خطبة عن (التَّوحيدُ أَساسُ النَّجاةِ وَالفَوزِ في الدُّنيا وَالآخِرَة)
أكتوبر 28, 2025خطبة عن (تربية الأبناء أمانة ومسؤولية)
أكتوبر 29, 2025الخطبة الأولى (حلاوة الإيمان، وطمأنينة القلب)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]. وروي في الصحيحين: (عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
إخوة الإسلام
الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فهو اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح ،وأركانه ستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، مع التصديق الجازم بكل ما أتى به الرسول ﷺ من عند الله عز وجل، والتسليم به والقبول والإيقان.
والإيمان ليس كلماتٍ تُتلى، ولا مظاهرَ تُظهَر، بل هو حياةٌ تعمُرُ القلوب، ونورٌ يُضيء الأرواح، وسكينةٌ تسري في النفوس، وحين يستقر الإيمان في قلب العبد المؤمن، يتذوق حلاوته، ويشعر بطعمه، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». وفي الحديث المتقدم أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ)، فللإيمان طعم وحلاوة، ولذة لا تعدلها لذَّة، وسعادة لا تُضاهيها سعادة، مَن حُرِمَه عاش في قلقٍ واضطراب، ومَن وُفِّق إليه ذاق أعظم نعيمٍ في الدنيا قبل نعيم الآخرة.
وقد وعد الله تعالى المؤمنين بالحياة الطيبة، والحياة الطيبة ليست في كثرة الأموال، ولا في زخارف الدنيا، بل هي في طمأنينة القلب، وراحة البال، وسكينة الروح.
وقد ذاق حلاوة الإيمانَ الصحابةُ الكرام، فكانوا ينامون على الجوع، ويستيقظون على الفقر، ومع ذلك كانوا أسعد الناس قلوبًا، وأصفاهم نفوسًا، قال بعض السلف: “لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من نعيم الإيمان لجالدونا عليه بالسيوف”.
وهذه الحلاوة هي التي جعلت بلالاً (رضي الله عنه) يثبت تحت العذاب ويقول: “أحدٌ أحد”، وجعلت مصعبَ بنَ عميرٍ يترك ماله وتجارته، ونعيم مكة وزخارفها، ويُهاجر بدينه، حتى استُشهد يوم أُحد، وليس له كفنٌ يغطي جسده.
وحلاوة الإيمان لا تُنال بالتمنِّي، وإنما تُنال بالصبر على الطاعة، والبعد عن المعصية، وكثرة الذكر، ومجالسة الصالحين، وتلاوة القرآن، ومحاسبة النفس عند الزلَّة، قال الحسن البصري (رحمه الله): “تفقدوا حلاوة الإيمان في ثلاث: في الصلاة، وفي القرآن، وفي الذكر؛ فإن وجدتموها فاحمدوا الله، وإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب قد أُغلق”.
وقلوب البشر تبحث عن الطمأنينة، وتلهث وراء السعادة، فلن تجدها إلا في ظلِّ الإيمان، فكم من غنيٍّ عاش في قصره، وهو في همٍّ وغمٍّ، وكم من فقيرٍ بات على حصيرٍ، وهو في سرورٍ وسعادة ورضا.
فالسعادة الحقيقية في الرضا عن الله، وفي الثقة بوعده، وفي حسن الظنِّ به، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:28].
أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». فالحديث يُرشدنا إلى مفاتيح حلاوة الإيمان.
وأولها: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إلى العبد من كل شيء، فيُقدِّم أمر الله على هواه، وطاعة رسول الله ﷺ على شهواته، فإذا دعته نفسه إلى معصيةٍ تذكَّر محبة الله فامتنع، وإذا سوَّلت له دنياه اتباع الهوى، استحضر عِظَم مكانة رسول الله ﷺ فوقف.
وثانيها: أن يحبَّ المرء لأجل الله، لا لغرضٍ دنيوي ولا لمصلحةٍ زائلة، بل يجمعه بأخيه الإيمان، ويفرِّق بينه وبين آخر الكفر والعصيان.
وثالثها: أن يكره الكفر والعودة إليه كما يكره أن يُقذف في النار، فيبقى قلبه مُعلَّقًا بالثبات على الدين، خائفًا من الفتنة، مُتضرِّعًا إلى الله بالهداية والتوفيق.
ألا فلنحرص على أن نسلك طريق الإيمان، ولنُربِّ قلوبنا على محبة الله ورسوله، وعلى محبة المؤمنين الصالحين، وعلى بغض الكفر والمعصية، عندها سنذوق لذَّة الطاعة، ونعيش حياة الطمأنينة، ونفوز بالدارين.
أقولُ قَولي هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية (حلاوة الإيمان وطمأنينة القلب)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن القلب إذا ذاق لذة الإيمان صار كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإذا ذاق طمأنينة الذكر، استغنى بالله عن الناس، وإذا ذاق حلاوة القرب من الله، استصغر الدنيا بما فيها.
فكيف السبيل إلى حلاوة الإيمان؟، فهناك أبوابٌ عديدة لتشعر بحلاوة الإيمان وطعمه، ومنها :المحافظة على الصلاة بخشوعها وطمأنينتها، فإنها صلةٌ بين العبد وربه، وميدان لذوق حلاوة المناجاة، وقد قال النبي ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» [رواه النسائي].
وكذلك بالذكر الدائم لله في الليل والنهار، فإن القلوب لا تحيا إلا بذكر الله، قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:28].
وكذا صحبة الأخيار ومجالسة أهل الطاعة، فالمؤمن مرآة أخيه، والقلب يلين عند لقاء الصالحين.
ومن سبل نيل حلاوة الإيمان: الصبر عن المعاصي، ومجاهدة الهوى، فمن ترك شهوةً لله أبدله الله حلاوةً في قلبه، قال يوسف (عليه السلام) لما دعي للفاحشة: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾ [يوسف: 23] فرفع الله شأنه، وأعلى مكانته.
ومن سبل نيل حلاوة الإيمان: الدعاء الدائم، فقد كان النبي ﷺ يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [رواه الترمذي]. وكان السلف يخافون من النفاق، ويجاهدون أنفسهم في طلب الإخلاص، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة: “أنشدك الله، هل سمَّاني رسول الله ﷺ مع المنافقين؟” خوفًا على نفسه، وهو من هو في الفضل والمكانة.
ألا فلنجعل بيننا وبين ربنا أعمال سرٍّ، لا يعلمها إلا الله، ولنكثر من تلاوة القرآن بتدبُّر، ولنُكثر من الصلاة على النبي ﷺ، ولنلزم الاستغفار، فهي مفاتيح لطمأنينة القلوب، وراحة النفوس، وتذوق حلاوة الإيمان وطعمه.
واعلموا أن القلب هو موضع نظر الرب، كما قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» [رواه مسلم].
فليكن قلبك عامرًا بحب الله، مُضيئًا بذكره، مُطمئنًّا بوعده، بعيدًا عن الغفلة والهوى، تفز بحلاوة الإيمان، وتعش مطمئنًّا سعيدًا.
الدعاء
