِحَاتِ، ولَازَمَ الصَّلَاةَ وَالْقُرْآنَ، وَنَافَسَ فِي الطَّاعَاتِ، وَسَابَقَ إِلَى الْخَيْرَاتِ. فهو يَبْنِي دَارَهُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا، وَيَكْتَفِي مِنْ دُنْيَاهُ بِمَا يُبَلِّغُهُ آخِرَتَهُ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْفُرْصَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْخَسَارَةُ فِيهَا فَادِحَةٌ، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الْمُؤْمِنُونَ:99-100].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، ويقول: (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) (19) الأنفال، فعليك أيها العائد إلى الله بالاجتهاد في الطاعات، فهي من أعظم السبل لتحقيق الصلاح، ومن ذلك: المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة، والمحافظة على الورد اليومي للقرآن، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والمحافظة على الدعوة إلى الله بحكمة بالغة، والمحافظة على الأمر بالمعروف بمعروف، والنهي عن المنكر بغير منكر، والمحافظة على الإحسان للفقراء والمساكين، والحرص على زيارة المرضى، والحرص على زيارة المقابر، والحرص على الإحسان لكل من يريد الإحسان، واجتهد في الطاعات ولا تنس أن تقوم بالليل لله عز وجل بركعات، فالليل أنس المحبين، وروضة المشتاقين.
وعليك صدق الاستعانة بالله جل وعلا، فالله تبارك وتعالى هو الذي يحول القلوب، وهو الذي يملك القلوب، قال سبحانه: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [المدثر:٣١] وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩]، فسل الله جل وعلا أن يهدي قلبك، وأن يرزقك الصلاح، وأن يرزقك الإيمان، وأن يرزقك الاستقامة على طريق الله، وعلى طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعليك أيها العائد إلى الله: أن تراقب آفات نفسك، قبل أن تتكلم وبعد أن تتكلم، وقبل أن تعمل وبعد أن تعمل، وفتش عن آفات النفس، فالنفس أمارة بالسوء، وهي عدو خطير بين جوانبنا لا نفطن إليه، ولن نتمكن من رفع السيف إلا إذا تمكنا من الانتصار على هذه النفس الأمارة بالسوء، قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف :٥٣].
فانظر إلى عيوبك، وآفات نفسك، لتنظر في الوقت ذاته إلى فضل الله عليك، ونعم الله عليك، مع ما أنت فيه من عيب ونقص وتقصير، ولتعلم أن كل نعمة وفضل إنما هي محض فضل الله عليك، ولو عاملك الله تبارك وتعالى بما أنت عليه من عيب وتقصير ما من الله عليك بهذه النعم، وهذا الفضل، وانظر إلى ستر الله عليك، لتجدد التوبة بعد كل معصية، ولتعمل صالحاً يرضي الله سبحانه وتعالى. وصدق الله إذ يقول: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) (8) الاسراء، ويقول: (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) (19) الأنفال،
الدعاء