خطبة عن (من أحوال الكافرين والمؤمنين عند الموت)
أكتوبر 1, 2025خطبة عن ( احذر الفراغ القاتل )
أكتوبر 4, 2025الخطبة الأولى (من أسباب تأخر النصر)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (214) البقرة، وقال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء:79، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) الرعد:11.
إخوة الإسلام
لماذا تأخر النصر؟، سؤال كثيرا ما يأتي على قلوب بعض المؤمنين ـ وخصوصا في فترات ظهور الكفر واستعلائه، وأفول الحق، وانتفاش الباطل، وتسلط الظلم، وكثرة القهر، وتجبر السلطان على رقاب أهل الإيمان، وسومهم سوء العذاب، قتلا وسجنا وقهرا- فعندئذ تشرئب القلوب الطيبة، إلى بصيص الرحمة الربانية، وتتساءل الألسنة، عن سبب تأخر نصر الله لأوليائه المؤمنين، وهذه سنة ربانية سطرها القرآن الكريم في ثناياه، لتكون درسا لكل مؤمن، يأتي في أي زمن من الأزمان، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (214) البقرة،
والإجابة تأتي من الله تعالى واضحة جلية، قال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} (214) البقرة. ويكفينا في ذلك أن نذكر قول الله تعالى تعقيبا على حديث الإفك: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) {النور:11}، وفي صحيح البخاري: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ،فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
فمن أهم أسباب تأخر النصر على الأعداء: الذنوب والمعاصي، التي تقع من المسلمين: (فقد جاء رسول عمر بن الخطاب من إحدى الغزوات، فبشره بالنصر، فسأل عمر بن الخطاب: متى بدأ القتال؟، فقالوا: قبل الضحى، قال: متى كان النصر؟، فقالوا: قبل المغرب، فبكى عمر حتى ابتلت لحيته، فقالوا: يا أمير المؤمنين نبشرك بالنصر فتبكى؟، فقال رضي الله عنه: والله أن الباطل لا يصمد أمام الحق طوال هذا الوقت إلا بذنب أذنبتموه أنتم أو أذنبته أنا، وأضاف قائلاً: نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد، ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا، وكثرة ذنوب الأعداء، فلو تساوت الذنوب، انتصروا علينا بالعدة والعتاد)، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلاَّ الْبِرُّ وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ».
ومن أسباب تأخر النصر: الإعراض عن أمر الله جل جلاله, وهذا يشمل الارتياب والشك, فمن ارتاب بنصر الله لا يمكن أن يُنصر.
ومن أسباب تأخر النصر: إرادة الدنيا: فالطمع والهلع سبب لتأخر النصر، لأن الله تعالى قال للمؤمنين يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} آل عمران: (152).
وكذلك من أسباب تأخر النصر: حصول الخلاف داخل صفوف المسلمين أنفسهم، فالتقاتل، والتناحر، والتخاذل، وإسلام بعضهم لبعض، كل هذا من أسباب الهزيمة, أو تأخر النصر.
وأيضا من أسباب الهزيمة أو تأخر النصر: الدخن في التصور والمنهج، والابتعاد عن منهج الله تعالى، وما تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, فكل هذه من أسباب تأخر النصر الموعود.
والنصر قد يتأخر على الذين آمنوا: لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية، وتتجمع لتعرف أقصى طاقتها، من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا، لعدم قدرتها على حمايته طويلا.
وقد يبطئ النصر: حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا، إلا بذلته هينا رخيصا في سبيل الله.
وقد يتأخر النصر: حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله سبحانه وتعالى.
وقد يبطئ النصر: لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجها إلا اليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله به.
وقد يتأخر النصر: لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحيتها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده، وفي سبيله، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
كما قد يبطئ النصر: لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية خير، يريد الله أن يجرد الشر منها، ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير، تذهب في الغمار، فقد قال الله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (25) الفتح
وقد يتأخر النصر: لأن الباطل الذي تحاربه الأمة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يظل الباطل حتى يتكشف عاريا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية.
وقد يتأخر النصر: لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الخير والحق والعدل، الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة، لا يستقر لها قرار، فيظل الصراع، قائما حتى تتهيأ النفوس من حولها لاستقبال الحق الظافر،
أيها المسلمون
وهناك أيضا شروط وأسباب لتأخر النصر، غفل عنها الناس، وأهمُّها: إخلاص نيتهم لله تعالى؛ فالعبادات كلها لا تُقبَل إلا بالإخلاص، والله تعالى حين فرض على نبيه -صلى الله عليه وسلم- الجهاد قال له: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39]، وقال تعالى: ﴿ كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف:14].
ومن شروط النصر: الثقة في الله تعالى: فالمسلمون لا ينصرون بعدد ولا عدة، وإنما ينصرون من السماء، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (126) آل عمران، وقد نُحرَم النصر لأنَّنا نظنُّ أننا كثيرون، وأعدادنا تكفي لفعل ما نريد، بل علينا أن نقول: إننا نُنصر للحق الذى معنا، وإن قلَّت أعدادُنا، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (25)، (26) التوبة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أسباب تأخر النصر)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن شروط النصر: الترابُط وترك التنازع: قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال:46]،
ومن شروط النصر: الصبر وإن طالت الفترة: فتأخُّر النصر ابتلاء؛ والمسلم لا تُهمُّه الفترات ،هو يعيش يَطلُب الحق، ويدعو إليه، ويُؤمِن به، منتظرًا النتيجة من الله تعالى.
ومن شروط النصر: أن نَنصُر الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].
ومن شروط النصر: الثبات: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45].
ومن شروط النصر: أن يكون الهدف من النصرة إقامة الشريعة: قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج: 41]
إننا نحن –المسلمين- لو أخَذنا بما يجب علينا مِن أسباب النصر لنُصرنا، وسُنَّة الله تعالى في الكون لا تتخلَّف، قال تعالى: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ [غافر:85]، وقال تعالى: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (43) غافر.
الدعاء