خطبة عن (اللهُ يُنَادِينَا: يَا عِبَادِي)
أكتوبر 8, 2025خطبة عن (قِصَّةُ مُوسَىٰ مَعَ الخَضِر: فِقْهُ الاِبْتِلَاءِ وَحِكْمَةُ القَضَاءِ)
أكتوبر 9, 2025الخطبة الأولى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (77)، (78) الحج.
إخوة الإسلام
الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين، وإعلاء كلمة الدين، وتأديب الكافرين والمنافقين، وتسهيل انتشار الدين بين العالمين، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضل الجهاد، وفضل المجاهدين، من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، على المشاركة في جهاد أعداء رب العالمين، والجهاد في سبيل الله فرض كفاية على المسلمين، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ولكن قد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية، التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها، إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام، أو حاصر بلده العدو، أو كان حاضرا بين الصفين، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة.
ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين، قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة:41، وفي صحيح البخاري: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ – كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ». وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»، وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَا أَحَدٌ يَدخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَن يَرجِعَ إِلى الدُّنيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرضِ مِن شَيءٍ إِلاَّ الشَّهِيدَ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَن يَرجِعَ إِلى الدُّنيَا فَيُقتَلَ عَشرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفسُ محمدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدتُ أَن أَغزُوَ في سَبِيلِ اللهِ فَأُقتَلَ ثم أَغزُوَ فَأُقتَلَ ثم أَغزُوَ فَأُقتَلَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَالَ: «مَن مَاتَ وَلم يَغزُ وَلم يُحَدِّثْ بِهِ نَفسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَالَ: «مَن لم يَغزُ أَو يُجَهِّزْ غَازِيًا أَو يَخلِفْ غَازِيًا في أَهلِهِ بِخَيرٍ، أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
أيها المسلمون
وَقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ): فمعناه: (اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ فِيهِ)، ولَا تَخَافُون فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وقيل: هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه؛ أي جاهدوا أنفسكم في طاعة الله، وردوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في رد وسوسته، والظلمة في رد ظلمهم، والكافرين في رد كفرهم، فالجهاد في الله حق جهاده: هو القيام التام بأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله، بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة وتعليم، وقتال، وأدب، وزجر، ووعظ، وغير ذلك، وقوله: (حَقَّ جِهَادِهِ) أي: جاهدوا في سبيل الله تعالى – من أجل إعلاء كلمته، ونصر شريعته، جهادا كاملا صادقا، لا تردد معه، ولا تراجع.
وَقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ): فيَجِبُ عَلَى المُسلِمِينَ الإِعدَادُ بِكُلِّ مَعَانِيهِ، وَأَن يَسُدَّ كُلٌّ مِنهُم في ذَلِكَ مَا قِبَلَهُ مِنَ الثُّغُورِ، فالعُلَمَاءُ بِإِظهَارِ الحَقِّ عَمَلاً بِالمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ عَلَيهِم بِالبَيَانِ وَعَدَمِ الكِتمَانِ، وَالعَامَّةُ بِرَدِّ مُهِمَّاتِ الأُمُورِ إِلى أَهلِهَا،
والجَمِيعَ مُطَالَبُونَ قَبلَ ذَلِكَ أَن يُجَاهِدُوا نُفُوسَهُم، إِذْ إِنَّ جِهَادَ الأَنفُسِ هُوَ الأَصلُ وَالأَسَاسُ وَالعُمدَةُ، فإن لم يُفلِحُوا في جِهَادِ أَعدَائِهِمُ الدَّاخِلِيِّينَ، فَلَن يُفلِحُوا في جِهَادِ أَعدَائِهِمُ الخَارِجِيِّينَ، قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: وَلَمَّا كَانَ جِهَادُ أَعدَاءِ اللهِ في الخَارِجِ فَرعًا عَلَى جِهَادِ العَبدِ نَفسَهُ في ذَاتِ اللهِ، ففي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وقَالَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم: «المُجَاهِدُ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ في طَاعَةِ اللهِ، وَالمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ»، ولهذا كَانَ جِهَادُ النَّفسِ مُقَدَّمًا عَلَى جِهَادِ العَدُوِّ في الخَارِجِ وَأَصلاً لَهُ، فَإِنَّهُ مَا لم يُجَاهِدْ نَفسَهُ أَوَّلاً، لِتَفعَلَ مَا أُمِرَت بِهِ وَتَترُكَ مَا نُهِيَت عَنهُ، وَيُحَارِبْهَا في اللهِ، لم يُمكِنْهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ في الخَارِجِ، فَكَيفَ يُمكِنُهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ، وَالانتِصَافُ مِنهُ، وَعَدُوُّهُ الَّذِي بَينَ جَنبَيهِ قَاهِرٌ لَهُ، مُتَسَلِّطٌ عَلَيهِ، لم يُجَاهِدْهُ وَلم يُحَارِبْهُ في اللهِ، فلا يُمكِنُهُ الخُرُوجُ إِلى عَدُوِّهِ حتى يُجَاهِدَ نَفسَهُ عَلَى الخُرُوجِ.
أيها المسلمون
وَقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ): فمن أنواع الجهاد: الجهاد بالكلمةِ، وهو من أعظمِ أنواعِ الجهادِ في سبيل الله، فقد روى الإمام أحمد: (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، ولو نظرت في حياة الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) لرأيت عددًا كبيرًا منهم لم يحاربْ قومَه بالسيف، ولم يقاتلهم أبدًا، فهل تراه لم يكن من المجاهدين؟، الاجابة: لا بل كانوا شيوخَ المجاهدين، وقادَتهم وقدوتَهم، ولقد جاهدوا أعظمَ الجهادِ، وصدعوا بكلمة الحقِّ في وجه الطُّغاة المتجبرين، ونشروا دينَ الله عزَّ وجلَّ في الخافقين، وصبَروا على أذى العُتاة المجرمين، وقال ابن القيم رحمه الله: (لم يكنِ المنافقون يقاتلون المسلمينَ، بل كانوا معهم في الظَّاهرِ، وربَّما كانوا يقاتلون عدوَّهم معهم، ومعَ هذا قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ”، ومعلوم أنَّ جهادَ المنافقين بالحجَّةِ والقرآنِ. والمقصودُ أنَّ “سبيلَ الله” هي: الجهادُ، وطلبُ العلمِ، ودعوةُ الخلقِ به إلى الله. ولهذا قال معاذ (رضى الله عنه): (عليكم بطلبِ العلمِ؛ فإنَّ تعلُّمَه لله خشيةٌ، ومدارستَه عبادةٌ، ومذاكرتَه تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وَقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ): فمن أنواع الجهاد: جهاد من ينتسبون إلى الإسلام، ويطعنون فيه في خفاء، ويلبسون على عامة المسلمين دينهم؛ فهو من أعظم الجهاد في سبيل الله، وكذا جهاد الكافرين الذين يقذفون بشبهاتهم على الإسلام، يريدون هدمَه، ويدسون في دين الله سمومهم؛ فهو من أعظم الجهاد في سبيل الله، وفي برك لوالديك جهاد، ففي الصحيحين: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»، وفي أداء الفرائض جهاد، فَعِندَ الطَّبَرَانيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: «وَأَفضَلُ الجِهَادِ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ في ذَاتِ اللهِ عز وجل». وتعليم المسلمين جهاد، فكان ابن القيم رحمه الله يقول: (إنَّ تبليغَ سنَّتِه -صلى الله عليه وسلم- إلى الأمَّةِ أفضلُ من تبليغِ السِّهامِ إلى نحورِ العدوِّ؛ لأنَّ ذلك التبليغَ يفعلُه كثيرٌ من النَّاسِ ،وأمَّا تبليغُ السُّننِ فلا تقومُ به إلا ورَثةُ الأنبياءِ وخلفاؤهم في أمَمِهم).
ولا يعني كلامنا هذا إبطال الجهاد في سبيل الله عز وجل بالسيف، وإنما أردنا بيان أنَّ هذا أحدُ أنواع الجهاد في سبيلِ الله، وأنَّ مفهومَ الجهادِ في الإسلامِ أشملُ من هذا، فالجهاد في الإسلام لا يكون بالنفس فحسب، بل يكون بالنفس والقلب واللسان والمال.
أيها المسلمون
أما عقوبة من ترك الجهاد، وهو يقدر عليه، فهي عقوبة شديدة، ففي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَئِنْ أَنْتُمُ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِيُلْزِمَنَّكُمُ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ ثُمَّ لاَ تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». وفي سنن أبي داود: (عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا: هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَالإِلْقَاءُ بِالأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَعَ الْجِهَادَ). قَالَ أَبُو عِمْرَانَ : فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ).
الدعاء