خطبة عن (مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ)
أكتوبر 27, 2025الخطبة الأولى (التَّوحيدُ أَساسُ النَّجاةِ وَالفَوزِ في الدُّنيا وَالآخِرَة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].
إخوة الإسلام
هذه الآيةُ العظيمةُ تلخِّصُ رسالةَ الأنبياءِ والرُّسلِ جميعًا؛ من أوَّلِهم نبي الله نوحٍ (عليه السَّلامُ) إلى خاتَمِهم رسول الله محمدٍ ﷺ، فلم تكن دعوتُهم دعوة إلى حضارةٍ دنيويَّةٍ، ولا إلى جاهٍ أو سلطانٍ، وإنما كانت دعوتُهم إلى توحيدِ اللهِ جلَّ وعلا، وإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه.
والتوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، والاعتقاد الجازم بأنه الخالق الرازق المدبر، الذي له وحده حق الطاعة والعبادة، لا شريك له ولا ندّ له،
والتوحيد الخالص هو مفتاح الجنة، قال ﷺ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وقد أمر الله تعالى الناس في كتابه العزيز بالعبادة الخالصة له، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:21.
والتوحيد هو العاصم من الضلال، وهو الأمان يوم الفزع الأكبر، وهو الذي يورث الطمأنينة في الدنيا، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الانعام:82.
وقد عاش الصحابة (رضي الله عنهم) بهذا التوحيد، فثبتوا في وجه الفتن، وتركوا الدنيا خلفهم، ولم يكن شيء أعظم في قلوبهم من الله جل وعلا، فهذا بلال (رضي الله عنه) يعذب في رمضاء مكة، ويُجرّ على الصخور وهو يقول: أحدٌ أحد، ثابتًا على التوحيد، لم يزحزحه العذاب ولم تفتنه الدنيا.
أيها المسلمون
فالتوحيد هو أعظمُ قضيةٍ في حياة الإنسان، وهو الغايةُ التي خُلق من أجلها، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]. وما العبادة إلا توحيدٌ لله في القصد والطاعة والدعاء والمحبة والرهبة والرغبة.
واعلموا أن كلمةُ التوحيد “لا إله إلا الله” هي أثقلُ شيءٍ في الميزان يوم القيامة، ففي الحديث: «لَوْ وُضِعَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» (رواه ابن حبان وصححه الألباني).
ولكن ليكن معلوما أن هذه الكلمة ليست مجرَّدَ لفظٍ يُقال، أو شعارٍ يُرفع، بل هي عقيدةٌ راسخةٌ في القلب، تُثمرُ عملاً صالحًا، وتوجِّهُ المسلمَ في كل شأنه، فمن قالها بلسانه، وخالف عملُه مضمونَها، لم ينتفع بها، ولذلك أكد رسو الله صلى الله عليه وسلم حينما قال ﷺ: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه البخاري).
فالتوحيد ليس قضيةً نظريةً تُدرَّس فقط، بل هو حياةٌ كاملة: فهو الذي يملأ قلبَ العبدِ طُمأنينةً حين تضطرب الدنيا، وهو الذي يثبِّته أمام الفتن والمحن، وهو الذي يمنحه القوة والشجاعة، لأنه يعلم أن الأمر كله لله، فبلال ابن رباح لم يكن يملك مالاً ولا قوةً ولا عشيرة، ولكنه يملك التوحيد، فكان أقوى من جلاديه.
وانظروا إلى سحرة فرعون، حينما آمنوا بربِّ موسى وهارون، وواجهوا بطش الطاغية، قال لهم: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١]، فما ضعفوا وما استكانوا، بل قالوا في إيمانٍ وثبات: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} [طه:٧٢-٧٣].
هذا هو أثر التوحيد حين يملأ القلوب: ثباتٌ في الدنيا، ونجاةٌ في الآخرة.
أيها المسلمون
إن ضعف التوحيد في القلوب يجرّ إلى الشرك الخفي والظاهر، وإلى التعلق بالمخلوقين، وإلى الخوف من البشر أكثر من الخوف من الله، وهذا من أعظم البلاء، وضعفَ التوحيدِ في حياتنا اليوم هو سببُ كثيرٍ من أدوائنا: فهو سببُ تعلق الناس بالوسائط والمخلوقين، وسبب خوفهم من البشر أكثر من خوفهم من الله، وسبب انشغالهم بالمظاهر عن جوهر الدين، فنرى أقوامًا يتوجهون إلى القبور يستغيثون بأهلها، أو يتخذون الأولياء وسطاء بينهم وبين الله، وهذا من أعظم ما ينافي كمال التوحيد، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨].
أيها المسلمون
ولنحقِّق التوحيد الخالص عمليًّا في حياتنا، فعلينا أن نحققه في صلاتنا، حين نقف بين يدي الله، فلا نلتفت بقلوبنا إلى غيره، ونحققه في صيامنا، إذ نترك الشهوات سرًّا وعلنًا ابتغاء وجهه، ونحققه في زكاتنا، إذ نعلم أن المال ماله، ونحن مستخلفون فيه، وفي حجنا، حين نهتف: “لبيك اللهم لبيك” فلا لغيره وجهة ولا مقصد.
ومن علامات التوحيد الخالص أيضًا: أن يحيا المسلم رقيبًا على نفسه، يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، فهذه المراقبة هي ثمرة التوحيد الحق.
فليجتهد كلٌّ منا في تجديد إيمانه وتوحيده، وليفتش في قلبه عن شوائب الشرك الخفي: من رياءٍ، أو طلبِ سمعةٍ، أو خوفٍ من غير الله، أو طمعٍ فيما عند الناس.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم
الخطبة الثانية (التَّوحيدُ أَساسُ النَّجاةِ وَالفَوزِ في الدُّنيا وَالآخِرَة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠]. فالتوحيد الصادق يُثمر الاستقامة على طاعة الله، فليس التوحيد كلمةً بلا عمل، بل هو التزامٌ بالصراط المستقيم، وثباتٌ على الدين حتى نلقى الله تعالى.
والتوحيد هو الذي يثبّت المسلم عند الموت، ففي الحديث: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه أبو داود).
وهو الذي يجعل المؤمن أسعد الناس بشفاعة النبي ﷺ يوم القيامة، كما قال ﷺ: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» (رواه البخاري).
فلنغرس هذه العقيدة في قلوبنا وقلوب أبنائنا، ولنربِّهم عليها منذ نعومة أظفارهم؛ فإن التوحيد حصنٌ من الشرك والبدع والضلالات.
ولنكن نحن القدوة العملية في بيوتنا، نعبد الله بإخلاص، فلا يروا منا رياءً ولا نفاقًا.
فاللَّهُمَّ ثبِّتنا على التوحيد حتى نلقاك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله.
الدعاء
